• الساعة الآن 04:59 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

المذبحة الإسرائيلية في غزة.. كيف تؤثر على اقتصاد اليمن وأسواقه؟

news-details

لايدخل الاقتصاد اليمني مضيقًا إلا ليجد نفسه عالقًا في أزمة مقابلة أضيق من سابقتها وأكثر تشعُّبًا، وبما يفاقم التداعيات المعيشية على السكان الذين يعانون بالأساس مما تقول الأمم المتحدة إنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، ففي الوقت الراهن تلقي الحرب الإسرائيلية الأعنف على قطاع غزة بظلالها على اقتصاد اليمن المُثقل بكثير من الملفات العالقة والتي تؤكد سلطات عدن أنَّها عاجزة حاليًا عن حلِّها بسبب التعقيدات المالية وفقدان إيرادات تصدير النفط وغيرها من العوامل المرتبطة باشتراطات وقيود المانحين الدوليين وعدم وجود بيئة استثمارية يمنية مشجعة.

الأثر الاقتصادي لهذه الحرب على اليمن، يتركَّز في مخاوف الأسواق اليمنية، نظرًا لانعكاسات الحرب على الأسواق الدولية وإمدادات التجارة على نطاق واسع، فاليمن -الذي يعتمد على استيراد ما يفوق 90% من احتياجاته الأساسية من الخارج- يتأثر تلقائيًا على نحوٍ حاد بالأزمات الخارجية، في حين لم تنتهِ بعدُ آثار الحرب الروسية الأوكرانية وعواصفها غذائيًا وتجاريًا وتمويليًا، و في هذه الأثناء يبدو الركود الركود التجاري النسبي على مستوى المنطقة أبرز التحديات بالنسبة إلى الاقتصاد اليمني.

ويشهد اليمن ارتفاعًا في أسعار الغذاء يصعب على اليمنيين تحمُّله بسبب دخولهم المتدنية، حيث لا يزال اليمنيون بالمحافظات الواقعة تحت سيطرة سلطات صنعاء يعانون من انقطاع المرتبات منذ العام 2016، مقابل تدنّي قيمة المرتبات في مناطق سلطات عدن التي تواجه انهيارًا في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، إلى أن تجاوزت مستوى 1500 ريال للدولار الواحد في أكتوبر الماضي.

صورة عامة حول آخر التطورات الاقتصادية

ما يزيد الواقع صعوبة خلال التوترات الجيوسياسية الراهنة، هو أنَّ الاقتصاد اليمني يمر بتحديات مستمرة لم تهدأ رغم أن النشاط الاقتصادي ارتفع خلال الهدنة المنتهية في الثاني من أكتوبر 2022 مقارنةً بما قبلها.

وفقًا لأرقام البنك الدولي، بلغ النمو الحقيقي لاقتصاد اليمن 1.5% في العام 2022، بعد فترة من ركود اقتصادي استمر لمدة عامين، وتحقق النمو مدفوعًا بالقطاعات الاقتصادية غير النفطية بينما واجه القطاع النفطي انكماشًا كبيرًا بسبب توقف التصدير البحري للنفط من مناطق سلطات عدن والذي أفقدها أكثر من 70% من إيراداتها، وقد تحسنت القطاعات الاقتصادية غير النفطية عبر زيادة الإنفاق الاستهلاكي من قبل الأسر وسلطات عدن، والذي ساهم بنسبة 1.1 نقطة مئوية و1.3 نقطة مئوية على التوالي في نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي.

لكن معدل التضخم شهد تباينًا بين مناطق كلا السلطتين، فقد شهدت صنعاء انخفاضًا في تضخم أسعار المستهلكين، قابله مزيد من الارتفاع في الأسعار بعدن نظرًا لهبوط قيمة العملة، حسب البنك الدولي، وقد أدى التضخم وتقلبات أسعار صرف الريال إلى تراجع أداء القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الخاص، مما يشير إلى انكماشٍ اقتصادي مُتوقَّع بنسبة 0.5% هذا العام، في تناقُضٍ حاد مع معدل النمو البالغ 1.5% خلال 2022.

وانخفضت الواردات عبر ميناء عدن بنسبة 61% في الفترة "يناير - أغسطس 2023" نتيجة تحويل التجار وارداتهم من عدن إلى موانئ الحديدة التي فُتحت في إطار الهدنة السابقة، فيما كان انخفاض الواردات عبر الحديدة بنسبة تقل عن 8%، وهو ما أثر بشكل عام على مساهمة ميناء عدن في إجمالي واردات اليمن.

