• الساعة الآن 12:56 PM
  • 28℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ما يجمع إسرائيل وتركيا اكثر مما يفرّقهما

news-details

 

مع استمرار القصف الإسرائيلي لقطّاع غزة الذي يقترب من أسبوعه الرابع، طرأ تغيير كبير في الخطاب التركي، الذي كان اتّسم بالاعتدال والهدوء طوال الفترة الماضية، ليتخذ منحىً تصعيدياً أخيراً مع خطوات عملية محدودة.

الأبرز كان الدفاع التركي عن حماس حيث ترافق مع إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان الغاء زيارته المقررة إلى تل أبيب ووقف العمل بالشراكة في مشاريع نقل الغاز. ولم يتأخّر رد إسرائيل  على التصريحات التركية في مشهد يوحي بعودة عقارب التطبيع إلى ما قبل عام 2022.

 

تراشق كلامي بين أنقرة وتل أبيب

انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان إسرائيل بشدة في خطابه في اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الأربعاء، مشدّداً على أن "حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة" ليردّ عليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ليئور حيات قائلاً "إن بلاده ترفض كلام الرئيس أردوغان، وأن "حماس منظمة إرهابية حقيرة أسوأ من داعش".

كما أعلن أردوغان في خطابه أنه ألغى "مشروع زيارة إسرائيل"، متّهماً إياها "بقتل الأطفال" وقائلاً إن  أنقرة لن تسمح بذلك.

وبعد مدّة وجيزة من توجيه أردوغان انتقادات لاذعة لإسرائيل، أعلنت تركيا تعليق أنشطة التنقيب عن الغاز في تركيا وأعمال مد خطوط أنابيب نقل الغاز مع إسرائيل في شرق البحر الأبيض المتوسط.

كما ألغى وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي قلب أرسلان بيرقدار، زيارته المقرّرة لإسرائيل بهدف إجراء محادثات ثنائية حول أنشطة التنقيب وخطوط الأنابيب المذكورة.

في المقابل كتب وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، ميكي زوهار في تدوينة له: "أردوغان يدعم الإرهاب"، مضيفاً أن "الوقت  حان لإعادة تقييم العلاقات مع تركيا".

 

خطاب أردوغان موجّه لكتلته الناخبة

بعد تصريحات أردوغان النارية الأخيرة، اتّهمه معارضوه باللعب على الوتر الديني والعاطفي لكتلته الناخبة، خاصة وأنها جاءت متأخرة جداً، في محاولة لربط الموقف التركي الجديد بالديناميات الداخلية والاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

ولطالما انتقدت المعارضة اليمينية الرئيس التركي ومواقفه من الهجوم الإسرائيلي على غزة متّهمة إياه بالتقصير "في الواجب الديني والإنساني" تّجاه الفلسطينيين. فقد استخدم وزير الخارجية ورئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داوود أوغلو الذي يترأس حزب "المستقبل" ورقة غزة في العديد من خطاباته العامة مؤخراً ضد أردوغان، قائلاً أنه "يشتاق إلى أردوغان دافوس لا أردوغان الحالي" وأنهما "كانا يبكيان سوياً خلف الأبواب المغلقة على غزة".

في المقابل، أعلن رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، شريك أردوغان في تحالف السلطة، يوم الإثنين الماضي، منح إسرائيل مهلة 24 ساعة من أجل إيقاف قصفها لغزة "وإلا فإن على تركيا القيام بواجبها" حسب تعبيره.

وعزا بعض الصحافيين والمحللين الأتراك التبدّل في موقف الرئيس التركي إلى ضغوط مارسها عليه شريكه المخضرم، خشية خسارة أصوات اليمين المحافظ في البلاد في وقت الاستعداد للانتخابات البلدية والتي من المتوقّع أن تشهد منافسة شديدة وتغيّرات في خريطة التحالفات التقليدية.

ودعا حزب العدالة والتنمية مع شركائه في التحالف إلى مسيرة لدعم غزة في إسطنبول في 28 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، أي قبل يوم واحد فقط من الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، في مناورة تتيح له التهرّب من الاحتفال بعيد الجمهورية ومؤسسها المتناقضين مع إيديولوجيا العدالة والتنمية وكتلتها الداعمة التي تربطها مع تلك الحقبة ذكريات سوداء.

 

أردوغان ولعبة الخيارات

على الرغم من التأثير المحدود للعامل الداخلي في تصعيد أردوغان الأخير تجاه إسرائيل، إلا أن الدافع الرئيسي من وراء تخلّي الرئيس التركي عن الدبلوماسية الهادئة التي اتّبعها لأكثر من اسبوعين في التعاطي مع الملف الفلسطيني، يكمن في احساسه بتراجع الدور التركي وتهميشه من قبل الأصدقاء والخصوم على حد سواء.

فمن دعوة الطرفين إلى التهدئة، واقتراح الوساطة بين تل أبيب و"حماس"، إلى تمهيد الطريق أمام السويد لعضوية "ناتو" و"المطالبة بلطف" برحيل قادة حماس من الأراضي التركية، كل هذه الخطوات لم تنفع أنقرة في حجز مكان بين القوى المؤثّرة في ملف حرب غزّة والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بشكل عام.

بقيت أنقرة في موقف المتفرّج للمرة الأولى في تاريخ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. تجاهلت تل أبيب مقترح الوساطة التركية، ولم تقابله "القسّام" بالإيحاب، وبينما كانت الوساطة القطرية تنجح في اطلاق رهائن إسرائيليين تحت بند "الضرورات الإنسانية" أدت الجهود المصرية ومواقف القاهرة إلى فتح معبر رفح لإدخال المساعدات إلى غزّة، بالتزامن مع تبادل الرسائل بين طهران والعواصم الغربية بضرورة عدم توسيع رقعة الحرب إقليمياً.

تحركت أنقرة لتعزيز موقفها "المؤيد لفلسطين" من خلال الجولة العربية التي قام بها وزير الخارجية هاكان فيدان، مع الحرص في الوقت ذاته على استمرار عملية مد الجسور مع إسرائيل وحلفائها الغربيين كآخر فرصة لإنقاذ الاقتصاد المتدهور، لكنها اصطدمت بمعادلة "حماس تساوي داعش"، التي بادرت إليها إسرائيل دولياً وحظيت بدعم رسمي من العديد من الدول الغربية، قبل أن يذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعيداً إلى حد اقتراح إنشاء قوة تحالف دولية لمحاربة "حماس"، شبيهة بتحالف محاربة "داعش".

الحرص التركي على  العلاقات مع الغرب قوبل بلا مبالاة غربية. فالرئيس الأميركي جو بايدن، الذي التقى أو اتّصل بالعديد من الزعماء الأوروبيين والعرب لمناقشة التصعيد في غزّة، لم يتصل بالرئيس أردوغان على الإطلاق، كما تجاوز وزير خارجيّته أنتوني بلينكن، تركيا، خلال جولته الإقليمية، وهو ما أثار حفيظة أنقرة حيث اعتبر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشيليك أنه قرار يعكس ضعفاً دبلوماسياً أميركياً"، مؤكداً أن "تركيا لم تخسر شيئاً من عدم زيارة بلينكن".

 

نصرة حماس وعدم معاداة إسرائيل

سياسة مسك العصا من المنتصف، التركية، والتي قوبلت بلا مبالاة غربية، دفعت أنقرة للعودة إلى سياساتها التقليدية في نصرة حماس والتصعيد ضد تل أبيب واتّهامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن الاعتقاد السائد لدى المتخصصين الأتراك أن التشدد في الموقف لن يبلغ مستويات منتدى دافوس وسفينة مرمرة، أخذاً بالاعتبار العديد من العوامل وعلى رأسها الاقتصاد.

وبعد تصريح أردوغان شهدت بورصة اسطنبول تراجعاً في مؤشر BIST 100 بلغ 7%، ما أدّى إلى إغلاق المؤشر في المرة الثانية، بعد فترة مستقطعة في المرة الأولى، في ظلّ توقّعات بأن تشهد الليرة التركية جولة جديدة من التراجع مدفوعة بمخاوف المستثمرين.

على الرغم من الخلاف السياسي، فقد أظهرت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل تطوراً ملحوظاً في السنوات العشرين الماضية، ليرتفع حجم التجارة الذي كان 1.41 مليار دولار قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، إلى 8.91 مليارات دولار في عام 2022، في ميزان تجاري رجحت فيه كفّة تركيا بفارق كبير، حيث تحتل تركيا المركز العاشر في الدول الأكثر تصديراً لإسرائيل مقابل المرتبة 29 إسرائيلياً بالنسبة لتركيا.

وتظهر البيانات الرسمية أن خلافات البلدين بين الحين والآخر لم تؤثر أبداً على العلاقات التجارية المتبادلة، وقد زادت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا الحاجة إلى التعاون مع إسرائيل في العديد من المجالات، وأهمها الطاقة، حيث ترى أنقرة في تل أبيب شريكاً قوّياً في عمليات الحفر والتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط محاولة استغلالها في كسر العزلة التي فرضتها دول الحوض عليها من خلال منتدى غاز شرق المتوسط من جهة، والتحوّل إلى قناة رئيسية لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا من جهة أخرى، في وقت ترى فيه تل أبيب، التي اكتشفت الغاز الطبيعي قبالة سواحلها عام 2010، في تركيا الممر الأوفر والأكثر ربحاً لنقل الغاز إلى أوروبا بعد تراجع تدفق الغاز الروسي إليها.

من ناحية أخرى، فإن تعزيز إسرائيل لعلاقاتها مع قبرص واليونان - أعداء أنقرة التقليديين - على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والأمني وحتى السياحي أدى إلى دق ناقوس الخطر تركياً، مع الأخذ بالاعتبار التأثير الإسرائيلي الكبير على واشنطن في ملفات حساسة كما الحال بالنسبة لبيع تركيا طائرات F16 المقاتلة مقابل اقتراب أثينا من الحصول على الجيل الأحدث من المقاتلات الأميركية، اف 35.

تركت العلاقات التركية- الإسرائيلية وراءها العديد من مراحل التوتّر السياسي، لكنّها حافظت على التعاون الاقتصادي الذي استمر في النمو، وسط رغبة البلدين في ايجاد حلول لجوانب التناقض من خلال السياسات البراغماتية، حيث لم تبلغ، حتى في فترات الأزمات الكبرى، مرحلة العداء واللاعودة بفضل التركيز على المصالح المشتركة، ما يعزز من فرص استمرارها الآن وفي المستقبل أيضاً.

شارك الخبر: