خاص | النقار
ليس الاعتقال هو الترهيب الوحيد الذي تمارسه سلطة صنعاء ضد خصومها من أصحاب الرأي أو ممن ينتقدونها، بل إنها تمارس ترهيبا آخر ضد أسرهم وأهاليهم ومحيطهم الاجتماعي.
عادة ما يتم اقتحام المنازل دون سابق إنذار مع تعمد سياسة ترويع ساكنيها، خصوصا النساء والأطفال، عبر مدججين ملثمين وأطقم منتشرة بكثافة حول المنزل، وأحيانا مجنزرات أيضا، ومكبرات صوت تفيد الهدف/الضحية بأن المكان محاصر وأنه لا فائدة من الهروب أو المراوغة.
وعلى الفور تبدأ عملية الاقتحام المفاجئة وكأنها مشهد لما تمارسه قوات الاحتلال الصهيوني في مناطق الضفة الغربية.
وفي ضوء ذلك يتم اقتياد هذا الناشط أو ذاك مكبلا مغمض العينين ومجردا من هاتفه المحمول الذي يكون هو أول ما يتم أخذه من الضحية. أما إلى أين يذهبون بذلك الضحية فإنه السؤال الذي يبقى مسيطرا عليه وعلى أفراد أسرته، حيث لا أحد منهم يعرف بالضبط إلى أين ولا من هم هؤلاء الذين اعتقلوه وأي الجهات يتبعون، فقط أطقم عسكرية وأمنية وملثمون يرتدون زيا بلا انتماء ولا هوية.
بمجرد الوصول بالضحية إلى المعتقل، يكون قد عزل تماما عن العالم الخارجي، بحيث يكونون قد أوحوا إليه بأنه في قبر منسي ولن يعلم بمكانه أحد حتى مرور أيام أو أسابيع أو أشهر أو ربما سنوات، وذلك بحسب القضية التي تم اعتقاله بتهمتها.
في التحقيقات يكون الضحية أمام تعذيب نفسي أشد كثيرا من التعذيب الجسدي، حيث يمارس عليه السجانون حربا نفسية ممنهجة أقلها أنه ليس لوحده معهم، بل هناك إلى جانبه أفراد من أسرته تم اعتقالهم أيضا، قد يكونون أبناء أو زوجة أو أما أو أخوات، وأنهم الآن يخضعون للتحقيق وقد اعترفوا بكثير من الأمور ومازال هناك اعترافات أخرى سيتم انتزاعها منهم بعد أخذهم نصيبا من التعذيب بطبيعة الحال. قد يُسمعونه حينها صراخا واستغاثات قادمة من مكان ما في المبنى على أنها صرخات واستغاثات أسرته، فيتم العبث بالضحية إلى أبعد حد، فلا يخرج إن أبصر النور يوما ما إلا وهو منهك نفسيا يحتاج إلى سنوات للتعافي.
هذا في داخل المعتقل. أما في الخارج فإن تلك الأجهزة تكون قد أحاطت اللعبة بالسرية والغموض، فليس لأحد من أقارب الضحية أن يسأل عن مكان الاعتقال ولا إلى أين تم أخذ قريبهم، حتى يحين موعد إفشاء المكان فيتم تسريب خبر إليهم بأنه معتقل في المكان الفلاني. يذهب الشجاع منهم مقتربا من المكان فيتلقاه زبانية الباب بأسئلة مربكة عن سبب قدومه للاستفسار عن شخص تلفه التهم من كل جانب، وأن من الأجدى له ولكل أسرته ألا يسأل عن شخص كهذا فيعرضوا أنفسهم للمساءلة هم أيضا. وأن من الأسلم لهم وللضحية أن يسكتوا تماما وألا يسألوا أو يثيروا القضية على الإطلاق اجتماعيا أو قبليا أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يتركوا الأجهزة الأمنية تكمل عملها بكل هدوء من أجل سلامة الضحية أولا وسلامة أهله ثانيا. وبالتالي أيها القادم الذي جاء ليسأل إن أردت أن يخرج قريبك من معتقله بسرعة فعليك أن تلتزم الصمت، وأن تنتظر منا اتصالا يوصلك به عن قريب.
وحتى لو كان ذاك القادم أو السائل أو المستفسر واثقا تمام الثقة بأن أيا من تلك التهم هي مجرد تلفيقات، فإنه يكون مع كل تلك الإيحاءات الترهيبية قد وقع فريسة للخوف من أن يطاله الاعتقال هو أيضا، فيصبح كل ما ينشده هو أن ينتهوا من أسئلتهم ويخرج من المكان شاعرا بالامتنان بأنهم لم يقوموا باعتقاله هو أيضا، وقد يودعهم حينها بعبارة "بيض الله وجوهكم ما قصرتوا"، خارجا دون أن يعرف حتى من هو المكلف بالملف، وإن عرف ذلك فلن يكون ذلك المكلف سوى أبو سعيد أو أبو ناظم أو أبو فلان، أو أيا من تلك الكنى التي تجعل من الذهن وكأنه أمام حشد من وجوه البقر لا يفرق بين وجه وآخر من كثر التشابه.
قد تختلف التفاصيل من اعتقال لآخر، لكن ذاك هو السيناريو العام الذي يتم اتباعه من قبل سلطة صنعاء. حتى مع القاضي عبد الوهاب قطران وقد أصبح المكان معروفا، خرج المراجعون منه بتعهد أن يصمتوا حتى يتم التسريع في البت بالقضية، لتمر الأسابيع فلا يحدث شيء سوى مزيد من ترهيب أبناء قطران باتصال من عشرين ثانية يفيد فيه صوت أبيهم بـ"أنا ميت".