نقّارون

يغيظني كثيراً ذلك المثقف و"التنويري" الذي يظن أنه يساعد في فهم وتحليل ومعالجة المشكلة اليمنية من خلال كتاباته التي يتصدى فيها لإشكالات وقضايا فكرية وثقافية وحضارية كبرى متعلقة بالعالم الإسلامي أو العربي.

من السهل إثبات خطأ هذا الظن.

نعم،

هناك تحديات وأسئلة وإشكالات عامة يشترك فيها اليمن مع غيره من المجتمعات العربية والإسلامية، بل ومع غيره من شعوب العالم،

لكن هناك في المقابل تحديات وأسئلة وإشكالات ينفرد بها اليمن -بوضعه الحالي- دوناً عن غيره، بل إن حظه عظيماً حتى من تلك التحديات والإشكالات التي يشترك بها مع غيره.

الوضع اليمني الراهن يثير أسئلة كبيرة من نوع خاص، ومعظم الأجوبة المطروحة من محفوظات ونقليات زمن ولى.

من الأفضل أن تركز طاقة فكرك وشعورك على بحث معضلة بلدك، تحليلاً وتركيباً وفهماً،

ولتكن مثل هذه الأسئلة نصب عينيك على طريقة رواد النهضة في كل العصور:

لماذا اليمن على هذا الحال؟

لماذا تقدموا وتأخرنا؟

لماذا استمروا وانقطعنا؟

فكر وابحث وتأمل باستقامة ومسؤولية وشمول.

لا ننكر عليك انشغالك بأسئلة الدين والتراث والثقافة والمدنية،

ما ننكره فقط هو تجاوزك في طرحها للأفق المحلي اليمني بحدوده وممكناته التاريخية وحاجاته العملية!

يحلو لك أن تتناول الأمور في عموميتها، وهذا يضعف من قيمة منتجك الفكري والمعرفي في النطاق الوطني المحلي.

تقول لنفسك أن اليمن "جزء" من "كل" حضاري وثقافي هو العالم الإسلامي،

وأن البحث في قضايا وإشكالات "الكل" يلقي بالضوء على قضايا وإشكالات "الجزء"،

وأن ما تقوله عن "الكل" يصدق على "الجزء".

هذا ليس صحيحاً في التاريخ وعلم الاجتماع والعُمران، فالحال في اليمن من جميع النواحي تقريباً ليس هو نفسه في المغرب أو أندونيسيا أو السعودية أو مصر… وغيرها.

المصائر منفصلة ومتفاوتة حتى لو تشابهت في وجوه، والتطور غير متكافىء،

والأحوال على تباين شبه كامل!

إن الإفراط في الثرثرة عن أسباب وعلل "تخلف العرب" أو "تخلف المسلمين" لن يفيدني كيمني في شيء، ولا أدري ما الذي ستضيفه أنت في ذلك المضمار الذي سبقك إليه أعلام كبار منذ رفاعة الطهطاوي والكواكبي ومحمد عبده وقاسم أمين وطه حسين وسلامة موسى والعقاد وإسماعيل مظهر ومحمد كرد علي وأمين الريحاني ومعروف الرصافي وزكي نجيب محمود، ومئات الأسماء غيرهم من مصر وغير مصر، وصولاً إلى الطبقة الأحدث التي تضم الجابري ونصر حامد أبو زيد وحسن حنفي ومحمد أركون والعروي، على الرغم من أن أكثر هؤلاء كان يجمع في فكره بين الهم الإصلاحي الوطني المحلي والهم الإسلامي أو العروبي.

على الرغم من أن أكثر هؤلاء كان يجمع في فكره بين الهم الإصلاحي الوطني المحلي والهم الإسلامي أو العروبي.

بعبارة أخرى:

ما الشيء الخطير الذي ستنفرد بقوله عن سبب "تخلف المسلمين" وأنت لم تنفرد بقول شيء خطير ومميز عن سبب تخلف وانحطاط بلدك؟