"تداعيات الصراع في السودان، حال استمراره سوف تكون بالغة الأثر في منطقة أمنية قلقة ومعقدة، حتى يمكن تطبيق مفهوم تأثير الفراشة على الحرب، بمعنى أن الأحداث أو القرارات الصغيرة يمكن أن يكون لها عواقب كبيرة وغير متوقعة".
هكذا يخلص تقرير حديث لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، لافتا إلى أن جذور الصراع يعود إلى الهويات المتناقضة وبمناطق الأطراف في مواجهة النخبة الخرطونيلية في سودان ما بعد الاستقلال، والتي فشلت في معالجة إرث دولة الاستعمار بالغة الهشاشة والانقسام.
ويؤكد التقرير أن استمرار الصراع في السودان يعني تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي بسبب الطبيعة الجيوسياسية والتداخل العرقي والثقافي لمناطق الأطراف السودانية، والتي تشارك بحدود برية مع 7 دول أفريقية.
وتعاني منطقة الساحل، بما في ذلك السودان وتشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، من تاريخ حافل بالاضطرابات السياسية والاجتماعية، مما يجعلها مرتعاً لعدم الاستقرار والإرهاب والجريمة المنظمة.
وحسب التقرير، فإن الصراع الدائر في السودان بين الجيش والدعم السريع، يهدد مرة أخرى ببروز أزمة إنسانية وزعزعة استقرار المنطقة.
وربما تكون تشاد، الواقعة غرب السودان، وبسبب التداخل السكاني والثقافي أبرز الخاسرين من استمرار الصراع في السودان.
كما تعاني ليبيا من غياب الحكومة المركزية الموحدة ووجود صراعات مستمرة، مما يوفر قاعدة وبيئة خصبة للمتمردين التشاديين للإعداد لهجمات ضد تشاد.
ومن المرجح كذلك في ظل الفوضى الأمنية التي ترتبت على الحرب في السودان أن ينقل المتمردون التشاديون قاعدتهم من ليبيا إلى دارفور في السودان، مستغلين الصراع الدائر لتشكيل تحالفات جديدة، واستغلال الأسواق غير المشروعة، وتكثيف الصراع، مما قد يؤدي إلى تعطيل جهود إحلال السلام الهش بين السودان وتشاد.
ويمكن للمتمردين تشكيل تحالفات مع قوات الدعم السريع السودانية والانضمام إلى قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أحد المتحاربين الرئيسيين في الصراع على السلطة في السودان.
ويمثل قرب دارفور من تشاد وتورطها في الأسواق غير المشروعة، بما في ذلك حقول الذهب وتهريب الأسلحة، عامل جذب للمتمردين.
من المحتمل أن يؤدي تدخل المتمردين التشاديين في السودان إلى تكثيف الصراع في دارفور ولاسيما مع وجود الجماعات المسلحة والانقسامات بينها على أسس عرقية وهو ما سيكون له عواقب إنسانية وخيمة، مما يؤدي إلى زيادة تدفقات اللاجئين مع شح الموارد في البلدان المجاورة.
ووفق تقرير "الأهرام"، فإنه يمكن أن يكون للحرب في السودان آثار إقليمية كبيرة، لاسيما إذا انخرطت الدول المجاورة في الصراع.
ويزيد التراث الثقافي والعرقي المشترك بين المجتمعات في المناطق الحدودية من خطر التشابك الإقليمي، حيث ربما تكون مصر وجنوب السودان من بين البلدان الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية من جراء تصعيد الصراع.
ويعني الموقع الجغرافي للسودان، على جانبي نهر النيل، أن عدم الاستقرار في الخرطوم يمكن أن يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار في السودان إلى تعطيل الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء وإدارة السد الإثيوبي، وهو مصدر قلق لمصر والسودان على وجه التحديد.
وعليه، حسب القرير، يشكل استمرار الصراع خطراً على الأمن القومي لمصر، وفي ظل أوضاع التحول الاقتصادي الصعبة تبذل مصر كل ما في وسعها للتعامل مع التدفق الجماعي للأشخاص الذين تجاوزوا بالفعل 100 ألف، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى مليون شخص، بما في ذلك العديد من المواطنين السودانيين والمصريين.
ومن جهة أخرى، يعتمد جنوب السودان بشكل كبير على صادرات النفط عبر بورتسودان في السودان شمالاً.
وحسب التقرير، فقد يعطل الصراع في الخرطوم كذلك شحنات النفط، ويؤدي إلى انهيار اقتصادي في جنوب السودان، حيث يعتمد 90% من اقتصادها على النفط.
