• الساعة الآن 11:44 AM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ماذا يعني رفع الحصانة عن القاضي قطران؟

news-details

خاص | النقار

أن يكون القضاء مستلبا من قبل سلطة الحكم فأمر يحدث كثيرا. لكن أن تقوم تلك السلطة بامتهان القضاء باسم القضاء نفسه فذلك ما لا يحدث إلا في ظل سلطة صنعاء التي يبدو أنها امتهنت كل شيء، بما فيها القوانين والدستور، وجعلت من نفسها هي السلطة القضائية والقضاء هو السلطة التنفيذية.

لكأن مجلس القضاء الأعلى، وهو يصدر قراره برفع الحصانة عن أحد القضاة كإجراء يعرف بطلانه من كل الجوانب والحيثيات، لا يدري أنه بذلك يكون قد أسقط الحصانة عن نفسه هو أيضا بأن سمح للسلطة أن تمتد يدها لتصفع القضاء بهذا الشكل المهين.

بكل غرابة يأتي مجلس القضاء الأعلى في صنعاء برئيسه وأعضائه، وبعد ما يقرب من أربعين يوما على اعتقال وسجن وامتهان القاضي عبد الوهاب قطران في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع لسلطة صنعاء، للاجتماع بهذا الخصوص فيصدر قرارا مفاده أن قطران قد تم رفع الحصانة عنه "نظرا لارتكابه مخالفات في وظيفته القضائية".

ما معنى ذلك؟ معناه أن مجلس القضاء الأعلى هذا، برئاسة القاضي أحمد يحيى المتوكل، قد فقد صفته القضائية ولبس ثوبا سياسيا أو مسيسا لا علاقة له على الإطلاق بشيء اسمه مجلس قضاء.

لننطر في القانون رقم (1) لسنة 1991 بشأن السلطة القضائية ونقف عند فقرات مواده حتى نرى ما إذا كان قرار رفع الحصانة عن قطران من قبل مجلس القضاء الأعلى، وبعد أربعين يوما من سجنه والإضرار بسمعته إلى حد كبير، لائقا بأن يصدر عن هذه الجهة الرفيعة أم لا.

تقول المادة الـ(87) من ذلك القانون: "في غير حالة التلبس لا يجوز القبض على القاضي أو حبسه احتياطيا إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى...".

نتوقف عند هذه الفقرة من المادة لنسأل: هل كان اقتحام منزل القاضي قطران من قبل جهاز الأمن والمخابرات في صنعاء واعتقاله وتلفيق تهمة بيع الخمور له واقتياده إلى السجن بإذن من مجلس القضاء الأعلى أم أنه لم يكن على علم بالمسألة من الأساس؟

أما الفقرة الثانية من نفس المادة فتقول: "ويجب على وزير العدل عند القبض على القاضي في حالة التلبس أو حبسه أن يرفع الامر فورا إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى ليأذن باستمرار حبسه أو يأمر بإخلاء سبيله بضمان أو بغير ضمان".

وهنا أيضا نسأل: إذا تجاوزنا مسألة اقتحام منزل القاضي قطران وافترضنا أنه تم إلقاء القبض عليه متلبسا فلماذا لم يقم وزير العدل فورا بإبلاغ مجلس القضاء الأعلى؟! وهل كان وزير العدل هذا على دراية أصلا؟

ننتقل إلى المادة الـ(88) من القانون والتي تقول: "لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على القضاة إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى بناء على طلب النائب العام ويعين مجلس القضاء الأعلى المحكمة التي تتولى محاكمة القاضي".

هاتان المادتان من قانون السلطة القضائية تحرجان مجلس القضاء المتوكلي الأعلى في قراره الصادم برفع الحصانة عن القاضي قطران، حيث تم اقتحام منزل الرجل وترويع أهله وأبنائه والبقاء لما لا يقل عن ثمان ساعات داخل المنزل عبثا بمحتوياته وامتهانا لساكنيه ومنهم القاضي قطران نفسه الذي لم يأبه المقتحمون لحرمة منزله ولا لحصانته كقاض. كل هذا حدث دون أن يكون مجلس القضاء الأعلى هذا على دراية أو علم. ثم يؤخذ الرجل ويتم اقتياده إلى السجن بتهم ملفقة تحط من سمعته، وتضج اليمن كلها شمالا وجنوبا احتجاجا على هذا الأسلوب الذي تمارسه سلطة صنعاء وأجهزتها الأمنية والمخابراتية، فيما المجلس غارق في سباته لا يعرف شيئا ولا يريد أن يعرف. فحتى إذا مضى على سجن قطران أربعون يوما أو يزيد يأتي هذا المجلس الموقر للاجتماع فيصدر قراره التاريخي برفع الحصانة عن الرجل لارتكابه حسب زعم المجتمعين "مخالفات في وظيفته القضائية".

يتساءل الناشط أنس القباطي مستغربا من أن يصدر قرار كهذا من جهة قضائية عليا، قائلا: "أين كان مجلس القضاء الأعلى حين ‏تم اعتقال القاضي عبد الوهاب قطران؟ وكيف قبل على نفسه أن يرفع الحصانة بعد 40 يوما من اعتقال خارج القانون؟".

يواصل: "بأي حق قانوني ظل القاضي قطران مغيبا خلف القضبان خلال الأربعين يوما الماضية؟ وإن كان رفع الحصانة تم وفقا للقانون، كما يقول المجلس، فوفقا لأي قانون تم مداهمة منزل القاضي قطران، والبقاء فيه قرابة 8 ساعات بعد إخراج القاضي واولاده منه ومن ثم اقتياده إلى السجن؟!"، مضيفا: "ليتذكر هذا المجلس أن حصانة القاضي ركن أساسي في استقلال السلطة القضائية، وبعدما حصل للقاضي قطران هل سيتحدث المجلس عن استقلال القضاء أم عن تبعيته للسلطة التنفيذية؟!".

أما القاضي ‏نجيب القرن فيقول: "الحقيقة كنا نتوقع صدور عفو عن القاضي قطران والاكتفاء بما حصل له طيلة هذه المدة كنوع من التأديب النفسي والبدني ولم نتوقع أن يرقى العقاب لممارسة الانتقام المشين الذي لا يصلح أن يصدر من حملة مسيرة العدالة والعفو والرحمة في الأرض".

ويضيف القرن: "أقسم أني لا أعرف قطران شخصيا ولست موكل بالدفاع عنه من أحد ، ولكن قضيته أصبحت محل رأي عام ومقياسا شاملا لمسألة (عدالتنا) مع الآخرين من أبناء الشعب المختلف معهم في الرأي والتعبير، خاصة وهذا القاضي لم يثبت عليه تمرد وحرابة كبقية الذين تم استقبالهم في (السائلة) ومنحهم حصانة من المساءلة بل وإكرام بعضهم بمنحهم مهام ووظائف في الدولة والإغداق عليهم بالمال، فسبحان سبحان من سن لأجهزة حكومتنا هذه المفارقات العجيبة".

شارك الخبر: