خاص - النقار | مجتمع
طالما هناك حدث وهناك جماعة دينية على رأس سلطة، فإن يوم الجمعة هو القربان الذي على الشعب أن يقدمه لتلك السلطة عرفانا منه لها. إنه بمثابة استفتاء أسبوعي تستطيع من خلاله الثقة بجدوى الثقافة القطيعية التي عملت على تكريسها، منذ أن أفرز العام 2011 للمشهد صورا نمطية قاتلة من تلك الجماعات في اليمن وفي عدد من المجتمعات العربية.
بدأ المشهد في اليمن بجمعات الساحات وتسمياتها التي تتحدد في دهاليز الإخوان لتخرج إلى القطيع جاهزة وما عليه إلا أن يهتف. كان الصخب يغادر الحناجر والطبول ليرسم أفقا منشودا لحالمين مغمضي العيون، واللحى تبارك ما يحدث واعدة بالمزيد من التسميات مع كل جمعة. عليهم فقط أن يستمروا في إغماض عيونهم والبقية عليها هي. ومنذها أصبح اليمني يدرك ما الذي سيحدث بالضبط في هذا اليوم من كل أسبوع. سيحتشد المحتشدون ويهتف الهتيفون ويصرخ الصارخون ولا شيء بعدها سوى أن يعود القطيع أدراجه بسلام.
كان الإخوان يعتقدون أنهم من القوة بحيث أن الدين إلى جانبهم، فمن يمتلك الصوت الديني امتلك القطيع. لبثوا مدة ثم جاء من يزاحمهم بصوت ديني هو ذاته لكن بثوب مختلف. جاء "أنصار الله"، فأسقط في أيدي الإخوان، فالجماعة المنافسة القادمة لم تبحث لها عن اسم سياسي قابل للأخذ والرد، بل قفزت مباشرة إلى النص لتنتزع لها من سياقه القداسي المهيب اسما يجعل كل من يخالفها يقف في الطرف النقيض. فطالما أنهم أنصار الله بالتأكيد لن يكون الطرف الآخر إلا أنصار الشيطان. حينها شعر الإخوان بكثير من الانزعاج للمباغتة التي لم يكونوا يتوقعونها، فانكفأوا مكتفين بما حصدوه خلال سنوات من مكاسب لائذين ببلاد السلطان العثماني الجديد أردوغان.
جاءت الجماعة الجديدة القديمة باعتبارها قادمة من القرن الثاني الهجري فقد حشدت أحداثها وطقوسها وسكبتها دفعة واحدة في أعين الجميع وقادت إليها الشعب طوعا وكرها. جاءت بعلي والحسين وزيد وركزتهم الثلاثة في مذبحها المقدس، فيما صولجان معاوية ويزيد وعبد الملك في يدها تذود به كل شيء نحو ذلك المذبح.
وبدورها، وجدت جماعة أنصار الله في يوم الجمعة هي الأخرى جوقة للحشد، وأصبح من طقوسها الدعوة كل مساء خميس إلى الاحتشاد بعد كل صلاة جمعة، تحت شعار الثورة على الظلم. أما وقد أصبحت هي السلطة، فإن الشعار بطبيعة الحال سيتغير وإن ظلت تحرص على طقسها المقدس ذاك بوتيرة أعلى، حيث الأمر صار يقتضي منها البحث لذلك اليوم عن شعارات ما بعد "الثورة على الظلم"، أي عن حدث وأحداث وقضية وقضايا، فكانت فلسطين ضمن أبرز تلك الأحداث والقضايا التي ساقوا بها الناس، وصار يوم الجمعة هو المجس الأسبوعي الذي تختبر من خلاله طواعية ذلك.