كما أن الحرب في السودان تتقاطع مع الصراع في إثيوبيا، حيث شكلت حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد علي، تحالفاً جديداً مع الجبهة الشعبية لتحرير "تيجراي" ضد مليشيات الأمهرة (فانو) وإريتريا.
وربما تكون إريتريا، على حد تعبير الكاتب الأمريكي أليكس دي وال، هي الرابح الوحيد من الفوضى في المنطقة، إذ يمكن لأسمرة تتبع المعارضين بحرية واستخدام اللاجئين لتعزيز جيشها.
وعلى أية حال كلما زاد عدم الاستقرار في البلدان المجاورة، أصبح الرئيس الإريتري أسياس أفورقي قوة عسكرية مهيمنة في المنطقة.
ومن المرجح أن يهدد هذا الوضع المتقلب والملتهب جميع الدول المجاورة، حيث يستخدم كل منها نفوذه لعرقلة منافسيها، ويبدو أن منطق السياسة الواقعية يقول إن أي حكومة تحاول الوساطة سوف يُنظر إليها على أنها تسعى وراء مصالحها الخاصة على حساب الآخرين.
وحسب التقرير، فإنه على الرغم من التكلفة الإنسانية العالية للصراع العنيف في السودان وإمكانية تهديد المركب الأمني الهش في كل من الساحل والقرن الأفريقي، فإن الاتحاد الأفريقي فشل في معالجة الأزمة في السودان بشكل فعال.
وأضاف: "لقد كان واضحاً منذ البداية كما حدث في أزمات سابقة مثل سد النهضة وحرب تيجراي افتقار الاتحاد الأفريقي للقيادة والتأثير في حل الصراع، حيث أخذت الولايات المتحدة ودول أخرى زمام المبادرة في التوسط في وقف إطلاق النار وتسهيل المحادثات، وهو ما يشكك في قدرة الاتحاد الأفريقي على قيادة القارة والحفاظ على الوحدة الأفريقية في أوقات الأزمات".
ولفت التقرير إلى فرض الولايات المتحدة عقوبات على معرقلي التحول الديمقراطي في السودان، قد لا يردع الجنرالات السودانيين أو داعميهم في الخارج الذين لديهم خبرة في التهرب من العقوبات، وسيثير معارضة من الصين وروسيا والدول الأفريقية التي تعارض العقوبات الأمريكية أحادية الجانب في أي عملية لفرض السلام في أفريقيا.
وأشار التقرير إلى أن "تأثير الفراشة قد لا يعكس تماماً تعقيد الحرب متعددة الأوجه مثل تلك الموجودة في السودان، إلا أنه بمثابة تذكير بأن الإجراءات أو القرارات التي تبدو غير مهمة يمكن أن يكون لها عواقب عميقة وغير مقصودة، وتشكل مسار وتأثير الصراع على البيئة الإقليمية الأوسع في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي".
وبناء على ذلك، اقترح تقرير "الأهرام"، كخطوة أولى لإنهاء الحرب، هو تعطيل تمويلها، وفرض عقوبات مستهدفة، واستخدام النفوذ الدولي لقطع إمدادات الأسلحة والوقود للفصائل المتحاربة.
وتابع: "هناك حاجة ماسة إلى عملية سلام مستدام في السودان، واتخاذ إجراءات حاسمة من الشركاء الدوليين للتخفيف من المخاطر التي تشكلها التنظيمات المسلحة والارهابية فضلاً عن مقاتلي شركة فاغنر الروسية".
ومنذ 15 أبريل/نيسان الماضي، اندلعت في عدد من مدن السودان اشتباكات واسعة بين الجيش، بقيادة رئيس مجلس السيادة قائد الجبش عبدالفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وبين القائدين خلافات أبرزها بشأن المدى الزمني لتنفيذ مقترح لدمج "الدعم السريع" في الجيش، وهو بند رئيسي في اتفاق مأمول لنقل السلطة في المرحلة الانتقالية إلى المدنيين، بعد أن فرض البرهان، حين كان متحالفا مع حميدتي إجراءات استثنائية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أبرزها حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ.
واعتبر الرافضون تلك الإجراءات "انقلابا عسكريا"، بينما قال البرهان إنها تهدف إلى "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، وتعهد بتسليم السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني.
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع أسفر عن مقتل المئات، ونزوح أكثر من 1.4 مليون شخص داخل السودان ودفع 400 ألف آخرين إلى عبور الحدود إلى بلدان مجاورة.