فتحت سلطة أنصار الله أبواب البلاد لإباحة ضربها مباشرة بالآلة العسكرية الأمريكية والبريطانية، وعبَّرت الجماعة عن فرحها الغامر بهذا الحدث المنتظر.
فبشنِّ واشنطن ولندن عمليات مشتركة قالتا إنها نجحت في استهداف قدرات أنصار الله بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية وصواريخ كروز والرادارات الساحلية والاستطلاع الجوي، سارعت الجماعة وأنصارها إلى التعبير عن غضبهم وفرحهم في آن، أما الغضب فهو للتعرض لـ"السيادة اليمنية" الذي لن يمضي دون رد، مقابل حالة من "الارتياح" بالضربات الأمريكية البريطانية التي كانت بمثابة "منحة إلهية" بالنسبة للجماعة، حيث تم لهم "نيل شرف" خوض مواجهة مباشرة مع ما تسميهم الجماعة "الأعداء الحقيقيين".
وبعد منتصف ليل الخميس ضربت 73 غارة مواقع تعتمدها أنصار الله كمنطلقات لأعمال عسكرية خاصة بها، وتجددت الضربات فجر السبت على عدة مدن كصنعاء والحديدة، وعلى الرغم من أن واشنطن اعتبرت أن ضرباتها "الناجحة ستؤدي إلى إضعاف وتعطيل القدرة العسكرية" لأنصار الله، إلا أن الجماعة ردت بأن الغارات لن تمر دون رد وعقاب، وأنها ستواصل استهداف مصادر التهديد وكافة الأهداف المعادية في البر والبحر دفاعًا عن اليمن وسيادته واستقلاله، مع استمرار استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحرين العربي والأحمر.
أولى "البشائر": أزمات وعودة لنقطة الصفر
لم تكد جذوة الحرب الفائتة تنطفئ حتى اهتزت أسماع اليمنيين بالغارات الأمريكية البريطانية، وما هي إلا سويعات حتى اندلعت فجر الجمعة أزمة مفتعلة في المشتقات النفطية، حيث اصطف مواطنون في طوابير مزدحمة أمام محطات الوقود، في الوقت الذي يسعى فيه نافذو السوق السوداء، التي عملت السلطة على تغذيتها، إلى افتعال أزمة مصاحبة لهلع في أوساط المواطنين من ارتفاع أسعار البترول والديزل.
أما الغاز المنزلي فانعدم عن متناول المواطنين بشكل شبه تام، إذ سارع المواطنون للبحث عن احتياجاتهم من مادة الغاز المنزلي دون فائدة، حيث امتنعت محطات غاز عن تموين المواطنين وقامت أخرى برفع سعر البيع، وفقًا لما أكده سكان محليون بصنعاء لـ"النقار".
كما تلتفت الأنظار إلى مدى تأثر ميناء الحديدة المحتمل من التصعيد، وبالتالي حركة استقبال البضائع وتداعيات تضررها على أسعار السلع الاستهلاكية، إذ بدأ ميناء عدن باستقبال السفن التجارية عقب الضربات الأمريكية البريطانية، وتوجهت أكثر من 20 باخرة إلى هذا الميناء في حين أصبح البحر الأحمر منطقة حرب.
ذلك يضاف إلى استهداف الغارات الأمريكية البريطانية مطار صنعاء الدولي الذي يوجه رحلاته إلى وجهة وحيدة هي مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية عمَّان، وهو ما أعاد عشرات المسافرين اليمنيين إلى نقطة الصفر والحرمان من السفر الذي يتاح في معظمه لصالح المرضى والمحتاجين للسفر الطارئ لتلقي العلاج.
أمام ذلك عبَّر أنصار الجماعة في حشد كبير الجمعة، بميدان السبعين، عن اللامبالاة بأية نتائج للتصعيد العسكري الأخير من خلال رفع شعار "ما نبالي واجعلوها حرب كبرى عالمية".
ولقيت أنصار الله دعمًا من جانب قطاع من اليمنيين الموالين لها، تَجسَّد في الخروج إلى الحشد الذي قالت السلطة إنه مليوني ويشكل إرادة اليمنيين في "تفويض" قائد الجماعة عبدالملك الحوثي في اتخاذ الإجراءات المناسبة للرد مهما كلف الثمن.
في المقابل رأى فريق آخر من اليمنيين أن مناصرة "قطاع غزة" تُعد موقفًا مشرفًا لليمن يعبّر عنه مختلف اليمنيين، إلا أن تعنت الجماعة في مواقفها الرافضة لأي وسطاء دوليين من أجل الوصول لحل للتوترات الراهنة في البحر الأحمر، يُعتبر دفعًا لليمن إلى ويلات جديدة هي في غنى عنها وفقًا لما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي.
التفويض المطلق لزعيم الجماعة خلال مسيرة "الفتح الموعود والجهاد المقدس" اعتُبر تمهيدًا لاتخاذ خيارات عسكرية تهدد واشنطن بالرد عليها، مما ينشئ أزمات معيشية مضافة في الوقت الذي فيه يُعوَّل على إتمام الاتفاق على "خارطة طريق" أممية بين حكومة صنعاء والسعودية، بما يشمل حلحلة ملفات طال انتظارها مثل دفع رواتب الموظفين والفتح الكامل للمنافذ اليمنية على رأسها مطار صنعاء وميناء الحديدة، وفك القيود عن طرق محافظة تعز، والدفع بعملية سياسية جامعة، وغيرها من الأولويات التي يجري التفاوض عليها في مسقط والرياض.
ويرى خبراء دوليون أن أنصار الله وجدت في الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة المحاصر، فرصة لتعزيز شعبيتها إقليميًا ولاستعراض قدراتها العسكرية كجزء من "محور المقاومة" المدعوم من جمهورية إيران، لكنها في ذات الوقت من الممكن أن تؤدي لانهيار مفاوضات السلام اليمنية الجارية، وهو أحد المخاوف التي أكدت عليها السعودية في مباحثات خاصة مع واشنطن.
قرار أمريكي وأزمة إنسانية محتملة
ربما كان الداخل اليمني على موعد مع أزمات محتملة تصاحب قرارًا لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية في طور دراسته، هو إعادة تصنيف جماعة أنصار الله كجماعة إرهابية أجنبية، وفي حين تقول أنصار الله إنها لا تأبه بمختلف القرارات الدولية الصادرة ضدها، فإن واشنطن تؤكد هذه المرة على جدية التخطيط لتطبيق إعادة التصنيف الذي أقره "ترامب" في آخر أيامه الرئاسية قبل أن تقوم بإلغائه إدارة "بايدن" عقب توليه الرئاسة مباشرة في يناير 2021.
من شأن إعادة تصنيف الجماعة الحاكمة للعاصمة صنعاء وباقي المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، أن تخلق تبعات على الجانب الإنساني والاقتصادي، وتؤدي إلى إحداث مجاعة في اليمن غير مشهودة منذ 40 عامًا وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
يترافق ذلك مع التقليص الفعلي في أنشطة وكالات الأمم المتحدة ومساعداتها الإنسانية في اليمن، بسبب ما تصفه "نقص التمويل" من جهة المانحين، ومن شأن ذلك إضافة أعباء على قرابة 20 مليون إنسان في اليمن يمرون بظروف إنسانية صعبة ويحتاجون إلى المساعدة خلال العام الجاري 2024.
وفي حديث لـ"النقار" أكد مصدر أممي في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أن التدخل المباشر لواشنطن ولندن لضرب اليمن سيؤدي في تبعاته اللاحقة إلى "إخفاق مؤتمر المانحين الدوليين لليمن عن جمع التمويل اللازم الذي تحتاجه الأمم المتحدة لتشغيل عملياتها في البلاد هذا العام، وهو المؤتمر الذي من المحتمل عقده في شهر مارس المقبل".
ويضيف المصدر: "الأمم المتحدة تحتاج هذا العام إلى قرابة 3 مليارات دولار لتغطية العمليات في اليمن، ومن المفترض أن يذهب الجزء الأكبر من هذا المبلغ في حال تم جمعه إلى برنامج الغذاء العالمي، لكن هناك مخاوف حقيقية من أن التصعيد الراهن سيؤدي إلى امتناع المانحين الدوليين عن تقديم الدعم السنوي أو تقديم مبالغ زهيدة لا تتناسب مع المرحلة، وبالتالي يؤثر ذلك على أنشطة المنظمة بشكل عاموعلى المستفيدين من المساعدات التي توقف جزء كبير منها في مناطق حكومة صنعاء".
من جهتها تتهم حكومة عدن أنصار الله بعدم الاكتراث بتبعات "استفزاز العالم واستدعاء الرد العسكري على الأمن القومي والغذائي في عموم اليمن، والنتائج الكارثية لارتفاع كلفة التأمين والشحن البحري للسفن الواصلة للموانئ اليمنية على أسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية، وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية".