رغم أنها هدف أساسي تضعه على قائمة الأولويات لمرحلة "غزة ما بعد الحرب"، لم تقدم إسرائيل أي تفاصيل أو إجابات تتعلق بالتساؤلات التي أثارتها خطتها القائمة على "إنشاء منطقة عازلة".
وبينما يوضح مراقبون أن الفكرة "لم تتبلور حتى الآن"، يرون جانبا آخر لها قد تنعكس آثاره مع مرور وقت الحرب.
ستكون "المنطقة العازلة" من حساب مساحة القطاع الصغيرة، على أن تفصل بعمقٍ جديد ما بين غزة وإسرائيل، بدءا من الشمال ووصولا إلى الجنوب.
وقد يكون عرضها من كيلومترين إلى ثلاثة، ومن المتوقع أن ينسحب طولها على كامل الحدود دون أن يكون الأمر مقتصرا على بقعة من الأرض دون غيرها، كما يشير مراقبون من كافة الأطراف تحدثوا لموقع "الحرة".
وقبل يومين نقلت وكالة رويترز عن أوفير فولك، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو للسياسة الخارجية، قوله إن "المنطقة العازلة المخطط لها ليست سوى جزء من عملية ثلاثية المستويات لتجريد القطاع من السلاح والتطرف بعد القضاء على حماس".
وأوضحت الوكالة، نقلا عن مصادر، أن إسرائيل أبلغت دولا عربية بينها الأردن ومصر والسعودية والإمارات وكذلك تركيا بخطة "المنطقة العازلة"، كما أخبر نتانياهو بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل.
"المواقف رافضة"
ولا تعتبر فكرة "المنطقة العازلة" جديدة على المشهد الذي فرضته الحرب الدائرة في غزة.
ففي 19 من أكتوبر الماضي (أي بعد أسبوعين من هجوم حركة حماس) أعلن وزير الزراعة الإسرائيلي، عوديد فورير أن "السلطات ستنشئها داخل القطاع وبعد مرحلة الاجتياح البري"، مشددا بالقول: "كل من يقترب من المنطقة التي سيتم إنشائها سيقتل".
ومنذ تلك الفترة تاهت الفكرة الإسرائيلية ذات الأهداف الأمنية ضمن الكم الكبير من السيناريوهات التي بدأت تنتشر عن مرحلة ما بعد الحرب، أو "ما بعد القضاء على حركة حماس".
وبينما لاقت بعض السيناريوهات رفضا من دول عربية، لم تستقر دول غربية ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية على صورة مستقبلية محددة، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"المنطقة العازلة" التي لا تؤيدها واشنطن.
وأكدت الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة أنه لن يكون هناك أي تقليص في أراضي غزة بعد الحرب.
ودعا الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى "إعادة تنشيط" السلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع بعد الحرب بعد نشر قوة دولية مؤقتة، إلى جانب تنفيذ مسار يؤدي إلى حل الدولتين.
وفي غضون ذلك، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إن واشنطن تعارض أي تقليص في أراضي غزة، مضيفا: "نحن لا نؤيد أي تخفيض للحدود الجغرافية لغزة… يجب أن تظل غزة أرضا فلسطينية، ولا يمكن تقليصها".
والرفض الأميركي عبّرت عنه أيضا دول أوروبية وعربية أبلغتها إسرائيل بمضمون "خطة المنطقة العازلة"، كما نقلت "رويترز" وصحيفة "هآرتس" العبرية عن مصادر.
ما حدودها؟
ولم تكشف إسرائيل عن حدود "المنطقة العازلة"، كما لم توضح المدة التي تخطط للعمل فيها في مثل هذه البقعة الجغرافية، وما إذا كانت تخطط لوجود عسكري طويل الأمد هناك.
ونقلت صحيفة "هآرتس"، الاثنين، عن مصدر دبلوماسي قوله: "لا نحصل على إجابات واضحة وهذا يثير المخاوف بشأن الهدف الحقيقي للعملية"، في إشارة منه إلى خطة "المنطقة العازلة".
وفي الوقت الحالي، تناقش القوى الغربية ما إذا كانت ستدعم الخطة، وفي ذات الوقت تشعر بالقلق من أن تصبح "المنطقة العازلة" دائمة، كما يقول دبلوماسي تحدث لـ"هآرتس".
وأوضح الدبلوماسي المطلع على المحادثات: "عندما يتم طرح أسئلة محددة على الإسرائيليين بشأن هذه المسألة، فمن الواضح أنهم أنفسهم لا يملكون إجابات بعد. إنهم لا يعرفون مدى عمق المنطقة العازلة، وكيف سيفرضونها بالضبط، وإلى متى ستستمر. المشكلة أننا بحاجة إلى معرفة الإجابات على كل هذه الأسئلة، لنقرر ما إذا كنا سندعمها".
وأضاف دبلوماسيون آخرون شاركوا في المناقشات أنه "من حيث المبدأ، تدرك معظم الدول الغربية أن إسرائيل ستحتاج إلى إنشاء منطقة عازلة من نوع ما، لكنها تعتبرها حلا مؤقتا، حتى يتم إنشاء نظام جديد للحكم في غزة".
وتقول إسرائيل إنها تريد إنهاء حكم حماس، لكنها ليست مستعدة لكشف ماذا سيحدث في غزة في اليوم التالي.
وتابع أحد الدبلوماسيين لـ"هآرتس": "القول أنه بعد عدة أشهر من انتهاء الحرب، سيتم منع الاقتراب من السياج الحدودي لمسافة كيلومتر أو كيلومترين أمر منطقي. ولكن بعد تشكيل حكومة جديدة، لا يمكن أن يبقى هذا الترتيب قائما إلى الأبد".
"خطة لم تتبلور"
وقبل أيام، استأنف الجيش الإسرائيلي حربه في غزة بعد انتهاء الهدنة، وتشير عملياته على الأرض إلى أنه بصدد التركيز على مناطق جنوب القطاع، وخاصة مدينة خان يونس.
ويوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، أن "إسرائيل تريد من خطة المنطقة العازلة أن تبعد أي فلسطيني وخصوصا من عناصر حماس من الاقتراب بسهولة من الجدار (الذي اخترقته حماس في 7 أكتوبر في بداية هجومها على غلاف غزة)".
ويعني ما سبق "إنشاء بعد كبير بالمسافة، وفي حال تم اجتيازه سيكون الجيش الإسرائيلي قادرا على الرد أو الهجوم بشكل فوري"، كما يقول المحلل لموقع "الحرة".
وترتبط الخطة بـ"اعتبارات تكتيكية على نحو أكبر كي لا تتكرر أحداث السابع من أكتوبر"، ولا تحمل بعدا عسكريا وأمنيا فحسب بل آخر سياسي، كما يضيف شتيرن، معتبرا أن إنشاء المنطقة العازلة يعتبر احتلالا لأراضٍ جديدة، وهو ما يثير حفيظة واشنطن.
ويبدو أن "المنطقة الأمنية أو كما تسمى العازلة" لم تتبلور حتى الآن في إسرائيل ولم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي، كما يعتقد الخبير في الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية أشرف أبو الهول.
ويقول لموقع "الحرة": "يوجد أيضا اختلاف في مساحتها قياسا بمساحة القطاع الصغيرة جدا، التي تقدر بـ350 كيلومترا مربعا في وقت لا يزيد عرض بعض المناطق من البحر وصولا إلى إسرائيل عن 6 كيلومترات".
وحتى لو أنشئت المنطقة "ستكون في مرمى قذائف فصائل المقاومة"، بحسب تعبير أبو الهول، وكذلك "لن تحمي إسرائيل بسبب المساحة الصغيرة والازدحام السكاني في قطاع غزة".
الخبير العسكري اللواء المتقاعد، مأمون أبو نوار يوضح أن خطة إسرائيل تستند على "إقامة طوق أمني أو ما يعرف بـ Bufferzone Security وبحدود 2 إلى 3 كيلو متر على طول القطاع من الشمال إلى الجنوب".
وترتبط الأهداف التي تريدها إسرائيل بمحاولة "منع اختراقات أمنية في المستقبل"، ومع ذلك "لن يكون الأمر مجديا لكبح إطلاق الصواريخ والقذائف"، حسب ما يرى الخبير العسكري.
ويتابع أبو نوار في حديث لموقع "الحرة" أن جميع الاحتمالات والخطط التي يدور الحديث عنها في الوقت الحالي لا يمكن أن تحسم واقعيتها مع استمرار الحرب، وتواصل الاشتباكات ليس فقط في جنوب القطاع بل في شماله.
وبسبب أيضا "عدم وجود استراتيجة خروج أو لإنهاء الحرب من جانب إسرائيل، في مقابل نظرة حماس للحرب وبأن خوضهايصب في مسار أفضل من الذهاب إلى المفاوضات"، وفق الخبير العسكري.
ما احتمالات تطبيقها؟
ويبلغ طول قطاع غزة نحو 40 كيلومترا ويتراوح عرضه بين خمسة كيلومترات و12 كيلومترا ويعيش فيه نحو 2.3 مليون نسمة في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم.
وقال مصدر أمني إسرائيلي كبير لـ"رويترز"، قبل يومين، إن فكرة المنطقة العازلة "تجري دراستها"، مضيفا "ليس من الواضح في الوقت الحالي مدى عمقها، وما إذا كانت قد تصل إلى كيلومتر واحد أو كيلومترين أو مئات الأمتار (داخل غزة)".
ويشير عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي، إلى أن إسرائيل ستبقى تتحدث عن المنطقة العازلة "كحل عملي لترجمة فكرة تأمينها".
وكانت الحرب التي تلت هجوم السابع من أكتوبر استندت على "فكرة تأمين إسرائيل"، ومع مرور الوقت بات هذا المسار يقود إلى نقطة كيفية تطبيق ذلك.
ويقول السبايلة لموقع "الحرة": "ما يلفظ اليوم، سيتم التأسيس له عمليا عبر تعميق الأزمة الإنسانية. كل الدول ترفض التهجير لكن كلها أيضا تعلم أن استمرار الحرب سيؤدي للتهجير، وخاصة مع الانتقال إلى سيناريو الجنوب".
ورغم أن الدول العربية ترفض "خطة المنطقة العازلة" يعتقد الباحث أنه "في النهاية سيكون هناك حلولا عملية، ووضع سيضطر الجميع التعامل معه من منطلق الأمر الواقع".
ويتابع: "على ما يبدو أن صياغة فكرة المنطقة العازلة من بوابة تأمين إسرائيل سيمنطق هذه الرؤية بعد مرور الوقت".
لكن الباحث أشرف أبو الهول يرى أن "الفكرة ما زالت مرفوضة عربية ودوليا، لأن مساحة غزة صغيرة"، موضحا: "منطقة عازلة عرضها كيلو متر واحد يعني أخذ 50 كيلومترا من مساحة غزة. 2 كيلومتر بالعرض يعني تقليص مساحة القطاع 100 كيلو متر".
ويعتبر أن "الفكرة من كل الجوانب مرفوضة"، وأن "إسرائيل تبحث عن مخرج آخر ربما سيكون في ترتيبات من سيدير غزة بعد الحرب".
ويستبعد المحلل شتيرن أن تتمكن الدول العربية والإقليمية من الضغط على إسرائيل لعدم تنفيذ خطة "المنطقة العازلة"، ويقول: "إسرائيل تستطيع أن تقوم بخطوات وتعمل على تنفيذ الخطة بكل سهولة وكما تشاء، لأن الواقع في المنطقة تحت سيطرتها بالكامل".