أثارت الأعمال العسكرية التي يشهدها البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم، مخاوف من ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما ستكون له تبعات على معدلات التضخم المرتفعة بالفعل حول العالم.
ومع تهديد جماعة أنصار الله بمواصلة هجماتها على الممر الذي تمر من خلاله نحو 12 في المئة من التجارة العالمية، يحذر محللون من تأثير ذلك على سوق الطاقة.
وشنت القوات الأميركية والبريطانية، فجر الجمعة، عشرات الغارات على مواقع عسكرية تابعة لأنصار الله في العاصمة صنعاء، ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة.
وفجر السبت، استهدفت الولايات المتحدة مجددا قاعدة جوية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ عام 2014. وقال الجيش الأميركي إنه ضرب "موقع رادار في اليمن".
وفجر الاثنين، أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أنها أسقطت، عصر الأحد، صاروخ كروز أُطلق من منطقة تخضع لسيطرة "الحوثيين" في اليمن، باتجاه مدمرة أميركية في جنوب البحر الأحمر، دون وقوع أضرار أو إصابات.
ويوضح الخبير المختص بأسعار الطاقة، عامر الشوبكي، أن التأثير على سوق الطاقة لايزال هامشيا حتى الآن، لكنه يحذر من سيناريوهات أخرى قد تحدث في حال امتداد الصراع ودخول إيران على الخط.
ويوضح الشوبكي، في تصريحاته لموقع الحرة، أنه لا يوجد نقص في الإمدادات العالمية، وحاليا يوجد علاوة مخاطرة بين دولارين إلى ثلاثة لكل برميل نفط، وتختلف من يوم إلى آخر. والعلاوة أيضا هامشية على الغاز الأوروبي والغاز الأميركي، وهي فقط بسبب موجة التجمد التي تضرب العديد من المناطق في الولايات المتحدة وشمال أوروبا، كما أن أسعار الغاز في آسيا مستقرة.
وأضاف الشوبكي أن ما حدث للبحر الأحمر هو إطالة الفترة الزمنية اللازمة لإيصال شحنات النفط والغاز من المصدرين إلى المستوردين، إذ أن المسافة الإضافية في نقل شحنات النفط والغاز تحتاج سفنا إضافية لتوريد الشحنات في مواعيدها المحددة في الاتجاهين: النفط الروسي من القارة الأوروبية إلى آسيا، والنفط والغاز المسال الأميركي إلى آسيا، والنفط الخليجي إلى القارة الأوروبية.
ويعد البحر الأحمر طريقا حيويا لتدفق الطاقة، حيث تعبر ناقلات النفط التي تحمل ما بين 8 إلى 10 في المئة من النفط العالمي، وما يصل إلى 8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال سنويا. ويؤدي تعطيل الملاحة والمخاطر المتزايدة إلى ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة أقساط التأمين.
وبعد الغارات الأميركية والبريطانية، قفز خام برنت بما يصل إلى 2.5 في المئة، ليصل إلى 80 دولارا للبرميل وسط مخاوف من حدوث مزيد من الاضطراب في الشحن، ومن أن الصراع قد يتسع ليتحول إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا.
لكن الأسعار استقرت، الاثنين، مع ترقب المستثمرين لأي اضطرابات في إمدادات النفط أو الغاز في الشرق الأوسط.
وانخفض سعر الغاز المسال في آسيا في المعاملات الفورية إلى أدنى مستوى في سبعة أشهر عند 10.10 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، الجمعة، مدعوما بمستويات تخزين جيدة في كل من أوروبا وشمال شرق آسيا.
الأزمة "تتفاعل"
لكن الأزمة "لا تزال تتفاعل"، وهناك شركات غاز ونفط إضافية تعلن عدم مرورها من هذا الطريق الأقصر بين أوروبا وآسيا بالاتجاهين، وفق الشوبكي.
وذكرت وكالة بلومبرغ الأميركية، أن قطر "توقفت مؤقتا" عن نقل الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق باب المندب، وسط تصعيد عسكري بمنطقة البحر الأحمر.
وقالت وكالة رويترز إن التصعيد في المنطقة أدى إلى تعطيل ما لا يقل عن أربع ناقلات للغاز الطبيعي المسال، مطلع الأسبوع، وذلك بعد أن شنت القوات الأميركية والبريطانية عشرات الضربات الجوية على الحوثيين.
وقال مصدر مطلع لرويترز، الاثنين، إن شركة قطر للطاقة، إحدى أكبر مُصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، توقفت عن إرسال ناقلات عبر البحر الأحمر رغم استمرار الإنتاج.
وأضاف المصدر لرويترز: "إنها فترة توقف للحصول على المشورة الأمنية. إذا ظل المرور (عبر) البحر الأحمر غير آمن فسنمر عبر رأس الرجاء الصالح".
ووفقا لبيانات تتبع السفن من "إل.أس.إي.جي"، تم تحميل ناقلات الغارية والحويلة والنعمان في ميناء رأس لفان في قطر، وكان من المفترض أن تتجه إلى قناة السويس لكنها توقفت قبالة ساحل عمان في 14 يناير. وتوقفت الناقلة الركيات يوم 13 يناير في طريقها بالبحر الأحمر
ووفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن، شحنت قطر ثاني أكبر مُصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم أكثر من 75 مليون طن من الوقود في عام 2023، ذهب 14 مليون طن منها إلى مشترين في أوروبا و56.4 مليون طن إلى آسيا.