IMG_5712.jpeg
IMG_5712.jpeg

وأمام الضغوط المالية العامة التي تواجه سلطات عدن، لجأت الأخيرة إلى خفض إنفاقها لمواجهة تراجع الإيرادات وحماية المالية العامة، وفرض هذا الإجراء مزيدًا من التحديات للحفاظ على الخدمات العامة الأساسية التي يشكو المواطنون تردّيها المستمر، أو تعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

ويشكو البنك المركزي اليمني بعدن من أنَّ المانحين والمُقرضين يفرضون شروطًا صعبة غير واقعية لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي الحرج في اليمن، مثل "صندوق النقد الدولي" الذي يفرض شروطًا مرتبطة بالاستدامة المالية واستدامة الدين العام وضرورة عدم وجود متأخرات في سداد الدين الخارجي، وهو ما يعتبره البنك المركزي غير منطقي التحقُّق إلا في ظروف السلام الطبيعية، وتنطبق هذه الشروط على كل برامج الدعم وبرامج المساعدات الإقليمية والدولية الأخرى باعتبارها تحذو حذو صندوق النقد.

إلى جانب ذلك، يؤكد البنك المركزي بعدن وجود أزمة مالية ناجمة عن عدة عوامل أبرزها عدم تحصيل الموارد العامة وتوريدها إلى حسابات البنك، بما فيها إيرادات محافظة مأرب، وهو ما يدفعه مرارًا لمطالبة سلطات عدن بضبط إنفاقها وإعادة ترتيب أولوياتها والتسريع في إصلاح الاختلالات في القطاعات التي تستنزف كثيرًا من الموارد وإعادة توظيفها بتحسين المستوى المعيشي والخدمي، وذلك من أجل عدم اللجوء إلى استخدام مصادر تمويلية تضخمية لمواجهة النفقات الحكومية، مما سيزيد وضع الريال سوءًا.

ذلك كله يُضاف إلى انهيار الأوضاع الإنسانية التي تتطلب تلبية احتياجات وحماية نحو 21.6 مليون شخص في اليمن (75% من السكان) خلال 2023 الذي شارف على الانتهاء، وقد تفاقمت الظروف الإنسانية الحرجة -بحسب الأمم المتحدة- مدفوعةً بالانهيار الاقتصادي واستمرار الصراع، وسط "نقص التمويل" الذي تقول المنظمة إنها تعاني منه، وتحديات الوصول إلى الأفراد وصعوبات تأمين الغذاء مرتفع الأسعار، ويُشار هنا إلى أن الوكالات الأممية عمدت إلى تقليص مساعداتها بدءًا ببرنامج الغذاء العالمي "WFP" الذي قلَّص مساعداته اعتبارًا من سبتمبر 2023، مما أثَّر على قرابة 17.7 مليون إنسان تشملهم المساعدات الغذائية في اليمن.

أنصار الله والتجارة متلاطمة الأمواج

تنطبق المخاوف الأكبر على الحركة التجارية البحرية، وبالتالي الواردات والممرات المائية والتأمينات البحرية على السفن التجارية، خصوصًا على وقْع إعلان أنصار الله "الحوثيين" عن استهدافهم السفن التجارية في البحر المندب، تلك التابعة لإسرائيل، وهو ما يخلق موجة ارتباك شامل في المياه اليمنية والإقليمية بما يعرقل الأنشطة التجارية.

وقد ظهر زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي، في كلمةٍ أخيرة له، ليقول إن البحر الأحمر يشهد حركة سفن إسرائيلية مموَّهة لا ترفع الأعلام الإسرائيلية تجنبًا للاستهداف، وأنه سيستهدف هذه السفن في البحر كأهداف عسكرية مرصودة على الدوام.

وخلقُ بيئة غير ملائمة لحركة السفن التجارية من شأنه أن يهدم على أنصار الله خطوات تطويرية عملوا عليها في ميناء الحديدة الذي شهد انتعاشًا تجاريًا مؤخرًا، فقد تنسحب آثار الصراع لتطال الحركة التجارية مما يؤثر على خطط الجماعة المرتبطة بتوسعة الموانئ الرامية لاستقبال مزيد من السفن التجارية.

