خاص | النقار
يبدو أن سلطة صنعاء استمرأت اللجوء إلى الحلول القبلية كلما تورطت في غيها وانتهاكاتها.
فمع كل جريمة وتعد على النظام والقانون من قبل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية ومشرفيها تبادر إلى تصوير الجريمة على أنها تصرف فردي سيتم حله بكل حزم، وإلى إرسال مسؤوليها بصفتهم المشائخية كوساطات للخروج بحل يعفيها من مسؤوليتها كدولة أو على الأقل كسلطة أمر واقع وجعل الجرائم التي ترتكبها ضد المواطنين تصرفات فردية لا أقل ولا أكثر، وذاك ما حدث مع جريمة رداع. وكأن استقدام قوات خاصة وتحريك حملة أمنية مكونة من عشرات لتقوم بتفجير منازل المواطنين، كل ذلك يتم هكذا دون توجيهات ولا أوامر صادرة ولا عمليات ولا شيء مما يدل على أن إجراءات سلطة، فقط كائن اسمه الوهنان يعمل مشرفا أمنيا في رداع كان صائما فبلغ به نزق الصيام لأن يلغم تلك المنازل ويقوم بتفجيرها ثأرا لمقتل أخيه.
وبحسب أحد متزلفي سلطة صنعاء على منصة إكس (وحيد الطوالبة) يبدو فقط أن "جهات خططت للعملية وزرعت المنزل بكمية كبيرة من المتفجرات حتى تحدث ضررا بالغا وأكبر عدد من القتلى والمتضررين"، حيث لو كانت الكمية مناسبة لكان الأمر عاديا بالنسبة للطوالبة.
منذ اليوم الأول لوقوع جريمة رداع التي أحدثت ضجة عارمة في الشارع اليمني، سارعت داخلية صنعاء إلى التعبير عن أسفها لما سمته الحادث المؤلم الذي قام به بعض أفراد المؤسسة الأمنية وأسفر عنه سقوط ضحايا، مشددة على أنها ستتخذ الإجراءات القانونية ضد أولئك "الأفراد"، بأن تقيلهم من عملهم مثلا وتضيف إلى إقالتهم إقالة مدير أمن البيضاء ورداع كنوع من التعبير على كونها لا تتسامح مع المخطئين.
ظهر بعدها القيادي الإعلامي للجماعة نصر الدين عامر في مقيل بمحافظة ذمار ضم المحافظ البخيتي ومحافظ البيضاء وآخرين، ليتم توجه اللجنة إلى رداع وعقد لقاءات مكثفة يبدو أنها خرجت بنتيجة قبلية عنوانها جبر الضرر.
أما القيادي في الجماعة حسن العزي نائب وزير خارجية صنعاء فقد قرأ الحدث من زاوية أخرى، حيث خلص إلى أن كلا من المجرم والضحية هم "من البيت"، فـ"الجناة من وزارة الداخلية والمجني عليهم من أنصار الله"، كما قال في تغريدة له على منصة إكس. فالعزي ينظر إلى الحدث على أنه في النهاية شأن يخص الجماعة جانيا ومجنيا عليه، وبالتالي بناء على قاعدة "من ذبح من ديمته ما غرم" القبلية، فإن الحديث هنا هو عن جبر ضرر في شأن داخلي لا أقل ولا أكثر.
وطالما أن الأمر كذلك، فسرعان ما ستشارك صفحات ناشطي أنصار الله تغريدة لـ"أبو سلطان الزيلعي الأهدل"، على أنه ابن عم الذي تم تفجير بيته في رداع، مفادها أنه "بحمد الله" تم حل قضية تفجير منزل ابن عمه مؤكدا أن أسرته لقيت من حكومة صنعاء التجاوب السريع والمنصف لهم، وموضحا أنه سيتم تعويض الضحايا بحيث تستلم أسرة كل ضحية مبلغ 10 ملايين ريال يمني مقابل ثوب قبر كل ضحية إضافه إلى الدية الشرعية وأنه سيتم بناء المنازل المهدمة بعد الدفن مباشرة.
الذي يبدو من تغريدة الزيلعي هو أن ضغوطا مورست على أسر الضحايا للاكتفاء بالقبول بالحل القبلي، لتكون التعويضات هي العنوان الذي سينتهي به "الحادث المؤلم" وفق تعبير داخلية صنعاء، تماما كما لو كنا نتحدث هنا عن حادث مروري تسبب بسقوط ضحايا سيتم جبر الضرر الذي حدث لهم من خلال تعويضات وديات سيتم تكليف لجنة لصرفها "على وجه السرعة".
أما المطلب الشعبي بسرعة محاكمة قتلة الأطفال والنساء والشيوخ الذين سقطوا ضحية لتلك الجريمة الصارخة فيبدو أن سلطة صنعاء قادرة على تمييعه وتضييعه مثلما ميعت وضيعت غيره، وءلك من خلال محاكمات شكلية للمجرمين في أروقة القضاء ثم التستر عليهم والسلام.