خاص | النقار
الخلاصة أنه لا خلاصة، فالسجن في ظل سلطة صنعاء أصبح كأنه ينتقي نزلاءه بخبرة وأسلوب جديدين يتناسبان مع المرحلة الراهنة، تاركا كل المجرمين طلقاء أحرارا وآخذا على عاتقه ملاحقة القانون في كل زقاق ليأتي به مكبلا ومحاكما بتهم العمالة والتآمر.
لم يدرك المهندس محمد المليكي، وهو يصرخ بأعلى صوته متحدثا عن جرائم تحدث في الخفاء ضحيتها الأطفال والمواطنون والأبرياء الذين لا يعرفون أن حكومتهم تجرعهم الموت وأنواع السرطان حليبا معلبا وسموما ومبيدات، أن أصداء صرخات صوته لم تصل إلى السجن الذي سيتم استدعاؤه إليه. راح يبحث عن تلك الأصداء في مجلس النواب وهيئة مكافحة الفساد، لعل الهيئتين المعنيتين بالالتفات لكل وثائقه وشكاواه وشهاداته باعتباره خبير مواصفات وجودة كشف مخالفات جسيمة لوزارة اسمها الصناعة والتجارة ووزير يبدو بلا مواصفات ولا جودة سوى أنه يحمل لقبا يعفيه من كل ذاك، فهو "المطهر" من الشوائب والشائبات وبالتالي يستطيع أن يتوعد كل من يعترضه وينفذ تهدايداته بحذافيرها.
ثلاثة أيام مضت حتى الآن منذ اعتقال المليكي، المدير السابق لمكتب هيئة المواصفات بذمار، والذي أقيل قبل فترة بقرار من الوزير محمد المطهر نظرا لكونه لم يلتفت إلى ما يرد من إملاءات.
المهندس المخضرم الخبير في المواصفات والمقاييس والذي كان يشغل منصب مدير فرع ذمار، وكان يخدم بلاده بإخلاص واجتهاد في مجاله لسنوات عديدة، لم يكتف بمجرد أداء واجباته المهنية، بل نشط أيضًا في محاربة الفساد والفاسدين فواجه معارضة شديدة من قبل الجهات المعنية، حيث تمت إقالته من منصبه بشكل غير مبرر بعد محاولاته الجادة للكشف عن الفساد وإصلاح النظام ومنع دخول العديد من البضائع المخالفة والتي تشكل خطرا حقيقيا على المواطنين وهي سبب رئيسي لانتشار مرض السرطان، رفض المليكي الصمت والاستسلام، واستمر في الدفاع عن قيمه ومبادئه.
سخر من الإقالة ولم يستسلم، بل أصر على فضح ما يجري فكان اعتقاله هو المكافأة التي يستحقها من قبل سلطة صنعاء، ليدفع حريته ووظيفته ثمنا لأمانته وحماية لأرواح الآلاف من الأبرياء.
كان المليكي قد توجه صباح الأحد الخامس من مايو 2024، إلى "الهيئة العامة لمكافحة الفساد" ليتابع ملف شكوى تقدم به قبل نحو عام بخصوص تجاوزات وزارة الصناعة، غير أنه بعد ساعات قام البحث الجنائي باستدعائه ليتم اختطافه عصر اليوم ذاته بسبب شكواه ضد الوزارة.
فبينما كان يواصل نضاله ضد الفساد، تم اعتقاله بشكل مفاجئ وها هو في السجن دون أي تهم واضحة.