وقد تسد أنصار الله طرق تعزيز خدمات المستثمرين والاحتياجات الضرورية لفتح بوابة جديدة لمرور دخول القواطر وخروجها من وإلى ميناء الحديدة، ولذلك نتائجه غير المحمودة على المدى القريب أو البعيد سواء على البنية التحتية بالموانئ، أو على الأسواق اليمنية في مناطقها المُرهقة أصلًا.

IMG_5709.jpeg
IMG_5709.jpeg

IMG_5710.jpeg
IMG_5710.jpeg

ويُتخوَّف من تصاعد أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية في هذه المناطق بشكل أكبر من مستواها الحالي، فيما لا يزال التجار وأصحاب المحلات يعانون من جبايات وضرائب متصاعدة وحملات داهمة رسمية لإنفاذ أسعار وضعها أنصار الله ورفضها الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية باعتبارها مخالفة للدستور والقانون، في حين تبقى الأسعار -حتى مع تخفيضها المُعلَن- فوق مستوى القدرة الشرائية للمواطنين.

الحرب أيضًا تضع سلطات عدن أمام تحدٍّ جديد، فهي تواجه بالفعل انخفاضًا في حركة التجارة من وإلى موانئها -كما ذكرنا سابقًا- إثر تحويل عدد من التجار أنشطتهم إلى موانئ الحديدة، هذا من ناحية.

IMG_5718.jpeg
IMG_5718.jpeg

ومن ناحية أخرى كانت سلطات عدن سعت إلى إبرام اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" من أجل إنشاء صندوق ضمانة لتخفيض أقساط التأمين البحري على السفن القادمة إلى موانئها، بغرض إلغاء أقساط التأمين الإضافي ضد مخاطر الحرب، وعقد صفقة تجارية لخفض الأقساط التأمينية، وربما تؤثر الحرب الإقليمية على هذا الملف المهم بالنسبة لحكومة معين عبدالملك.

بشكل عام تُسلط الحرب الضوء على الممرات المائية التجارية الدولية، خصوصًا باب المندب الذي تمر عبره قرابة 6.2 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمشتقات النفطية، وأكثر من 30% من تجارة الغاز الطبيعي العالمية، وأكثر من 10% من إجمالي التجارة العالمية، وقد أعلن أنصار الله إغلاق المنفذ البحري أمام السفن التي تُعتبر تابعة لإسرائيل أو داعمة لها.

وسبق وحذَّرت منظمة التجارة العالمية من أن الحرب، في حال توسُّعها، سيكون لها "تأثير كبير حقًا" على تدفقات التجارة العالمية الضعيفة بالفعل، كون البحر الأحمر جزء من هذه المعادلة، فضلًا عن كون منطقة الشرق الأوسط تشكّل 40% من إنتاج النفط العالمي.

الأسر تقتحم الأسواق التجارية

في إطار حملة المقاطعة العربية للمنتجات الأمريكية والداعمة لإسرائيل، والتي شملت اليمن وعددًا من الدول العربية، اعتبر اليمنيون المقاطعة فرصة لتعزيز الإنتاج المحلي زراعيًا وصناعيًا من جهة، وتشجيع الأسر المنتجة على الإنتاج وتنظيم المعارض التسويقية من جهة أخرى.

يأتي ذلك بعد أن أعلنت سلطات صنعاء عن المقاطعة رسميًا للمنتجات الأمريكية والداعمة لإسرائيل، وقالت إنها تتوجه إلى تنظيم معارض تسويقية لمنتجات الأسر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ووفقًا لوسائل إعلام صنعاء فإنَّ مثل هذه المعارض تساهم في الترويج للمنتجات وإيجاد قنوات تواصل جديدة بين المنتجين ومنافذ التسويق، ما لقي تأييدًا من الغرفة التجارية الصناعية كدعم للمنتجات المحلية.

IMG_5719.jpeg
IMG_5719.jpeg

ورغم أن ذلك يمكن أن يكون خطوةً أولى في طريق استغلال الإمكانات المتاحة في اليمن، إلا أنها تتطلب سياسات جادة داعمة للمشاريع التي تُعد بالنسبة للبعض موردًا وحيدًا للدخل وسط تردّي الأوضاع المعيشية وانقطاع المرتبات.

ويعاني أصحاب المشاريع من فرض جبايات تزيد الأعباء المالية عليهم، إضافةً إلى مشكلات مرتبطة بالتمويل، وعرقلة تسجيل المشاريع لدى الجهات الرسمية المختصة، وتعدُّد الجهات التي تقوم بتسجيل المشاريع.

