خاص - النقار
فريق بات ينظر إلى أنصار الله كـ"بطل عربي" يجابه العدو الإسرائيلي خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، وفريق آخر يتهمهم بـ"مَسرَحة" البحر الأحمر والعمالة والانضواء تحت جناح "أمريكا"، وبين هذه النظرة وتلك لا يعرف اليمنيون ما ينتظرهم من رياح باب المندب ولا ما سيؤول إليه احتدام الوضع، لكن يبدو أن جزءًا من الإجابة، أو الإجابة الكاملة، هي عند "إيران".
فبالإعلان عن سقوط عشرة أفراد من القوات البحرية التابعة لصنعاء بعد إطلاق النار على زوارقهم من قبل القوات البحرية الأمريكية، اتخذ التوتر أبعادًا جديدة أكثر حدة تسعى "أنصار الله" إلى توظيفها لصالحها وشرعنة أي تصعيد عسكري في إطار المواجهة الراهنة، وتمهد لذلك بتأكيدها على أن التحركات الأمريكية تشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن الملاحة الدولية في البحرين العربي والأحمر، ولا تتوانى عن التأكيد بأن أي عدوان أمريكي على اليمن وشعبه قد يصل إلى حد إحراق الأخضر واليابس، إذ تطالب المواطنين في مناطق سيطرتها "أن يكونوا على يقظة كبيرة والاستعداد للخيارات كافة في مواجهة التصعيد الأمريكي".
كيف تأنف إيران بنفسها؟
اقترنت طبيعة وجود جماعة أنصار الله بالدعم الإيراني، ورغم ذلك قدمت الجماعة نفسها كرُبان مستقل يقود البحر الأحمر ويُسير مجريات اللعبة وفقًا لخياراته، كما لو أن مختلف أوجه الدعم الإيراني ماليًا وعسكريًا وسياسيًا استمرت طوال سنوات حرب الجماعة مع السعودية، ثم وصلت إلى عمليات البحر الأحمر الساخنة وتوقفت وباتت السيادة اليمنية هي القول الفصل.
وبعد سلسلة تصريحات إيرانية رسمية بأن صنعاء مستقلة في قراراتها بشأن العمليات البحرية، قامت طهران أخيرًا بإرسال المدمرة الإيرانية، وهو ما اعتبره البعض اصطفافًا إلى جانب قوات صنعاء مع الكثير من الشكوك حول جدواها عسكريا بصرف النظر عن المكاسب الإعلامية.
وإيران، في التحليلات السياسية، غير قادرة على منع أي عملية أمريكية ضد أنصار الله إلا في حال أرادت أن تفتح جبهة واسعة للحرب، وهو ما لا يريده الإيرانيون منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقد أكدت طهران ذلك مرارًا على لسان كبار مسؤوليها رغم تصريحاتهم المؤيدة لغزة.
ولا يُعرف إلى أي مدى من الممكن أن تتغير موازين اللعبة بعد وقوع حادثة التفجيرين في مدينة كرمان الإيرانية، اليوم الأربعاء، والتي خلَّفت أكثر من 210 قتلى و140 جريحًا، إذ طرأت الحادثة لتطرح تساؤلات حول تأثيراتها على التصعيد في البحر الأحمر وما إذا كانت إيران سترد بشكل مباشر على التفجيرين الواقعين في عمق أراضيها، وبالقرب من قبر "قاسم سليماني" الذي تردَّد اسمه في الآونة الأخيرة كأحد مهندسي عمليات حركات المقاومة الفلسطينية.
فإيران منذ يوم الحرب الأول تتعامل على نحو براغماتي مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتفضل إطلاق وابل من التحذيرات لكن مع الامتناع عن الخوض المباشر في أي صراع إقليمي، تاركة المهمة للأطراف التي تدعمها في لبنان واليمن والعراق وسوريا، لكن لا يمكن البت في أنَّ إيران من الممكن أن تتولى المهمة بنفسها الآن وتخوض الصراع بشكل مباشر على خلفية المساس بها وبسيادتها من خلال تفجيرين أودى بالعشرات من مواطنيها.
ويؤكد الباحث في السياسة الدولية بطهران هادي محمدي أن "إيران ليست مهتمة بتورط مباشر في الحرب"، في حين تشير الباحثة الإيرانية بمعهد غيغا لدراسات الشرق الأوسط في ألمانيا، سارة بازوبندي، إلى أن "الإيرانيين قالوا منذ البداية إنهم لا يسعون إلى مشاركة مباشرة أو مواجهة، حيث يريدون إبقاء النزاع بعيدًا عن حدود إيران، والاكتفاء بدعم المجموعات الموالية لها خلال هذه الأزمة".
مع بروز أنصار الله الآن كأهم مجموعة مدعومة من إيران، أصبح منظورًا إلى الأخيرة على أنها تزج باليمن واليمنيين في حرب محسوبة بالوكالة، وتتجاهل الاتصالات والدعوات الدولية بشأن التخاطب مع أنصار الله للتوقف عن الهجمات التي رغم تأثيرها على سرعة وصول البضائع التجارية للإحتلال الإسرائيلي، إلا أنها أدخلت اليمن في دائرة الخطر سواء حدث هجوم دولي عسكري على البلاد أو لم يحدث.
فالهجمات لم تهدد فقط بإفشال جهود السلام الدولية والإقليمية في اليمن، والتي من المفترض أنها أوشكت على الانتهاء وإنفاذ الحلول عبر خارطة طريق، بل أدت الهجمات إلى تراجع حركة الملاحة في الموانئ اليمنية منذ بدء التوتر، وتورد مجلة الإيكونوميست البريطانية تعبيرًا يقول إن "الهجمات تهدد اليمن بالجوع وليس إسرائيل".
بهذا الصدد يقول المحلل الاقتصادي فارس النجار في حديث لـ"النقار" إن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين يؤثر على البضائع الواردة إلى الموانئ اليمنية، إذ من الممكن أن تقفز تكلفة حاوية الـ40 قدم إلى مستوى 7 آلاف دولار بالنسبة للسفن المتجهة إلى عدن و9 آلاف دولار بالنسبة لتلك المتجهة إلى الحديدة، ولهذا الأمر مخاطره الكبيرة وتبعاته على مستوى الأسعار العام.
بدوره يتحدث لـ"النقار" المصرفي ياسين القباطي قائلًا إن عددًا من شركات الصرافة اضطرت لإيقاف أنشطتها في الداخل بسبب التوترات في البحر الأحمر في الوقت الذي تشهد العملة المحلية اضطرابًا انعكس على التعاملات المالية.
ويؤكد القباطي أن "عدة صرافات تعرضت لخسائر مالية مع توقف حوالات يتم استقبالها من الخارج، بالتزامن مع تركيز العقوبات الأمريكية الأخيرة على القطاع المصرفي وعدد من شركات الصرافة المرتبطة بالحوثيين، ما جعل شركات خارجية نتعامل بها لوقف التعامل".
وتحذر الأمم المتحدة من انجرار اليمن إلى حرب إقليمية جراء استمرار هذه الهجمات، حيث تهدد العمليات بمزيد من التصعيد ستكون له عواقبه السياسية والاقتصادية الخطيرة على الملايين في اليمن والمنطقة، وتدعو إلى وقف الهجمات لتمكين حركة المرور المائية التجارية من العودة إلى حالتها الطبيعية وتلافي خطر انجرار اليمن إلى الحرب الإقليمية.
ومن واقع زج إيران لليمن في حرب تكلفها الكثير الذي يُضاف إلى حرب السنوات التسع، يبقى سؤال اليمني: هل تدافع إيران عن اليمن وحليفها الحوثي في حال نشوب حرب موسعة، أم سيحدث العكس الذي يؤمن به الجميع؟