اعتقالات واسعة تقوم بها سلطة صنعاء ضد مدراء ومنسوبي المنظمات غير الحكومية في مناطقها، بمداهمة مكاتب المنظمات ومنازل مسؤوليها وإخفائهم ومنع المحامين والأسر عن لقائهم.
وطالت الاعتقالات عشرات الوكالات والمنظمات غير الحكومية الأممية والمحلية، وكذلك موظفين لدى السفارة الأمريكية، في حملة واسعة مزامنة للضغوط الاقتصادية التي تلقاها سلطة أنصار الله المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، والقرارات المتخذة من جانب سلطات عدن لإلزام البنوك والمنشآت الاقتصادية بالانتقال من صنعاء إلى عدن، والتي تواجهها جماعة أنصار الله ببيانات الإدانة والاستنكار والرفض نظرا لفداحة آثار القرارات على سلطة الجماعة في صنعاء.
مداهمة أكثر من 35 منظمة
وعلمت "النقار" أن المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية التي تم استهداف مسؤوليها في صنعاء يتجاوز عددهاخمسا وثلاثين منظمة تعمل في مجالات مختلفة معنية بالإغاثة والشؤون الإنسانية.
وفيما دانت الأمم المتحدة هذه الاعتقالات وطالبت بإطلاق سراح الموظفين المعتقلين فورا وبدون شروط، تحدث لـ"النقار" مصدر مسؤول بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا).
وقال المصدر إنه تم اقتحام أكثر من خمس وثلاثين منظمة غير حكومية عاملة في مناطق جماعة أنصار الله، وتم اعتقال مسؤولين فيها، ومصادرة الأجهزة والحواسيب، والتحقيق مع الموظفين العاديين من غير أصحاب القرار، وتركز التحقيق حول عدد من الموضوعات أبرزها طبيعة العمل وآخر الأنشطة التي زاولتها المنظمات.
وأكد المصدر أن هذه التحركات للجماعة تأتي كنوع من الضغط على وكالات الأمم المتحدة لمنع أي نوايا للانتقال من صنعاء إلى عدن، حيث طرأت خلال الآونة الأخيرة مسألة نقل المقار الرئيسية للوكالات الأممية إلى عدن مع الحفاظ على الأنشطة الإغاثية التابعة للمنظمة بمناطق شمالي اليمن.
إغلاق مقرات UN في صنعاء
استهداف أنصار الله وكالات الأمم المتحدة والموظفين غير الحكوميين "قد يدفع المنظمة إلى التحرك جديا لإعادة النظر في مدى أمن وسلامة البقاء الرئيسي في صنعاء، وبالتالي اتخاذ إجراء بوقف كافة الأعمال والأنشطة وإغلاق المقرات وإعادة ترتيب الأوراق من عدن، وذلك سيؤثر بالنتيجة على ما تبقى من أنشطة المنظمة في هذه المناطق"، وفق مصدر (الأوتشا).
ونوه المصدر إلى أنه "رغم التهدئة النسبية المترتبة عن الهدنة غير المعلنة منذ العام 2022، إلا أن أنشطة المنظمة تعمل في نطاق ضيق من الحرية، إذ تمارس حركة أنصار الله ضغوطا متواصلة على الموظفين غير الحكوميين مهما كانت أوضاعهم الوظيفية بين مسؤولين وموظفين أقل درجة".
من جهته قال موظف عامل لدى إحدى المنظمات المحلية غير الحكومية لـ"النقار" إنه تم اقتحام المنظمة واعتقال مديرهاالتنفيذي ومسؤوليها الماليين والإداريين، وتم فتح تحقيق في مقر المنظمة مع عدد من الموظفين والموظفات من قبل مسلحين تابعين للجماعة، حول طبيعة النشاطات الأخيرة التي عملت عليها المنظمة المعنية بشؤون المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
وأكد الموظف الذي شدد على عدم توضيح هويته، أن هذه التحركات تثير قلقا بين الموظفين بسبب اعتقال المسؤولين التنفيذيين وبالتالي تعليق العمل، خصوصا مع انتظار الموظفين استلام مستحقاتهم قبل حلول عيد الأضحىالمقبل.
ووصف هذه الإجراءات بأنها "ظهرت من العدم وبشكل غير قانوني وتعطل أعمال عشرات الموظفين بدون مراعاة أن ذلك يمس مصدر دخلهم الذي يعولون أسرهم به".