ماذا عن الوقود؟

تبدو أسواق النفط العالمية أكثر الساحات الإقليمية والدولية ترقُّبًا لآثار الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي اليمن لا تزال سوق المشتقات النفطية تعكس التقلبات السعرية، إذ تتجاوز فاتورة استيراد الوقود والغذاء 60% من إجمالي واردات السلع الأساسية والاستهلاكية في اليمن.

الحرب أدت بالفعل إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية بما يتراوح بين 4% إلى 6%، لكنها عادت للانخفاض بنسبة 8% خلال أكتوبر الماضي، وبنسبة 6% في أول أسبوع من نوفمبر الجاري، وحدث الانخفاض، رغم تصاعد الحرب، نتيجة لتهدئة المخاوف العالمية بفعل انحسار توقعات توسع الصراع، وزيادة الإمدادات من النفط الفنزويلي، وارتفاع المخزونات النفطية الأمريكية، وغيرها من العوامل.

لكن ورغم انخفاض أسعار النفط عالميًا، قامت شركة النفط اليمنية بصنعاء برفع سعر مادتي البنزين والديزل بمقدار 500 ريال، إلى 9,500 ريال للصفيحة سعة 20 لترًا، ويأتي هذا الرفع بعد أن ظلت الأسعار عند مستوى 9000 ريال منذ يونيو 2023.

IMG_5717.jpeg
IMG_5717.jpeg

أما في عدن والمحافظات المجاورة لها، فقد رفعت شركة النفط أسعار الوقود في أكتوبر إلى مستوى 25,700 ريال للصفيحة، من 25,000 ريال، وهو ثاني رفعٍ خلال أقل من شهرين، وقالت إن ذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية والانهيار الكبير في قيمة الريال اليمني مقابل الدولار، في الوقت الذي تواصل مؤسسات الكهرباء الحكومية مطالبة السلطات المعنية بتزويد محطات الطاقة بالوقود بعد خروج متكرر للمحطات في محافظات عدن وأبين ولحج والضالع.

وينظر خبراء الاقتصاد إلى أن اعتماد اليمن على استيراد المشتقات النفطية من الخارج سيفضي بالنتيجة إلى تذبذب الأسعار وتقلب الأسواق اليمنية سلبًا، كانعكاس للتغيرات العالمية، كما أن تضرر خطوط الملاحة الدولية أو استهداف أية ناقلات نفطية في المنطقة سيدفع بالأسعار إلى الارتفاع أكثر.

IMG_5715.jpeg
IMG_5715.jpeg

وضمن التحذيرات من توسُّع رقعة الصراع في الشرق الأوسط وتداعيات ذلك على أسواق النفط، يتوقَّع البنك الدولي أن تبلغ أسعار النفط في أكثر السيناريوهات سوءًا مستوى قياسيًا يتراوح بين 140 إلى 157 دولارًا للبرميل، أي بنسبة ارتفاع 56% إلى 75% وذلك في حال توسع الصراع وحدث تعطل كبير للإمدادات على غرار الحظر النفطي الذي فُرض عربيًا خلال حرب أكتوبر 1973.

إلى ذلك يقول البنك نفسه إن أكبر الصعوبات التي تواجه الاقتصاد اليمني، إلى جانب التضخم وتهاوي العملة، هو ركود صادرات النفط الذي فاقم الضغوط على المالية العامة لسلطات عدن وسيؤدي إلى هبوط الإيرادات بنسبة 40% هذا العام، تزامنًا مع هبوط الإيرادات الجمركية نتيجة تحوُّل الواردات عن ميناء عدن، على خلفية رفع سعر الصرف الجمركي من 500 إلى 750 ريالًا للدولار الواحد.

لا تزال أوضاع الأسواق اليمنية وما ستؤول إليه جراء الحرب، في منطقة عدم اليقين اقتصاديًا، خصوصًا خلال العام المقبل، إلا أن مختلف المؤشرات تسير نحو مزيد من الخندقة الاقتصادية في اليمن، ويبقى السؤال مطروحًا: هل تُتخذ إجراءات مالية ونقدية فاعلة من قبل مَن يهمهم الأمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولمراعاة أوضاع المواطنين الصعبة كما ينبغي، أم سيبقى الأمر قيد وضع الخطط الدارجة وتشكيل اللجان؟

 

شارك الخبر: