• الساعة الآن 05:03 AM
  • 14℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

إسرائيل "دولة التجسس" الأكبر في التاريخ

news-details

بينما كانت الحرب العالمية الأولى مستمرة بكل عنفها ظهر عدو أكثر تدميراً من الجيوش، وكان ظهوره في خط يمتد من فلسطين إلى كامل بلاد الشام، وهو الجراد، وكان الجيش التركي محبطاً للغاية، فبات الناس متعبين وقلقين، وكان الضابط التركي جمال باشا يبحث عن حل لهذه المشكلة، فاقترحوا عليه آرون آرونسون.

وآرونسون هو عالم نبات كان معروفاً ومحبوباً، وكانت لديه القدرة على وقف هذه الكارثة، لذلك كُلف بصلاحيات مهمة للعمل في المنطقة شملت عدداً من الخطوط الأمامية الحاسمة للإمبراطورية العثمانية، لكن هذا العالم كانت لديه أجندة مختلفة، إذ عقد اتفاقاً مع الاستخبارات البريطانية، وكان يجمع المعلومات لإنشاء دولة إسرائيل الصهيونية في الأراضي التي يعتبرها اليهود مقدسة، وعندما وجد البريطانيون أن أنشطة آرونسون مفيدة فقد كلفوه بإنشاء شبكة تجسس أكثر تنظيماً كان هيكلها "منظمة نيلي" التي تعد سلف الـ "موساد".

وكانت المنظمة تجمع معلومات تكتيكية حول الخصائص الجسدية والقدرات القتالية للضباط الأتراك، بخاصة من طريق استخدام "عميلات" وتقديمها إلى البريطانيين، وكلفت الشبكة بمراقبة شديدة لجمال باشا لأن جميع تحركاته مهمة لدى البريطانيين، وهو الذي سيدافع عن الهجوم اللاحق على غزة.

ولم تتمكن الاستخبارات العثمانية من جمع معلومات كافية عن آرون وشقيقته سارة حتى عام 1916، إذ جذبت سارة انتباه الاستخبارات العثمانية للمرة الأولى عندما كُشف عن زوجها السابق حاييم أبراهام المتورط في أنشطة تجسس، وبعدها تمت مراقبة زوجته السابقة سارة، وأخيراً في عام 1917 أدركت مديرية الأمن في الدولة العثمانية أن اليهود الصهاينة، وبخاصة القادمين من أوروبا، كانوا يقومون ببعض الأعمال الاستخباراتية في منطقة تمتد من أضنة إلى غزة.

وسبق للدولة العثمانية أن اتخذت الاحتياطات اللازمة من خلال فضح المنظمات التجسسية العاملة حول مصر والقدس، لكن آرون كان بنى هيكلاً دقيقاً وقوياً لدرجة أن أنشطته لم تكن ملاحظة، فكانت نقطة قوة "نيلي" أنها شبكة رشوة خطرة في البيروقراطية العثمانية، ولقد وقع في أحضان هذه المنظمة لأن بعض الموظفين الحكوميين كانوا معارضين، وبعضهم الآخر كان جشعاً للمال.

كما وجدت المنظمة طريقة لشراء المسؤولين الذين جاءوا للتحقيق، مما جعل المهمة معقدة بصورة أكبر، وعلى رغم كل هذه الصعوبات فقد كانت الاستخبارات من المجالات التي تميزت بها "حكومة الاتحاد والترقي"، وكان جمال باشا مهتماً بالتحقيق في هذه القضية لأنه يعرف أنه هو الهدف النهائي لهذه الشبكة، وبعد اكتشاف العميل في المنظمة يوسف ليشانسكي واستجوابه، تلقت المنظمة ضربة موجعة، وفي نهاية المطاف يمكننا القول إن "منظمة نيلي" علّمت اليهود تجربة مهمة في العمل الاستخباراتي، إذ إن إسرائيل تحتاج إلى شبكة تجسس قوية كي تتمكن من الحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط.

عندما نلقي نظرة فاحصة على المواقع والأساليب والأنشطة الاستخباراتية التي أنشأها الـ "موساد" والـ "شاباك" من منظور تاريخي، سنفهم بصورة أفضل مدى تعقيد وخطورة الهيكل.

شبكة مصر

أول المناطق الجغرافية التي يجدها الصهاينة أكثر أهمية من حيث الاستخبارات هي مصر، وقد كان قائد ومؤسس أنشطة مصر عام 1945 هو العميل ديفيد الحميري، وبينما كان الحميري يدير العمليات الميدانية كانت هناك امرأة صهيونية تدعى روث كليجر هي همزة الوصل بينه وبين وإسرائيل، لكن هذا التنظيم لم ينجح في تحقيق النتيجة المرجوة مما دفع إسرائيل إلى إنشاء منظمة جديدة في مصر، إذ جندت عملاء محترفين ولديهم خبرة في زرع القنابل وتفجيرها في مراكز المدن، وكانوا مدربين تدريباً عالياً على إيصال الأسلحة، وبعد وقت قصير من إنشاء هذا التنظيم بين عامي 1950 و1952، وقعت تفجيرات متتالية في المدن المصرية ووصل الذعر بالمصريين درجة امتناعهم من التجمعات في الشوارع.

