خاص | النقار - مجتمع
"يوجد ٥ ملايين عبوة غاز تالفة أعيدت للسوق بعد سحبها دون أي مراعاة لمخاطرها"
العقيد خالد الشراحي مدير عام العلاقات العامة والإعلام بمصلحة الدفاع المدني في صنعاء: 65% من الحرائق التي يواجهها الدفاع المدني هي لانفجارات اسطوانات الغاز المنزلي.
"لم تعلم أسرتي بتسرب الغاز، ولم يكن للغاز أيّ رائحة، بينما جلال في المطبخ مع والدته، عندما قامت والدته بإعداد العشاء، لتنفجر بوجهها اسطوانة الغاز، مودية بها، وأخذةً ولدي جلال، في فاجعة لا يمكنني نسيانها، لقد أسعفهم الجيران للمستشفى، وهناك توفيت زوجتي، وبقي جلال يعاني من حروقه ومصيبته" هكذا تحدث إلى شبكة النقار والد جلال بعد تعرض اسرته ومنزله للدمار النفسي والجسدي والمادي، عندما انفجرت بهم اسطوانة الغاز منتصف سبتمبر الفائت.
وأنت تتجول في أروقة مركز الحروق بالمستشفى الجمهوري، وهو المركز الوحيد في صنعاء المخصص للمصابين بالحروق وانفجارات الغاز، ستشاهد مصابين وضحايا يتزايدون كل يوم، جراء الحرائق الناجمة عن تسرب وانفجارات اسطوانات الغاز المنزلي، في واحدة من أخطر الحوادث والكوارث المتكررة على اليمنيين منذ سنوات، وبشكل شبه يومي ومتكرر، في مستشفى الجمهوري بصنعاء ستشاهد ملامح أجساد محترقة، واوجاع مؤلمة، وحكايات مرعبة للكثير من المرضى والمحروقين في المركز الطبي المزدحم، أطفال وشباب ورجال، نساء وفتيات وأمهات كبيرات، مواطنون تعرضت بيوتهم وأجسادهم للإحتراق، يعاني الكثير منهم حروق متوسطة، وشديدة، وبسيطة، ولكن نفوسهم تجرعت مرارة النار بأشد أوجاعها.
مرام، فتاة تبلغ من العمر 17 عام، وجدناها في سريرها بمركز الحروق، وجهها ملتصق بشاش أبيض، وجسدها يعاني الحروق المتوسطة منذ أسبوع. اصيبت مرام بحروق نتيجة انفجار اسطوانة الغاز في منزلها الواقع بحي شملان صنعاء، حاولنا التحدث معها، لكنها أيضًا تشير بيديها لا أستطيع الكلام، وجوارها وجدنا والدتها التي قالت لنا بغصة الموجوعين، انفجرت اسظوانة الغاز في مطبخ بيتنا، متسببًا بانهيار أجزاء البيت.
هذه نماذج حادثتين، عن أسر أودت بهم إسطوانة غاز متسربة، ومثلها المئات، في فترة تتزايد فيها مخاطر انفجارات الاسطوانات الهالكة بعدد كبير من المنازل والبيوت، لتخلف بعدها المأسي والحكايات الكارثية، في تقريرنا هذا سنعرض الإشكالية من نواحي عدة، مع سرد حوادث مأساوية كنماذج واقعية خلال فترة زمنية وجيزة جراء تسرب وانفجار اسطوانات الغاز، وبالطبع ما خفي كان أعظم بكثير مما يظهر.. فكوارث الغاز المنزلي تتزايد بشكل ملحوظ، مع تجاهل المعنيين بالأمر للأضرار الناجمة عنها، وهذه الأخطار تستدعي حملة كبيرة للتوعية بمخاطر التساهل في التعامل معها ومع أثارها.
"يقوم عقال الحارات ومشرفي المناطق برمي الاسطوانات من على شاحنات التحميل مباشرة الى الارض وفوق الاسطوانات المقذوفة بالارض وهذا يتسبب بحدوث اضرار كبيرة لرأس الاسطوانة ومنفذ الغاز وبالتالي يرتفع الضغط داخل الاسطوانات ويزداد تهشمها وعطب راس الاسطوانة ويحدث الضرر والكارثة للمواطن"
أرواح مهدورة
خلال يونيو الفائت، في حي بيت بوس بصنعاء، انفجرت اسطوانة غاز بشقة البروفيسور اليمني توفيق البصيلي، أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة صنعاء، ورئيس قسم النساء والتوليد بمستشفى السبعين للأمومة والطفولة، الانفجار نجم عنه وفاة إبنته الدكتورة حنان البصيلي وإبنتها الصغيرة، وبحسب معلومات، فقد حدث تسرب غاز في الشقة، الأمر الذي لم تشعر به الأم في منزلها مما أدى لانفجار أودى بها مع طفلتها وإصاب والدتها.. وفي 11 يناير 2023 انفجرت اسطوانة غاز في منزل أحد المواطنين بقرية عنتوش بمديرية ثلا التابعة لمديرية حبابة بمحافظة عمران، مما أدى إلى إنهيار منزله المكون من ثلاثة طوابق بالكامل، مع سقوط أطفال ومصابين تم إنقاذهم من بين أنقاض منزلهم المدمر. وفي الأول من يناير 2023 توفيت أم وأطفالها الأربعة جراء انفجار اسطوانة غاز في منزل المواطن "يوسف المزجاجي" بحي غليل محافظة الحديدة، واحترق منزلهم بشكل كامل.. وبعده بأيام في حادثة ثانية خلال أسبوع واحد فقط، انفجرت اسطوانة غاز بمنزل مواطن يدعى "العريشي" في حارة اليمن بمديرية الحوك محافظة الحديدة نجم عنه عدة إصابات بالغة. وفي شهر فبراير الفائت، توفيت إمرأة أربعينية، مع طفلها وأصيب زوجها جراء انفجار أسطوانة غاز منزلي داخل منزلهم في منطقة دار سلم بمديرية سنحان، جنوب شرق صنعاء. وأفادت مصادر النقار أن المتوفية تدعى "غادة علي أحمد النصيري" زوجة صاحب المنزل ويدعى "وسيم أحمد ناجي الفرح" والذي أصيب بحروق في جسده وتوفي أبنه أحمد متأثرًا بإصابته في انفجار أسطوانة الغاز.
وفي شهر مايو 2023، أعلنت مصلحة الدفاع المدني في صنعاء، مقتل مواطن وإصابة ثلاثة آخرين بينهم نساء، جراء إنفجار أسطوانة غاز في منزل بحي ذهبان بمديرية بني الحارث شمال العاصمة. وأفاد البيان أن سبب الانفجار كان نتيجة تسرب مادة الغاز المنزلي في أرجاء المنزل ووجود خزان غاز داخل المنزل يفتقد لأبسط اشتراطات الأمن والسلامة العامة. وفي الثاني من مايو 2023 أصيب مواطن بجروح خطيرة جراء انفجار اسطوانة غاز منزلي في أمانة العاصمة صنعاء.
مصادر رسمية
ولأجل الحديث بشكل أوسع مع شخصيات مسؤولة، عن معاناة المواطنين، وأضرار الإهمال والتساهل، ومسئولية ما يحدث منذ سنوات، تحدث العميد مهندس ناجي صالح السعدي مدير عام الوقاية والحماية الذاتية بمصلحة الدفاع المدني تحدث لشبكة النقار، عن المهددات الخطيرة لحياة المواطنين وأسباب غياب الحلول الحكومية حتى الأن، يقول المهندس السعدي: اسطوانات الغاز تحتاج لوعي كبير حول إجراءات الأمن والسلامة وطرق التفادي والإنقاذ، يجب التعامل مع الغاز بكل حذر وبكل عقلانية من حيث الإستخدام والنقل ومن جميع النواحي، كونه يشكل خطرًا كبيرًا باعتبار أنه قابل للإشتعال والإنفجار في أي لحظة، أما أسباب إنفجارات الغاز، فنتيجة كونها قديمة وهالكة، وعدم إضافة مادة الرائحة في اسطوانات الغاز، وظهور اسطوانات جديدة مجهولة المصدر في السوق المحل، لهذا شركة الغاز تتحمل مسئولية سحب الاسطوانات التالفة من المواطنين، بينما يختص الدفاع المدني إلى جانب عمله الأساسي في الأمن والسلامة ونوعية المواطنين حول مخاطر الغاز والاسطوانات التالفة.
