ثمة معركة ملغزة بين سلطة صنعاء وهيئات الإغاثة وبرامج المساعدة الأممية العاملة في اليمن.
بحسب مراقبين، هي معركة فساد بين طرفين يريد كل منهما أن يبدو نزيها ليزايد على الآخر، ولكن على حساب المواطن نفسه الذي تتم المتاجرة بجوعه وفقره وعوزه.
لا نزاهة في برامج الأمم المتحدة العاملة في اليمن، فما يتم اعتماده من المساعدات لا يصل إلى عشر الميزانية المعتمدة، فيما تذهب بقية الميزانية كنثريات ومرتبات، فضلا عن أغذية رديئة تتفنن تلك المنظمات في انتقائها وجلبها للشعب اليمني دون باقي الشعوب كما يبدو، ولدرجة أن أصنافا لا تكاد تصل إلى المخازن حتى تكون قد فسدت وانتهت صلاحيتها.
في المقابل، ثمة طرف محلي هو أكثر منها نهماً في غربلة ما يصل من ذلك العشر وقيامه بأخذ تسعة أعشار منه لصالحه، ونقدا لا عينا.
هكذا تستمر معركة "إنسانية" بين طرفين لا علاقة لهما بذلك العنوان، وفي نفس الوقت يتمسكان على الدوام بجملة أن اليمن يعيش أسوأ كارثة إنسانية، ويحرصان على تأكيدها في كل محفل، للحث على تقديم المزيد والمزيد من المساعدات.
فمثلما أن تلك الجملة هي الركيزة الأساسية لاستمرار عمل المنظمات والبرامج الأممية في اليمن، فإنها أيضا مشروع مثمر بالنسبة لسلطة صنعاء لممارسة أكبر قدر من الابتزاز ضد تلك المنظمات فتنجح كثيرا في ذلك، ولدرجة أن عددا منها تخلت عن لغة المن الذي كان معهودا عنها من قبل وأصبحت تتعامل بلغة أمر واقع مفادها: سأقبل بشروطك المجحفة أفضل من أن أعود أدراجي ويحال كثير من موظفيّ إلى التقاعد.
تستطيع الهيئات الأممية اتهام سلطة صنعاء بالتضييق عليها وممارسة رقابة وصائية على عملها، لكن لا يمكن لها أن تتحدث عن شيء اسمه فساد تمارسه تلك السلطة، لأنها ببساطة مشاركة بل وغارقة فيه، وقبلت منذ اليوم الأول بذلك وارتضت وسكتت، وبالتالي لا معنى لحديثها عن فساد ما. تدرك سلطة صنعاء جيدا هذا الأمر فتواصل ابتزازها بكل أريحية أو بما يضمن بقاء الأمر على ما هو عليه.
ربما أن أكثر ما يعني سلطة صنعاء من تلك الهيئات والبرامج الأممية العاملة في اليمن هو برنامج الغذاء، وهذا ما يمكن استشفافه من حالة الطرد التي حدثت، الخميس المنصرم، لنائب رئيس مفوضية حقوق الإنسان سفير الدين سيد، من صنعاء. فمثل هذه الجهات ضررها أكبر من نفعها بالنسبة لها، وبالتالي لا مانع من طرد كل من لا يروق لها أو اعتقاله أو حتى تصفيته، مثلما حدث مع الموظف في منظمة (save the Children) هشام الحكيمي الذي توفي مؤخرا في أحد سجونها بعد قرابة شهرين من اختطافه.
كما يمكن استشفاف الأهمية الخاصة التي توليها سلطة صنعاء لبرنامج الغذاء العالمي من خلال ما تم تداوله في وسائل إعلام سلطة صنعاء مؤخرا عن قرار أمريكي بقطع المساعدات الأممية عن اليمن معتبرة ذلك بمثابة حرب من قبل الولايات المتحدة على أنصار الله بسبب موقفهم من العدوان على غزة.
في رسالة وجهها عضو المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله محمد علي الحوثي إلى مدير برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، اعتبر قطع أو تقليص المساعدات بمثابة قرار قاتل وجريمة إنسانية لا يمكن القبول بها.
يقول الحوثي في رسالته تلك التي نشرها على صفحته في منصة إكس: "طالعنا مؤخراً رسالة البرنامج إلى جميع موظفيه في الجمهورية اليمنية، والذي أعلن فيها قراره وقف المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن"، مضيفا: "نود أن نعرب لكم عن أسفنا العميق لقراركم هذا الذي يشكل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي والإنساني للشعب اليمني".
ولا بأس عند الحوثي أن يذكّر "السيد بيزلي" بكلمة السر المتفق عليها من الطرفين قائلا: "كما تعلمون، فإن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ومن بينهم أكثر من 12 مليون شخصا على حافة المجاعة".