منذ اليوم الأول لسيطرتها على الدولة، حرصت سلطة صنعاء على تعميم خطاب إعلامي واحد وإسكات كل ما يعارض أو لا يتوافق مع ذلك الخطاب حتى ولو شكليا.
سعي ممنهج لتنميط المجتمع وتدجينه بثقافة قطيعية من خلال كل شيء: القنوات والإذاعات والصحف والمساجد ووسائل التواصل الاجتماعي.
ثقافة القطيع الواحد هي الهاجس المسيطر على كل توجه الجماعة كسلطة، حيث عملت على تكريسه في كل الجهات والمؤسسات التي سيطرت عليها واستطاعت ذلك إلى حد بعيد.
بحسب ناشطين، فإن أكثر ما يزعج سلطة صنعاء هو أن يكون هناك إعلام حقيقي. فالإعلام عندها هو التطبيل وإزجاء الإشادات، أما ما عداه فهو الإرجاف لا غير. ولأن الإعلام يعني كشف الحقائق وتوضيح ما يحدث للشارع والمجتمع والناس والمواطنين ومرتبط بالمجتمع وقضاياه وهمومه، ولأن دوره مراقبة السلطة الحاكمة، فإنه بالنسبة لها عدو لدود، بل هو أكثر أعدائها الذين تحاول إسكاتهم بشتى السبل لكونهم حالة معدية كالوباء.
من ينظر إلى أدبيات ناشطيها وسياسييها على مواقع التواصل الاجتماعي، يراهم لا يتركون فرصة إلا وانتهزوها للتحريض على من يسمونهم المرجفين أو المنافقين أو الطابور الخامس أو ما تشاء لهم تلك الأدبيات من تهم جاهزة ضد الإعلاميين والناشطين المعارضين، في الداخل على وجه الخصوص. فهناك تهم جاهزة لكل إعلامي يحاول أن يتناول حقيقة ما يحدث.
إنها ببساطة سلطة تريد من الإعلاميين والناشطين وأصحاب الأقلام أن يتحولوا إلى بوق لها، أو على الأقل بوق موجه ضد الخارج. فقل ما تشاء ضد ذلك الخارج (باستثناء محور المقاومة)، وإياك أن تلتفت إلى شيء في الداخل إلا إذا كان مدحا وتلميعا، وما سواه فابلع لسانك.
بمجرد أن يقوم هذا الإعلامي أو ذاك الناشط بانتقاد حدث بسيط أو تصرف غير لائق أو فساد يمارسه عدل قرية حتى، فضلا عن مسؤول في هرم السلطة، تكون كلمته قد مست الصميم وأزعجت المزاج السائد لدرجة أن صاحبها يستحق ما سيحل به.
ليس الحديث هنا عن أولئك الإعلاميين والناشطين الذين تم الزج بهم في السجون، بل عن محسوبين عليها قد تجدهم يسبحون بحمدها ليل نهار متماهين مع أجندتها إلى حد كبير، لكن يحدث لهم أن ينتقدوا هذا التصرف أو ذاك، فإذا بذبابها الإلكتروني يأتيهم من كل مكان مستنفرا بكل قوة: مرجفون وخونة وطابور خامس!
عشرات الحملات ومئات الدورات يتم تسخيرها من قبل سلطة صنعاء وإنفاق ملايين الريالات على تعميم خطاب قطيع واحد: لا أريكم إلا ما أرى.