ويرتبط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق قناة السويس، مما يشكل أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا، ويرتبط بخليج عدن عن طريق مضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي.
ويمكن للطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، الذي اختارته شركات شحن مختلفة، أن يضيف حوالي 9 أيام إلى الرحلة التي تستغرق عادة 18 يوما إلى أوروبا.
وأظهرت بيانات أخر من "إل.أس.إي.جي" و"كيبلر"، الاثنين، أن ست ناقلات نفط أخرى على الأقل حولت مسارها بعيدا عن جنوب البحر الأحمر أو توقفت قبل دخوله، منذ مطلع الأسبوع.
ويصل بذلك إجمالي عدد حالات اضطرابات الشحن، التي أحصتها رويترز، إلى إجمالي 15 حالة على الأقل منذ الضربات على مواقع للحوثيين. ومن بين أهم الشركات التي أعلنت عدم مرورها من البحر الأحمر بسبب "خطورة الوضع للغاية" شركة النقل الألمانية Hapag-Lloyd، وشركة Maersk الدنماركية للشحن.
ويوضح الشوبكي أن التأثيرات، في الماضي، كانت تقتصر على الحاويات وشركات شحن البضائع، أما الآن فامتد تأثير الأزمة إلى شركات النفط والغاز، مع إعلان المزيد عدم مرورها في هذا الطريق المهم.
ويلفت الخبير أيضا إلى أن الولايات المتحدة تستخدم البحر الأحمر بسبب مشكلة الجفاف في قناة بنما، وهذا الممر ضروري لنقل الغاز المسال من شرق الولايات المتحدة إلى آسيا.
سيناريوهات أخرى
ورغم التأثير الهامشي، حاليا، هناك سيناريوهات قد تفاقم الوضع، وفق الشوبكي، وهي رد جماعة الحوثي على الغارات وإغلاقها مضيق باب المندب بشكل كامل، مما يعني الضغط على أسعار النفط وزيادته ثلاثة دولارات.
والسيناريو الآخر، حسب الشوبكي، أن تدخل إيران طرفا في هذا الصراع، مما يشكل تهديدا على منابع النفط في الخليج أو مضيق هرمز، والأخير يصدر 22 في المئة من غاز العالم و25 في المئة من نفطه، وحينها قد تصعد الأسعار إلى أكثر من 150 دولارا.
وتشير "بوليتيكو" في تحليل للأزمة إلى مخاوف من أن دور إيران في إثارة الصراع في المنطقة قد يؤدي إلى قيام الدول الغربية باستهداف صادرات الطاقة الإيرانية مرة أخرى.
ووفقا لسيمون تاجليابيترا، من مركز أبحاث بروجيل في بروكسل، كان هناك "جهد متعمد حقا"، في الأشهر الأخيرة، لتخفيف القيود المفروضة على بيع النفط الإيراني، الذي يذهب معظمه إلى الصين وساعد في خفض الأسعار في السوق العالمية، وقد يؤدي تجدد الصراع إلى تطبيق إجراءات أكثر صرامة على طهران، مما يؤدي إلى زيادة المخاوف بشأن الإمدادات.
ويقول وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في "آي أن جي غروب" إنه "لم تكن الضربات الجوية الأميركية والبريطانية مفاجئة، ولكن بالنظر إلى التهديد الذي تواجهه السفن واضطرابات الشحن بسبب هجمات الحوثيين، يبدو من الواضح أن هناك تصعيدا للصراع".
ويوضح أن الخطر الأكبر هو "انتشار الصراع وبدأ السوق يرى تهديدات للتدفقات القادمة من الخليج".
وقال جيوفاني ستونوفو، من "يو بي أس غروب إيه جي" لمجلة "تايم" إن انتعاش النفط كان مدفوعا بتصور السوق أن ما يحدث تصعيد للصراع. ومع ذلك، فإن "أي علاوة مخاطرة لن تستمر إلا في حالة حدوث انقطاع في إمدادات النفط".
ويرى الشوبكي أنه إذا لم يتأجج الصراع، "ستهدأ الأزمة وربما سيكون ذلك دليلا على نجاح الولايات المتحدة في تقليص قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وسيشجع ذلك عودة الشركات للعمل في هذا الممر الهام"، وفق الشوبكي.
وتتوقع فاندانا هاري، مؤسسة شركة فاندا إنسايتس الاستشارية "ضبط النفس واتباع دبلوماسية القنوات الخلفية لمنع التوترات من الخروج عن نطاق السيطرة والتسبب في حريق إقليمي"، ورغم ذلك، سوف تستمر التقلبات في الأسعار مع تطور الوضع، وفق حديثها مع "تايم".
ويرى الشوبكي أن انقطاع الإمدادات، لو حدث، سيكون شبيها بما حدث خلال جائحة كورونا، "وبالنظر إلى أهمية البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس في التجارة العالمية، إذا حدث انقطاع لهذا الممر، سترتفع معدلات التضخم في العالم نصف درجة إضافية.