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن الجماعة قامت بسلسلة اعتقالات طالت خمس وكالات مختلفة تتبع المنظمة والمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، كما اعتقل موظفون في المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) وهو كيان مرخص معني بالديمقراطية تموله الولايات المتحدة الأمريكية، وموظفين آخرين في مجموعات محلية معنية بحقوق الإنسان.
ويذكر أن أنصار الله احتجزت قرابة عشرين موظفا يمنيا لدى السفارة الأمريكية -المتوقفة عن العمل- بصنعاء على مدار السنوات الثلاث الماضية.
وخلال الفترة الماضية ألقت جماعة أنصار الله بتهمة التخابر مع جهات أجنبية ضد العشرات من اليمنيين والمعتقلين حاليا، وجرى الحكم عليهم بالإعدام، بمن فيهم عدنان علي الحرازي، والذي حكم عليه مطلع يونيو الجاري بالإعدام بتهمة "التخابر مع العدو"، وهو مدير شركة "برودجي" العاملة كوسيط بين الجهات المانحة في المجال الإنساني والجهات الحكومية المنفذة للمشاريع.
قرارات عدن تربك الجماعة
"طوال هذه السنوات نعمل بشكل طبيعي في صنعاء، ولا يخلو من توترات وضغوطات من قبل أنصار الله، لكن ليس إلى هذا الحد من الاستهداف الممنهج" كما يقول محمد عبدالله، العامل لدى منظمة الصحة العالمية.
وفي حديثه لـ"النقار" أكد الموظف منذ ست سنوات لدى WHO، أن الأمم المتحدة لا تفصل القرارات الأخيرة المتخذة من جانب سلطة عدن عن سياسات أنصار الله الصدامية الأخيرة ضد المنظمات كتصرفات انتقامية وضاغطة لتعدل عدن عن قراراتها.
وأردف: "اتجاه أنصار الله للقوة ضد الوكالات الإنسانية لن يضر إلا بأنشطة الوكالات وبمناطق سيطرة الجماعة".
وعبر الموظف الأممي عن قلق الموظفين لدى الأمم المتحدة من الأزمة الراهنة بسبب إيداعهم أموالهم لدى البنوك التجارية الخاصة على مدى سنوات ماضية، إضافة إلى إمكانية اتخاذ قرار بنقل مقار المنظمات رسميا إلى عدن مما يعني الاستغناء الحتمي عن عدد كبير من الموظفين المتعاقدين.
وقد تزيد مغادرة الأمم المتحدة صنعاء من حدة الأزمة المالية والمصرفيةبصنعاء في الوقت الحالي، إذ تمثل أنشطة الوكالات منفذا أساسيا لإدخال العملة الصعبة إلى مناطق الجماعة التي استحوذت على معظم النقد من الدولار لصالحها، وتسببت في شل القطاع المصرفي وجزء من الحركة التجارية.
وتوسعت قرارات سلطات عدن مؤخرا إلى ما هو أبعد من البنوك لتشمل نقل مكاتب وإيرادات ومبيعات شركة الخطوط الجوية اليمنية ومكاتب النقل والسفريات، وشركات الاتصالات والهاتف النقال، وهو ما واجهته سلطة جماعة أنصار الله بكثير من القلق بحسب بياناتها المنشورة والتي تعتبر ذلك في إطار حرب خارجية ضدها.
وإزاء مرحلة التصعيد ضد الجماعة، اتخذت الأخيرة قرارات بفتح طرقات فرعية مغلقة كانت ترفض فتحها طوال السنوات الماضية، وهي طرق الحوبان والخمسين في محافظة تعز، وطريق الجوبة الرابط بين محافظتي البيضاء ومأرب.
وبعد حوالي عشر سنوات من الغلق الذي فاقم معاناة اليمنيين، ربط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بين هذه الخطوات التي اتخذتها الجماعة والضغط الحاصل عليها نتيجة قرارات عدن.
واعتبر البعض الأمر نوعا من مغازلة سلطات عدن من أجل الوصول إلى حلول وسط بين الطرفين في ظل الأزمة الراهنة، فيما رأى آخرون أن فتح الطرق لا يستحق الشكر، كالنائب أحمد سيف حاشد الذي قال إن فتح الطرقات الفرعية هو هروب من استحقاق فتح الطرقات الرئيسية التي يجب فتحها عاجلا غير آجل.