يضيف المهندس السعدي قائلًا: في فترة من الفترات تم سحب قرابة 5 مليون اسطوانة غاز تالفة من صنعاء وعدة مناطق، نتيجة خروجها عن الصلاحية، ولكن وبعد فترة من سحبها تم إعادتها للسوق المحلي بدون أي مراعاة لمخاطرها، نحن نشعر بخطورة بالغة إزاء هذا الموضوع، ولكننا مقيدين جدًا ووسائلنا محدودة، أيضًا من حق المواطنين إبلاغ مراكز الشرطة بأي ممارسات من شأنها الإضرار بهم، كذلك عقال الحارات، يجب إبلاغهم وإبلاغ المعنيين بخصوص الاسطوانات التالفة، والهالكة، يجب تشكيل حلقة مشتركة بين المواطنين والمعنيين بالأمر، وعليه يقع على عاتق المواطن مسؤولية سلامته وسلامة أسرته، ونحن في الدفاع المدني لدينا رقم مشترك هو 191 للتواصل مع المواطنين في حالة حدوث أي شيء من هذا القبيل، الى ذلك يضيف السعدي: بأن لديهم خطة لكنها بعيدة الأمد، لمراقبة المخازن والعبوات الجديدة، غير الموافية للمواصفات والمصادر والإجراءات، ومن ناحية متصلة، حذر العميد السعدي من تزايد الحرائق وانفجارات الغاز خلال الآونة الأخيرة بشكل مخيف بسبب انتشار أسطوانات غاز جديدة مجهولة المنشأ وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس والتي تشكل تهديداً لحياة المواطنين.
وفي حديث متصل، يقول العقيد خالد الشراحي مدير عام العلاقات العامة والإعلام بمصلحة الدفاع المدني في صنعاء متحدثًا عن هذا الموضوع المهم: بأن 65% من الحرائق التي يواجهها الدفاع المدني هي لانفجارات اسطوانات الغاز المنزلي، وبها تحدث كوارث جمّة، أيضًا الأطراف المتحكمة ببيع الغاز من شركة صافر، يقومون بتعمد عدم إضافة مادة الميثانول التي تصنع رائحة الغاز عندما يتسرب، وهذا إحدى أسباب تزايد الحرائق والانفجارات في منازل المواطنين، معظم الحوادث في بيوت الناس، تحدث بعد تسرب الغاز، بدون أن يشعر الأشخاص بالتسرب، لينجم عنه انفجار وحريق، ومن ناحية جهود التوعية المجتمعية بمخاطر الغاز وانفجارات اسطواناته، يقول العقيد الشراحي: لقد قدمنا في مصلحة الدفاع المدني فلاشين توعويين مرئيين، وعدة فلاشات إذاعية، وتم بثها في عدة قنوات وإذاعات، لتعريف المواطنيين عن كيفية التعرف على التسرب، وكيفية التعامل معه ومع مخاطره، وفي حالة انفجار اسطوانات الغاز، أيضًا، نحن في الدفاع المدني نقوم بعقد دورات تدريبية متكررة كما تم في العام 2022 حينما استهدفنا 2200 متدرب ومتدربة من كافة مرافق ومؤسسات الدولة والقطاعات العامة والخاصة، حول التوعية بكيفية الاخلاء والإنقاذ والتعامل مع مخاطر التسرب والانفجار.
احصائيات
في تحقيق صحفي سابق أجرته شبكة أريج العربية، وهي إتحاد إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، تحدث فيه المهندس عبدالعزيز شائف رئيس قسم صيانة اسطوانات الغاز في الشركة اليمنية للغاز، عن استمرار عجز الشركة اليمنية للغاز وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن صيانة واستبدال الاسطوانات، منذ سنوات، رغم معرفتها بحجم المخاطر، نظرًا لعدم توفر ميزانية كافية تتطلبها عملية الصيانة والاستبدال للتالف، لهذا يقول المهندس شائف: إن مشكلة الاسطوانات التالفة تتفاقم من عام إلى آخر. ويقدر عدد الاسطوانات غير الصالحة للاستخدام في السوق المحلية في العام 2016 بحسب توثيق الشركة، بنحو 12 مليون اسطوانة، نظراً لانتهاء العمر الافتراضي المقدر بـ 15عامًا، وسوء الاستخدام ودخول أعداد جديدة من الاسطوانات مجهولة المصدر بسبب الفوضى السياسية في البلاد. إلى ذلك يضيف التحقيق، بأن وزارة الصحة لا تمتلك إحصاء دقيقاً بعدد الحالات المصابة بالحروق بسبب الغاز في عموم اليمن، نظراً لعدم اهتمام المشافي بتسجيل طبيعة الحالات المرضية الواصلة إليها. وبحسب مصدر في العلاقات العامة في الوزارة، هناك غياب للجهاز الإحصائي المتخصص بجمع البيانات الطبية من مختلف المرافق الصحية الحكومية والخاصة.
استطلاعات
حول هذا الموضوع، تحدث مراسل شبكة النقار إلى مجموعة من الناشطين والمواطنين والصحفيين، عن أرائهم الشخصية ومعرفتهم بمدى فداحة المخاطر الدائرة على حياة المواطنين، وهنا سنضعها لكم بلهجتهم المحلية، يقول الأخ الحسين الرصين، وهو ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي: بأن السبب في تزايد انفجارات اسطوانات الغاز يكمن في عدم وضع المادة الي كانوا يضيفونها بالماضي للغاز المنزلي، الرائحة التي كانت تظهر زمان الان ماعادها موجودة، والغاز مابش له رائحة لذلك لما يكون في تسرب محد بيعرف.. من جهته يقول الصحفي اليمني محمد الشجاع، هذا موضوع يجب جعله موضوع الساعة، وهو مهم جدًا.. لابد من سحب الاسطوانات التالفة التي تم إخراجها من أماكن كانت معدة للتدوير.. وتبني مبادرة بتغييرها، لابد من فعل هذا بصورة عاجلة.. من ناحيته يقول المواطن صادق اليوسفي: قضية انفجارات الغاز تعتبر قضية مجتمعية يجب على الجهات المختصة أن لا تتهاون بها، لما لها من خطورة متزايدة على المواطنين، ومن جهة متصلة، يقول الناشط المجتمعي جعفر ثابت: السبب يعود الى خلو مادة الغاز من الرائحة المصاحبة كما كان في السابق، والتي لم تعد موجودة في مادة الغاز منذ ما يقارب ثلاثة اعوام.. وهذه مسؤولية الوزارة، الامر الاخر أن عقال الحارات سحبوا العبوات الجديدة من المواطنين قبل مدة واعادوا لهم اسطوانات تالفة وليس بمقدور المواطن أن يقدم شكوى الى اي جهة ضبط وحدث ذلك على مسامع وزارة النفط والغاز.. السبب الاخير يقوم عقال الحارات ومشرفي المناطق برمي الاسطوانات من على شاحنات التحميل مباشرة الى الارض وفوق الاسطوانات المقذوفة بالارض وهذا يتسبب بحدوث اضرار كبيرة لرأس الاسطوانة ومنفذ الغاز وبالتالي يرتفع الضغط داخل الاسطوانات ويزداد تهشمها وعطب راس الاسطوانة ويحدث الضرر والكارثة للمواطن، من بوسعة اليوم وضع حد لكل هذه المشاكل والمهزلة التي تتسبب اليوم بكوارث حقيقية يتحمل تبعتها المواطن الغلبان....! ومن ناحية ذات صلة، يقول المواطن سليمان صلاح: يجب منع الاسطوانات التي تنتقل من المناطق الساحلية لأنها سبب رئيسي للخطر، كون الاسطوانات ظاهر عليها التلف بسبب الملوحة فتشاهد دبات كثيرة نصفها اسود والنصف الاسفل مصدي وتالف وسرعان ما تنفجر.
أخيرًا
تعزى أسباب حرائق الغاز المنزلي وانفجارات الاسطوانات، بحسب متخصصين ومراقبين، إلى تهالك منظومة الاسطوانات التي يمتلكها الناس، مع غياب مادة رائحة الغاز التي تضاف للاسطوانات تمامًا كما كانت في الماضي، إضافة إلى إنتشار اسطوانات مجهولة المصدر في السوق المحلي، مع غياب جهود الشركة اليمنية للغاز وتجاهل المعنيين بالأمر حول أهمية إجراء خطوات عملية لتفادي مخاطر الغاز على اليمنيين، يحدث كل هذا مع تزايد كبير في أعداد ضحايا الحرائق والإنفجارات، خصوصًا بين الأمهات والأطفال، الأمر الذي يتجدد بشكل متكرر كمطالبات رسمية ومجتمعية للحيلولة دون سقوط ضحايا أخرين، اليمنيين بصحيح العبارة يعيشون في ظل واقع غير مسؤول، لا أحد يتحمل مسؤوليته تجاههم، ولا أحد يقدم مصالحهم، ولا جهة تعنى بتحمل عواقب الكوارث المتكررة، ولا مبادرات مدنية أو منظماتية تقدم حلول وبرامج استباقية، كل ما في الأمر، ضحايا يلحقون ببعضهم، وحكايات متجددة عن مأسي ومحروقين، في واحدة من أشد مراراة المعاناة اليمنية منذ سنوات، دون حلول أو توقعات قادمة.