• الساعة الآن 12:18 PM
  • 25℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

مجزرة رداع.. وكأن موتاً لم يكن

news-details

خاص - النقار

 

مضى أكثر من شهر على وقوع جريمة تفجير منازل أهالي "رداع" الآهلة في محافظة البيضاء، والتي قتل فيها قرابة 15 شخصا بينهم نساء وأطفال في صباح التاسع منرمضان الماضي، وأُصيب آخرون، وعلى الرغم من انقضاء هذه المدة إلا أن سلطة جماعة "أنصار الله" لم تف بتعهداتها بتعويض الأهالي عن الكارثة، كما لم تقم بمحاكمة الجناة كما زعمت بعد أن وجدت نفسها محاطة بقضية رأي عام في الداخل والخارج.

وحتى الآن لم يُحاكم أفراد الأمن المحسوبون على الجماعة، بعد ارتكابهم الجريمة، وليس ممكنا إجراء المحاكمة المنتظرة، إذ لا محاكمة لجناة لم يتم القبض عليهممن الأساس.

وكأن غيمة سوداء انزاحت من على رؤوسهم، صمت "أنصار الله" عن أي إفصاح رسمي بخصوص قضية رداع عموما وتعويض الأهالي ومصير الجناة، على رغم أن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي اعتبر المجزرة "تصرفا إجراميا فرديا مدانا"، وقال إنه وجه فورا بإيقاف المسؤولين عما حدث ومحاسبتهم بشكل عاجل وجبر ضرر المتضررين وتعويضهم عن الأنفس والمنازل، معتبرا أن "الدم اليمني غالٍ علينا".

واكتفت الجماعة بالإعلان عن إقالة مدير أمن المحافظة وعدد من القيادات الأمنية بالمحافظة ممن لهم علاقة بالواقعة، كما أن الجهات المعنية لم تصدر أي بيان لاحق متعلق بالقضية، مثل وزارة الداخلية التي أعلنت فتح تحقيق مستعجل لم تظهر أي نتائج له بعد، والنائب العام محمد الديلمي الذي اكتفى في البداية بالتوجيه بفتح "التحقيق في واقعة مقتل وإصابة عدد من رجال الأمن ومواطنين في مدينة رداع".

 

إسكات الأهالي بالقوة والجناة أحرار

تحت الضغط الشعبي التالي للجريمة سارعت الجماعة في البداية إلى احتواء الموقف بلقاء عدد من أهالي الضحايا، وتعهدت بمحاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة، وتقديم التعويضات المادية وإعادة إعمار منزل آل الزيلعي الذي تم تفجيره ونجم عنه تهدم منازل أخرى لعدد من الأسر كآل ناقوس واليريمي ومجاهد.

مصدر من أبناء رداع على قرب من أهالي الضحايا واطلاع بالقضية قال لـ"النقار" إن موفدي الجماعة إلى عدد قليل من الأهالي المتضررين حاولوا احتواء الموقف "بقوة القَبْيَلة" من خلال التحدث معهم عن أن مثل هذه الحادثة ممكنة الحدوث، وإغرائهم بمنحهم كامل حقهم القانوني، وجاء هذا الضغط لكسب الأهالي إلى صف الجماعة في هذا الظرف. 

وأضاف المصدر أن موفدي الجماعة، ومنهم محافظ البيضاء ونائب وزير الداخلية عبدالمجيد المرتضى ومحافظ ذمار محمد البخيتي، أبلغوا أهالي الضحايا بأنه سيتم تعويضهم وفق توجيهات من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وأنه سيتم إحالة المتورطين إلى القضاء، لكن لم يحدث شيء حتى الآن ولم يتم تقديم أي تعويضات لهم، وما كانت تلك التعهدات إلا بمثابة "تخدير للأهالي" على حد وصفه.

بعد يومين من المجزرة قالت الجماعة إنها باشرت إنشاء منازل بديلة عن المنازل المتضررة، وذلك "برفع المخلفات وسيتم بناء المنازل وإعادتها كما كانت عليه من قبل". علق المصدر على ذلك بأنهم "جاؤوا لالتقاط الصور للمسلحين ومهندسي البناء فقط"، مؤكدا أن الأهالي المتضررين لجأوا للسكن لدى منازل لأقربائهم.

وليس هناك من أنباء عن المكان الذي يتواجد فيه الجناة حاليا، إلا أن المصدر أوضح أن أفرادا تابعين للجماعة قالوا إنه تمت إحالة الجناة إلى النيابة العسكرية، لكن هناك اعتقادا سائدا بالتستر على هؤلاء الأمنيين من طرف الجماعة، في حين تؤكد منظمات حقوقية، مثل هيئة الدفاع عن الحقوق والحريات "هود"، أنه لم يتم القبض على المتهمين أساسا، مما يعد انتهاكا لحقوق الضحايا وعائلاتهم.

وأشار المصدر الذي فضل عدم توضيح هويته في حديثه لـ"النقار" إلى أن الجماعة حظرت بالقوة لجوء الأهالي إلى القضاء أو توكيل محامين للادعاء على الجناة، معتقدا أن من حقهم الادعاء حتى على شخص وزير الداخلية، كما تم منعهم من اللجوء إلى أي وساطات من مشايخ البيضاء للنظر في ملف القضية ومستجداتها.

وتحاول الجماعة إخفاء حالة التعنت والرفض التي يبديها الأهالي وأبناء رداع. فعلى سبيل المثال طالبت الجماعة بدفن الضحايا، ولم يقبل الأهالي بالدفن إلا بعد محاكمة علنية وإعدام الجناة، لكن بعد ذلك تم إجبار أحد أفراد أسرة "اليريمي"، وهو إبراهيم اليريمي، على التوقيع على الموافقة لنقل تسعة من جثث ضحايا الأسرة (ستة ذكور وثلاث إناث) لدفنهم في مدينة يريم بمحافظة إب، وتم الدفن بعدها بنحو أسبوعين، في مسعى لإغلاق ملف القضية، في حين تمسك أهالي ستة متبقين من الضحايا بألا يتم دفنهم إلا عقب قبض ومحاكمة وإعدام الجناة.

وتحت الضغط وعدت الجماعة إبراهيم اليريمي الذي نجا وحيدا من الحادث، ببناء منزل له ولمن تبقى من عائلته مقابل أن يوقع على الدفن، على أن يتم بناء المنزل في يريم لا في رداع، لكن لا جديد بخصوص تنفيذ هذا الوعد.

وتُقرأ خطوة نقل جثامين الضحايا إلى إب ودفنهم هناك كخطوة تتنصل بها الجماعة من تقديم الجناة للمحاكمة قبل الدفن، وذلك بعد أن رفض أبناء رداع محاولات الجماعة دفن الضحايا قبل أن تفي الجماعة بوعودها المرتبطة بالمحاكمة.

 

احتقان شعبي وسطوة مذعورة

إثر غضب الرأي العام على الجماعة التي اعتاد مسلحوها تفجير منازل الخصوم، خالية أو آهلة، ذكر المصدر لـ"النقار" أن الجماعة كثفت تحركاتها لمحاصرة مناطق في رداع وخاصة "حارة الحفرة" التي فُجعت بالمجزرة، وذلك بالمصفحات ونشر المسلحين والأطقم لتلافي أي تحرك ضد الجماعة، كما أنها حاليا تحرص على فتح مراكز الدورات الصيفية في رداع، أمام اعتراض شريحة واسعة من أبناء المدينة على استقطاب أبنائهم لهذه الدورات.

وبدوره عمد مكتب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي عقب الحادثة إلى استدعاء مشايخ وعقال مدينة رداع إلى منزل أحد المشايخ، وهو الشيخ النصيري، وتوعد مسؤولو المكتب بأنهم سيواجهون أي ردة فعل قد تحدث ضد الجماعة من قبل أبناء رداع تجاه الفاجعة.

وضمن ردات الفعل اللاحقة، تكتمت الجماعة على مقتلالمشرف الأمني التابع للجماعة برداع، محمد الكينعي، واثنين من مرافقيه، على يد اثنين مجهولين نفذوا عملية الاغتيال ليلا من على متن دراجة نارية، وذلك برمي قنبلة على النقطة الأمنية. أشار المصدر إلى أن الجماعة لجأت للتعتيم على الخبر لعدم معرفة هوية الفاعلين، مع مباشرة الملاحقة والتضييق على عدد من أبناء رداع.

 ولا يُسمح لمنظمات حقوق الإنسان والأصوات المؤثرة بالوصول إلى أسر ضحايا مجزرة رداع وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء المدينة.

وحول الحالة المجتمعية الراهنة، قال المواطن "فاضل الرداعي" لـ"النقار" إن الجماعة سعت إلى إبراز صورة مختلفة عن أبناء رداع وإظهار أنهم ما زالوا مؤيدين للجماعة، في ظل احتقان حاصل بالفعل في مجتمع رداع نتيجة لحالة سخط على الجماعة.

وبعد الحادثة مباشرة استقدمت الجماعة مجموعات من الموالين لها من محافظات أخرى إلى رداع لإقامة مسيرة تحت عنوان مناصرة غزة، من أجل تصوير أن أبناء رداع يؤيدون الجماعة على رغم المجزرة التي حدثت، وذلك للتغطية على خروج مظاهرة مناوئة برداع رفع متظاهروها هتافات ضد الجماعة. 

هذا وينطلق تعاطي جماعة "أنصار الله" مع القضية وتعتيمها على حالة السخط الفعلي في رداع، بناء على الفكرة التي تبناها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي عقب المجزرة، عندما قال إن هناك من يسعى لاستغلال الجريمة في الشارع اليمني ضد الجماعة بدعم إسرائيلي وأمريكي، وبرر ذلك بأن هناك تعليقات تحريضية من إسرائيل وأن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت بيان إدانة للجريمة.

وبنبرة ساخرة علق الحوثي بأنه سيترك الرد على "الأمريكي والإسرائيلي" لـ"أهلنا وأحبائنا وإخوتنا في رداع بما يخرسهم"، إلا أنه تجاهل أن أتباع الجماعة يمارسون ضد أبناء رداع أنفسهم أساليب الترهيب والتكميم بل والاستهزاء منهم إزاء ظروف سابقة عاشتها المدينة في ظل سيطرة تنظيم القاعدة الإرهابي منذ عام 2012 حتى أكتوبر 2014 عندما سيطر "أنصار الله" على معاقل القاعدة في رداع.

فكما يقول المواطن فاضل الرداعي لـ"النقار"، ترد الجماعة على معارضيها في رداع بأنه لم يُسمع لهم صوت عندما كانت المدينة تتجرع ويلات وتفجيرات القاعدة، وتابع: "هذا يعني أن أنصار الله يقارنون أنفسهم وتصرفاتهم بتنظيم إرهابي آخر، كما أنهم يتجاهلون أنهم أصبحوا سلطة من واجبها توفير الأمان للمواطنين دون أن تمن عليهم بهذا الأمان، ووجود القاعدة كان يغذيها هوامير وقبائل لكن أبناء رداع كانوا يواجهونها وقدموا تضحيات في سبيل ذلك".

شارك الخبر: