خاص | النقار
سلطة مأزومة تبحث عن بطولات فتقع في وحل صغائرها. في الصباح تصدر حكما بإعدام امرأة وفي المساء تعلن عن قصف سفينة في البحر الأحمر.
في الصباح تلغي حكما قضائيا قضى بإدانتها وفي المساء تعلن عن قصف أم الرشراش. في الصباح ترسل عصابة تعتدي على مواطن وفي المساء تعلن دخول قواتها البحرية في مواجهة مباشرة مع أمريكا.
هكذا يقول أحد الناشطين، وهكذا يبدو الأمر مع سلطة صنعاء التي تعاني انفصاما لم يعد خافيا إلا عليها هي. ففي الوقت الذي تذهب فيه لمقارعة أمريكا وإسرائيل وتتصدر هجماتها على السفن في البحر الأحمر المشهد الدولي، يحدث لها أن تصغر فتعتدي على صحفي مظلوم كمجلي الصمدي وتعتقل رئيس نادي معلمين وقاضيا ومحاميا وناشطا. مثل هؤلاء يصبحون في لحظة هم عدوها الأول والأكثر خطورة بالنسبة لها من أمريكا وإسرائيل. أي سلطة مهزوزة هذه يمكن لمجرد صوت أن يربكها ولمجرد كلمة أن تجعلها تفقد وقارها؟!
تستجيب لذباب إلكتروني بعقلية فقيه قادم من القرن الثالث الهجري، عينتهم في مناصب ومهام وراحوا يفتون بتكفير هذا وتخوين ذاك والرضا عن آخر والغضب على آخرين، لتقوم هي بترجمة فتاواهم بحذافيرها.
بعد يوم واحد من الاعتداء الثاني على الصحفي مجلي الصمدي، تقوم سلطة صنعاء بالانتقال إلى الخطوة الثانية في جدولها: اقتحام منزل القاضي عبد الوهاب قطران واعتقاله وإخفائه.
فطالما وقد أصدر قائد الذباب نصر الدين عامر فتوى مفادها أن "من يطعن في ظهر الأبطال المدافعين عن الشعب وعن الأمة يجب أن تقوم الدولة بدورها تجاهه وإلا فالشعب لن يصبر"، وبالتالي فإن تلك الدولة التي يتحدث عنها عامر تقوم بواجبها بناء عن فتوى تعبر عن التفكير الجمعي لهذه القيادة وخوفا من نفاد صبر الشعب. فهذا الشعب لم ينفد صبره من انقطاع المرتبات ولا من تردي معيشته واضطرار أعداد كبير منه للبحث في براميل القمامة عما يسد رمقه ولا من تخلي السلطة عن كل مسؤولياتها تجاهه، وإنما ينفد صبره من شخص ينتقدها ويطالبها بالقيام بمواجباتها ومسؤولياتها.
الناشط في الجماعة عبد الحكيم عامر، يوجه بدوره رسالة تهديد إلى قطران مفادها: "اليوم يا قطران غير أمس، اليوم معركتنا مع أمريكا مباشرة وليس هناك مكان لمرتزقة الداخل والمنافقين أمثالكم. أنتم أمام خيارين إما مع الدولة أو مع أمريكا ولن تبقى لا أنت ولا الشلة حقك تبقبق وانت مرتاح تخدم أمريكا والناس يسكتوا لك. هذه المره ستكونون أمام موقف صعب وانت اختار"، وبالتالي على قطران أن يختار إما أن يكون مع الدولة أو مع أمريكا. لكن الخيارين اللذين وضعهما عامر لا علاقة لقطران بهما إلا إذا كانت أمريكا في تغريدة الناشط الأنصاري الغيور معناها الشعب، بحيث تستقيم الجملة إما مع الشعب أو مع الدولة.
آخر تغريدة للقاضي قطران تحدثت عن كتابة "تغريدة بتويتر حصلت أكثر من ألف ومائتي تعليق ومشاركة ممن يزعمون أنهم مناصرون لمظلومية فلسطين، كلها إرهاب ممنهج وعنف لفظي وتنمر وعنجهية، وقذف وسب وشتم وانحطاط وتفاهة، وتهديدات بالقتل والضرب والسجن".
ويضيف أنه بناء على ذلك قرر "مع بداية 2024 تفعيل خاصية إخفاء الرد + الحظر"، ولم يكن يدري أن خاصية الإخفاء والحظر هي التي سيتم استخدامها ضده واقعا لا افتراضا، ويتم تغييبه من قبل سلطة صنعاء في أحد معتقلاتها استجابة لكل تلك التعليقات التي تلقتها تغريدته.
غير أن السلطة لم تكتف بعملية اقتحام منزل قطران واقتياده ومن ثم اعتقاله، بل إنها في آخر لحظة من نهار اليوم تأتي بتهمة تلفيقية جاهزة تريد من خلالها النيل من شخصية الرجل أمام أولاده وتحطيمهم نفسيا أمام أبناء حارتهم، وذلك من خلال المجيء بواحد من أطقمها الأمنية وعليه سلال مليئة بقوارير خمور من مختلف الأنواع، بحسب إفادة النائب في برلمان صنعاء أحمد سيف حاشد، لتقول لأبناء قطران وعلى ملأ من الأسماع والأنظار بأن أباهم مروج خمور من الدرجة الأولى.
هكذا يبدو أن سلطة صنعاء انتصرت لنفسها من انتقادات قطران وثأرت منه بهكذا تهمة مشينة لا يمكن لسلطة تحترم نفسها أن تلجأ إليها.