وعندما كُشف عن العميل المدعو إلياهو شاؤول كوهين من قبل مسؤولي إنفاذ القانون المصريين، أدركت السلطات المصرية أنها تواجه منظمة تنتشر مثل أذرع الأخطبوط، ومن ناحية أخرى كان التدريب الأكثر أهمية الذي تلقاه عملاء الصهاينة هو "عدم الوقوع في قبضة الإرهابيين".

وعلى رغم أن مصر فكت رموز الهيكل إلا أنها لم تتمكن من القبض على أي من الجواسيس، فأطلقت عملية مطاردة واسعة النطاق على مستوى البلاد لإنهاء المهمة، لكن أثناء التحقيق في الحادثة كان بعض السياسيين والبيروقراطيين المصريين متورطين أيضاً فقد اُشتري عدد منهم بطرق مختلفة.

وحولت الحكومة المصرية الأمر إلى أزمة دولية وألقت باللوم على دولة إسرائيل في القضية التي عرفت باسم "فضيحة لافون"، مما دفع الحكومة الإسرائيلية للتراجع، وحاول وزير الدفاع إسحاق لافون تهدئة ردود الفعل بالاستقالة.

فضيحة لافون

لم توقف فضيحة لافون الأنشطة الإسرائيلية في مصر بل سمحت للإسرائيليين بتطوير أساليب جديدة لتصرفاتهم، وفي عام 1958 قام جاسوس إسرائيلي يدعى جان لون توماس بتعميق العمليات من خلال إنشاء منظمة جديدة، فكان الهدف هذه المرة هو اختراق الجيش والاستفادة من العناصر المحلية، وكانت المعلومات التي قدمها الموظف المحلي المدعو أحمد حسن من شأنها أن تسبب معاناة مدمرة وغير قابلة للإصلاح لمصر، فأعدمته الحكومة المصرية رمياً بالرصاص عام 1961 بتهمة الخيانة.

الشبكة اللبنانية

الجغرافيا الأخرى التي تابعتها إسرائيل عن كثب هي لبنان، فبدأت نشاطاتها الأولى هنا مع رجل الدين الفرنسي يوسف الدباد، فكانت المعلومات الاستخباراتية التي قدمها الدباد ذات فائدة كبيرة في حرب 1948، وإضافة إلى ذلك أثار الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبنان اهتماماً إسرائيلياً متزايداً، وكلف الجاسوس خميس أحمد بيومي، وهو تاجر مجوهرات بسيط في بيروت، بتأسيس الشبكة اللبنانية، إذ تتطلب أنشطة الفلسطينيين في لبنان من إسرائيل إنشاء شبكة واسعة هناك، ولهذا الغرض فجرت السفارة العراقية في المنطقة من أجل قطع علاقات العراق مع الفلسطينيين، وبعبارة أخرى فإن إسرائيل تستخدم جواسيسها بنشاط ليس فقط لجمع المعلومات بل أيضاً للقيام بأنشطة إرهابية، فكان الهجوم الصاروخي على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت من بين الأعمال المهمة التي نفذها الجواسيس الإسرائيليون، فكان لبنان وبخاصة بيروت، ساحة تدريب للمنظمات الاستخباراتية الصهيونية.

الشبكة السورية

بدأت العناصر الإسرائيلية أنشطة التجسس للمرة الأولى على الدروز في سوريا عام 1951، وإضافة إلى الاستفادة من العناصر المحلية فقد طبقت الاستخبارات الصهيونية أيضاً أسلوباً جديداً في سوريا يصل إلى أعلى المستويات مع عميلها المسمى كمال أمين ثابت أو إيلي كوهين، وكان لكوهين دور مهم في انتصار إسرائيل في حرب 1967، وتمكنت الاستخبارات السورية من فك شفرته ولو متأخراً عام 1965، لكن كان قد فات الأوان.

قتل كوهين ولا يزال الغموض المحيط بجثته مستمرا حتى اليوم، وبطبيعة الحال فإن الشبكة التي أنشأتها إسرائيل لم تقتصر على هذه الدول، فكانت هناك شبكة تمتد إلى تركيا والأردن وإيران وقبرص واليونان.

