شهد اليمن خلال الأشهر القليلة الماضية حالة من التفاؤل الكبير باقتراب الحرب من نهايتها، وحملت تصريحات جميع الأطراف تلك الرؤية إلى الشارع اليمني والمنطقة.
وذكرت غالبية التصريحات بأن الصياغة النهائية لاتفاق السلام بين الرياض وصنعاء جاهزة للتوقيع.
وجاءت التصريحات العمانية والأممية بالتوصل إلى تفاهمات بين صنعاء والرياض لإحلال السلام، بالإضافة إلى جولة مفاوضات جنيف التي تمخضت عن توافق على تبادل المئات من الأسرى والمحتجزين، لكن سرعان ما عادت الجبهات للاشتعال ودقت طبول الحرب من جديد، بل أصبح التصعيد الإعلامي هو سيد المشهد الراهن وتوقف الحديث عن السلام حتى من الوساطة العمانية إلا من بعض التصريحات الدبلوماسية.
وكان الاتفاق بين السعودية وإيران بمثابة حجر كبير ألقي في المياه الراكدة، في وقت تقود الأولى تحالفا عربيا دعما للجيش اليمني، لاستعادة مناطق من قبضة جماعة الحوثيين "أنصار الله"، المتهمة بتلقي دعم عسكري ومادي من طهران.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت السعودية وإيران عقب مباحثات برعاية صينية في بكين استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين.
إلى أي الطرق يتجه اليمن ولماذا تعود الأوضاع إلى المربع الأول كلما كثر الحديث عن السلام ووقف الحرب.. هل تشتعل الحرب بصورة شاملة بين أطراف الصراع خلال الفترة القادمة؟
بداية، يقول عبد الستار الشميري، المحلل السياسي اليمني، إن المباحثات توقفت بين السعودية و"أنصار الله" وفشلت الجهود العمانية في تحقيق البنود التي كان يجري الحديث عنها خلال الأشهر الماضية.
فشل الوساطة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن كل الحراك الذي كنا نتحدث عنه طوال الأشهر الماضية والذي أوصلنا إلى أن كل العقبات قد تم تذليلها، أصبح اليوم معلقا. وأشار الشميري، إلى أنه لا تزال هناك محاولات من الوساطة العمانية وغيرها لإعادة الأوضاع إلى طاولة التفاوض مجددا، لكن يبدو أن العملية برمتها قد فشلت.
ولفت المحلل السياسي إلى أن الأشهر القادمة ربما تشهد تحركات من الجانبين على المسرح العسكري والجبهات من جديد، وقد بدأت بوادر تلك المرحلة بعملية التمهيد الإعلامي والتحشيد العسكري على الأرض.
المشهد ضبابي
في المقابل، يرى أكرم الحاج، المحلل السياسي اليمني، أن المتتبع للمشهد اليمني ومنذ قرابة تسعة أشهر من إنتهاء الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة في اليمن، تبعت تلك الهدنة مواقف وأصوات، ما بين الأمم المتحدة وفريقها الأممي، والسعودية وصنعاء وسلطنة عمان، الجميع كان يتحرك ولا يزال في مسار شبه ضبابي وغامض حتى اليوم.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "تعود ضبابية المشهد إلى عدة اعتبارات في مقدمتها، أنه لا يوجد حتى الآن إعلان رسمي عن هدنة أو تهدئة محددة تبدأ من تاريخ وتنتهي في تاريخ، بل إن كل جرى لقاءات كانت تخوض في مسار التهدئة العامة سواء ما يتعلق باشتعال جبهات الداخل اليمني، أو استهداف السعودية من قبل أنصار الله وأيضا من طرف السعودية باتجاه صنعاء".
صفقة الأسرى
وتابع الحاج: "وكانت زيارة السفير السعودي إلى صنعاء برفقة الوفد العماني خلال الأشهر الماضية أحد نتائج تلك المفاوضات أحد نتائج تلك الوساطة، كما تمخضت أيضا عن نتائج إنسانية تمثلت في صفقة الأسرى والمعتقلين فيما بين صنعاء وعدن، عدا ما سبق لم يتحقق شيء على الأرض".
وأكد المحلل السياسي، أن الراصد للمشهد اليمني يجد أن هناك تصعيد إعلامي على الجانبين وخاصة من قبل صنعاء التي ترى عدم وضوح موقف الرياض من البنود التي جرى التفاوض والتوافق عليها مع أنصار الله بالوساطة العمانية والأممية.
وأشار الحاج، إلى أن صنعاء حذرت كثير من حالة اللا سلم واللا حرب، وترى أنها أقرب من المماطلة وقد يكون هدفها في المقام الأول محاولة تقليل الحراك السياسي الإقليمي والأممي.
تصعيد إعلامي
ولفت المحلل السياسي، إلى أن هذا الخطاب الإعلامي التصعيدي من جانب منابر صنعاء، كان نتاج لضبابية المشهد وحالة الحرب الباردة التي يعيشها اليمن بعد 8 سنوات من الحرب، وفي كل الأحوال هناك ضغوط كبيرة يتم ممارستها على جميع الأطراف، ومنها التحركات السعودية مع العديد من الأطراف الخارجية، كما أن الموقف الإقليمي والدولي على ما يبدو عمل على أن تكون هناك هدنة غير معلنة ارتضتها جميع أطراف الصراع.
أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، عن "ترتيبات لثلاث مراحل ضمن مساعي التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن"، مشيرا إلى "وضع رؤى وتصورات للحلول على ضوء ما ستسفر عنه الجهود السعودية والعُمانية".
وقال غروندبرغ، خلال لقائه في الرياض رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني، الأحد الماضي، إن "مكتبه يعد مختلف الرؤى والتصورات للحلول على ضوء ما ستسفر عنه الجهود السعودية والعمانية إضافة إلى جهوده رغم أن الأزمة اليمنية بالغة التعقيد إلا أن الأمم المتحدة عازمة للوصول إلى الحلول والتسوية السياسية الشاملة"، حسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" الحكومية.
الدور السعودي والعُماني
وأضاف أن "الأولويات ستعطى لترتيب المرحلة الأولى المعلن عنها ترتيبا كاملا ودقيقا بما يضمن الوصول إلى المرحلة الثانية والثالثة بنجاح ومصداقية كاملة"، معربا عن "التفاؤل بالدور السعودي والعُماني".
واعتبر المبعوث الأممي أن "صمود الهُدن حتى اليوم يعني أن الأطراف لديها الرغبة للوصول إلى السلام"، مؤكداً أن "الشعب اليمني يستحق السلام الكامل بعد السنوات الطويلة من الحرب".
من جانبه، قال رئيس مجلس النواب اليمني، إن "خيار السلام هو الخيار الأمثل لكن الشريك المؤمن بالسلام غير موجود مطلقا لأن أنصار الله غير جادة وتتنقل من موقف إلى آخر وتلهي العالم بالشعارات ورفع الجانب الإنساني بدليل حصار تعز على مدى هذه السنوات".
وتسيطر جماعة الحوثيين "أنصار الله" منذ أيلول/ سبتمبر 2014، على غالبية المحافظات في وسط وشمال اليمن، بينها العاصمة صنعاء.
وأطلق التحالف العربي بقيادة السعودية، في 26 آذار/ مارس 2015، عمليات عسكرية دعماً للجيش اليمني، لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة.
وأودت الحرب الدائرة في اليمن، حتى أواخر 2021، بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار؛ في حين بات 80 في المئة من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.