خاص | النقار
تكثر عناوين التصدق والتزكي والبر في الشهر الفضيل، وتحضر أدعية الـ إم بي ثري في الجوامع والإذاعات بشكل جديد هذا العام، فالبرنامج الرمضاني تم تطويره ليناسب ذوق الجوعى الباحثين عن توفير مستلزمات الشفوت. وبين "مكرمة" المشاط الرئاسية و"صدقة" أبو نشطان الزكوية، يحدث للجوعى أن يحلموا بلافتة أخرى اسمها السلال.
ظهر صنعاء وعصرها كفيلان بجعل الطيرمانات غارقة في نومها، فيما الشمس تلفح بيوت الصفيح على الجانب الآخر من المعادلة. إنها معادلة الفاقة المعيشية في الأرض ونصف الراتب المكرُمة من السماء. وبين السماء والأرض وعود ورعود ينقشع غيمها في اللحظة التي تصطف فيها طوابير الصدقة وسلال الذل.
14 مركزا منتشرا في عموم العاصمة لتوزيع السلال الغذائية، وفي كل مركز 5 لجان: لجنة الفحص، لجنة الفرز، لجنة الترقيم، لجنة التعقيم، لجنة التسليم. كل هذا لاستلام سلة غذائية مؤلفة من خمسة كيلوغرامات أرز ومثلها سكر وعلبة زيت وكيس قمح وكيس دقيق وشيء من ملح. فالملح في نظر مراكز التوزيع مهم إرفاقه في السلة حتى تشعر بعطشه الطوابير المصطفة رجالا ونساء، ناهيك عن تفصده عرقا في أجسادهم وطفحا في عيونهم من لفح الشمس وبرودة أعصاب الموزعين.
سينتهي التوزيع في موعده المحدد، ليأتي بعد ذلك أبو نشطان رئيس هيئة الزكاة، بعسيبه المذهب الذي يكفي كي يلتف سورا منيعا آخر على صنعاء ويمحض الجوعى في شوارعها وأحيائها شيئا من حنانه ولطفه. لكن ليس الآن، فمازال الوقت مبكرا بعض الشيء ونوم الطيرمانات عميق كما يبدو على أبو نشطان وغيره من مسؤولي سلطة صنعاء. ونصف الراتب الذي حرص المشاط على صرفه بقرار جمهوري وبـ"حفظه الله" مازالت مكرمته سارية المفعول والأثر إلى أن ينتصف الشهر على الأقل.
عندها ستكون العاصمة صنعاء على موعد مع عسيب أبو نشطان وقد امتد سجلا طويلا من الأسماء الساقطة سهوا أمام مكاتب البريد، والأعين التعبى ذاتها قد اصطفت هناك أيضا تبحث عن أسمائها في ذلك السجل. تمتد الأصابع بارتعاش لتطلب من موظف البريد أن يدقق أكثر، تخاف ألا يعثر على اسمها فتعود خائبة. ومثلما أن كيس الملح ضروري لمنح طوابير السلال صك عطش الصوم، فإن مبلغ العشرين ألف ريال الذي ستجود به هيئة الزكاة النشطانية هو الصك الذي يجعل من يحظى به رمضانيا بليلة قدر. أما من لم يحظ بذلك الصك فلا هو رمضاني ولا أمعاؤه الخاوية وحلقه الجاف كافيان لأن يجعلا منه صائما، وعليه أن يراجع هيئة أبو نشطان لماذا حرمته من ذلك الصك. فرمضان بحسب الأثر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. وهكذا يبدو الأمر مع مكرمة المشاط وسلال الملح وصدقة أبو نشطان.