أساليب التجنيد

ومن الأساليب التي تستخدمها الاستخبارات الصهيونية لتجنيد الأعضاء المحليين وتعمل بطريقة نادراً ما نجدها في الأدبيات ومنها:

 الابتزاز الجنسي

قبل كل شيء يتم تحديد نقاط الضعف لدى الجواسيس المحليين قبل توظيفهم، ويبدو أن الطريقة الأكثر استخداماً لهذا الغرض هي النشاط الجنسي، فبداية يحدد الضعف الجنسي للعنصر المحلي إن وجد، وينشأ ملف الشخصي بناء على سجل البحث والمكالمات الهاتفية والصور المعروضة على جهاز الكمبيوتر الشخصي الخاص به، وبعد ذلك يورط في الشبكة وتفعل الآلية من خلال الاعتداء جنسياً على الموظفين المحليين من نساء أو رجال ذوي إرادة قوية في ما يتعلق بالعفة، وذلك لخلق ورقة رابحة قوية، وكما نرى في بعض الأخبار ونشهد بين حين وآخر نساء فلسطينيات يتجسسن لمصلحة إسرائيل، ولسوء الحظ جُند جزء كبير من هؤلاء النساء من طريق الابتزاز الجنسي، فيما ينتحر عدد من النساء اللاتي يرفضن هذه التصرفات بسبب الضغوط التي يتعرضن لها، لكن لا يمكن التحقيق في هذه الأحداث والكشف عنها بعمق، فعدد النساء اللاتي وقعن في شبكة الاستخبارات الإسرائيلية وانتحرن موضوع بحث في حد ذاته.

وأحياناً يوصف هذا الأسلوب الهمجي بفخر على شاشة التلفزيون من قبل خبراء عسكريين إسرائيليين وضباط استخبارات متقاعدين.

 التجنيد بالمال

التجنيد بالمال من أقدم الأساليب الاستخباراتية، وهو من الأجزاء التي لا غنى عنها في الأساليب الصهيونية، وليس من قبيل الصدفة أن يصرح العقيد الإسرائيلي موشيه بكل فخر أنه وظف شباباً عرباً للتجسس في مقابل 5 آلاف شيكل.

والعنصر الآخر الذي لا يمكن ملاحظته هنا هو الشركات ذات رأس المال الكبير، إذ يمكن لرأس المال اليهودي الذي يتمتع بامتياز كبير في عالم التجارة أن يستخدم بعض الشركات المهمة كأداة أيديولوجية وكذلك في الأنشطة الاستخباراتية، فخلال الأعوام الأخيرة لم تقتصر الدعوات إلى مقاطعة بعض العلامات التجارية على تهديدات اقتصادية وحسب، بل إن تقليص الشركات الموجودة من المنطقة يعوق بصورة غير مباشرة الاستخبارات الإسرائيلية من معرفة وحتى استخدام الديناميكيات الاجتماعية في المنطقة.

وتحافظ إسرائيل على اتصالاتها مع شبكة التجسس التي أنشأتها بطريقتين، الأولى هي الهاتف والمواقع الإلكترونية وغيرها والتي يمكن أن نعتبرها من بين الأساليب الكلاسيكية، أما الثانية فهي ما يسمى أسلوب "النقطة العمياء"، إذ يحدث التواصل مع أفراد الاستخبارات من طريق اختيار مواقع غير مستقرة باستخدام صناديق مموهة وعناصر مماثلة.

أساليب مكافحة الاستخبارات الصهيونية

على رغم أن الـ "موساد" يمتلك شبكة استخباراتية قوية إلا أنها في نهاية المطاف هيكل من صنع الإنسان، وهي بالتأكيد ليست منيعة، فيمكن لكثير من الدول العربية والأتراك توجيه ضربات قوية للاستخبارات الصهيونية من خلال تحركات مكافحة التجسس، فعلى سبيل المثال وعلى رغم امتلاكهم للمواد الأكثر بدائية فقد راقب الفلسطينيون الإسرائيليين بعناية لأعوام، ولهذا السبب فإن أفضل من يعرف الـ "موساد" في العالم هو بلا شك الشعب الفلسطيني، وعلى رغم أن التعذيب الذي تعرضوا له منذ أعوام قد سبب لهم ألماً كبيراً إلا أنهم يعرفون أعداءهم جيداً، ولهذا السبب فإن الفلسطينيين هم الأقل احتمالاً للوقوع في فخاخ الـ "موساد"، والأهم من ذلك أنهم تمكنوا من إلحاق ضرر كبير بالاستخبارات الصهيونية من خلال تقديم معلومات خاطئة، وخلافاً لادعاءات الخبراء العسكريين الإسرائيليين فليس من السهل على الإطلاق شراء الشباب الفلسطيني بـ "الشيكل".

نقلا عن "اندبندنت تركية"

شارك الخبر: