* بصرف النظر عن مكان إصدار بطاقتك أو جواز سفرك.. ومكان إقامتك.. كنت في صنعاء أو عدن.. في مارب أو تعز أو حضرموت.. في خَندق كنت أو في فُندق.. في شتات البلاد أو شتات اللجوء.. غُربة أو هِجرة في مكان قصي من الأرض.. أنت يمني.. و”من خضرة القات في عينيك أسئلة” تدل عليك وتقتفي أثرك.
* أنت بحاجة إلى اليمن.. يمن السلم والاستقرار.. وسبب التذكير بأهمية الارتباط بالهوية الأصل، وبالسلام، هو نسيان كثيرنا أن القوانين في عالم المصالح والنفاق في حالة تشكُّل.. والأهم من ذلك خصوصية ومنطق الحياة اليمنية المحكومة بالامتداد والتداخل العائلي الذي يجعل جزءًا منك في مكان وأجزاء في مكان، داخل اليمن وخارجه، ما يجعلك على موعد دائم مع أوجاع اليمني المشدود إلى هذا الاحتباس القاتل، وهذا التشظي الفاشل الظالم..!
* وما دامت أشكال الصراع والتقسيم والحدود وعوائق الانتقال من مكان إلى آخر قائمة في صورة نقاط وطرق مغلقة وتمترس سياسي وجهوي خانق هنا وهناك، فلا عاصم لأحد من تبعات هذا التمزق.. لا عاصم من صور الخوف من أن أكون أنا أو أنت أو هُم الضحية والمجرم، ونحن الخبر داخل حوادث تضييق كثيرة وصلت بإخوة لنا حد الموت في حاجز أمني أو مَخنق جهوي بتهمة معلبة أو حتى باشتباه سياسي في اسم شخصي أو لقب عائلي أو حتى منشورات على فيسبوك في لحظة نشوة سياسية غير محسوبة.
* أنت وأنا وهم والجميع بحاجة للسلام وتحديد شكل الدولة وصورة النظام الذي يحدد العلاقة بين شركاء الوطن.. أرض وناس وعَمار.. ومن يقول غير ذلك عليه أن يقطع علاقته بأمه وهمّه وعمّه، ويعلن أنه مقطوع من شجرة في غابات الأمازون، ولا يعنيه كل ما يجري داخل اليمن المنكوب بأبنائه قبل كل شيء.
* وهذه التفاصيل الخلافية التمزيقية أو بعضها تنبهنا لخطورة ما لا تحمد عواقبه، سواء في صورة حقيقية أو تصور خائف، لأن للأوضاع التي يعيشها اليمنيون في كل مكان مخاوفها الطبيعية وغير الطبيعية.. وراجعوا ما يحدث لليمنيين في الداخل وأماكن اغترابهم وشتاتهم، حيث لا عاصم من ضغوط معيشية ونفسية وعصبية ناتجة عن تمزق العائلات اليمنية على خلفية الحرب والأزمات والصراعات.
* وحتى لو اعتقدت أن أمورك الشخصية تمام، من مال حلال أو حرام، سيبقى الحنين إلى أهلك وإلى ربوع بلادك أو بقية عائلتك وأصدقائك يُتعب قلبك.. وسيبقى حنينك الموجع لأحباء يدرسون أو يعملون أو يلجأون في شتات الخارج يقرص أذنك ويأخذ بناصيتك ويعبث بأعصابك.
* لن تنفعك كتب التنمية التي تقول لك أمورك تمام، أو عِش اللحظة، أو اتصل بأمك “بالإيمو” بكرة وبعد بكرة.. لأن العقل الباطن أذكى من عقلك الظاهر.. وسيداهمك الحنين إلى أمك التي لا تستطيع أن تزورها في اليمن أو حتى تحضر جنازتها لأنك متهم بحكم الموقف أو التمترس السياسي عند موظفين على مستوى اليمن من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، تؤكد مواقفهم بأن غيرهم متهم وسخ حتى تثبت نظافته.. وعذرًا ولكن…
* أشعر بالحزن عندما يكتب يمني في صفحته بأنه لا يستطيع زيارة أمه المريضة لأنه خائف من عبور عدن أو مأرب قادمًا أو مغادرًا، أو لا يستطيع السفر من صنعاء لأداء الحج، أو أن ابنته ستتزوج في مكان لا يستطيع مشاركتها الفرح، والحكايات التراجيدية الباكية كثيرة.
* وما سبق من كلام ليس “فزعة” سياسية مع هذا الطرف أو ذاك، ولا يعبر عن احتمالات ظنية، ولا أفكار وهمية، وإنما هو واقع يكفي لأنْ يقول من في شتات الداخل: يا وطني الجريح.. أنت سجني.
ويقول من في شتات الخارج: يا مهجري أنت موطني الحارق المزيف، وأنت غربتي المشطّر لعائلتي وأصدقائي ومرابع طفولتي.
* ولأن قيمة جواز سفرك هي احترام الآخرين لاسم بلدك وحالته على الخارطة العالمية، صار الجواز اليمني عائقًا، حتى إن هناك من المؤهلين يسمعون من يقول لهم في مطار أو قنصلية: لا خلاف عليك ككادر وكفاءة سبق وزرت بلدنا، ولكن مشكلتك في أن جواز سفرك اليمني محاصر بعلامات استفهام قديمة وجديدة، وسفاراتك مجرد مرتع لتوظيف الأولاد والبنات والزوجات والأنساب وشبكة المحسوبية وعلاقات المجاملات.
* ولكل ما سبق من حالات صراع وتمزق وتضحيات وأشواق مقهورة محتبسة في كل اتجاه، وانعكاس ذلك على تفاصيل خارطة المعاناة والتسول.. ليتنا جميعًا نستدعي المحبة لليمن.. ليت فرقاء السياسة ينتصرون لأهلهم وعشائرهم الممزقة ويوقفون علاقاتهم المؤذية.
* عودوا إلى أصول الحكمة.. استردوا الملامح الضائعة.. والمعاني التي صارت رخيصة.. وكفاية على كل مسؤول يمني في أي طرف ما أحرزه من البطولات العالمية في الفشل الأخلاقي وإثارة الفتن وتعقيد الحياة.
* أيها الفرقاء.. لقد تعب أصدقاؤنا وأصدقاؤكم من أوضاع بلد مزقتموه حتى لم يبقَ لليمنيين ما يفرحوا به، ويكفي أن تتذكروا كيف أن من لم تنتهِ به أفعالكم لضيق الصدور وقرصات الجوع غادروا إلى القبور، وقائمة من ماتوا “المجلوطين” ليس لها آخر..!
* أعيدوا للشعب وطنًا محكومًا بشكل من أشكال النظام الذي يحقق الألفة والتعايش في أجواء فيدرالية أو كونفدرالية سقفها الوضوح والقانون والعدل.
* وإلى أن يتحقق ذلك سنبقى نقول لبعضنا كيف الحال أيها الكارثة.. ولا حول وطول ولا قوة إلا بالله.