• الساعة الآن 03:38 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

سلطة الجماعة في الحكم

news-details

 

أحمد سيف حاشد

 

تبالغ "السُّلطة السياسية" وجماعتها الدينيَّة الموغِل ذهنها في الماضي بتعصبها لصالح المجتمع المغلق الصارم في عاداته وتقاليده وثقافته، بل وتستعرض اعتزازها بهذا الانغلاق، وتعمَد إلى فرضه وتكريسه، تحت عنوان العيب والشرف، والحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع.

وترى هذه السلطة إن المجتمع الذي يقاوم ابتلاعه هو مجتمع جاهلي يجب أخذه بالرضى أو بالتدرج أو حتى أخذه كرها إلى مسلماتها، و"إسلامها" الذي ترى فيه أنه يملك الحق، ويمتلك الحقيقة كلها دون نقصان، لاسيما في القضايا التي تتعلق بأخلاق المجتمع، ووضع المرأة فيه.

 وتسخر سلطة الجماعة كثير مما يفترض أن يوجه للتنمية أو للتعليم والصحة وتحسين معيشة المواطن لصالحها ولصالح إعادة صياغة وعي المجتمع، وفق أيديولوجيتها، وتحصينه بها، ودأبها لتكريس العادات والتقاليد التي تؤمن بها لخدمة أجندتها في مواجهة المستقبل، وفي هذا الاتجاه تحشد كل ممكن لديها للمساندة والتأييد والشد من أزر الماضي، وإعادة إنتاج ما هو بائد ومتخلّف ومُهترئ وفرضه بالسلطة والغلبة على الحاضر والمستقبل.

تعيش سلطة الجماعة الدينية أثناء حكمها حالة تناقض وانفصام تام، وعدم تصالح فجٍ مع ذاتها، حيث تتزمّت في أخلاقها، وتُمارسُ عُقَدها على المجتمع، وتتشدّد حيالَ التفاصيل الصغيرة، وتترك ما هو جسيم وملح في الشأن الاقتصادي، دون حل أو حتى مجرد التفكير بالحل، وإن فعلت لضرورة، فهي تنتهي إلى إخفاق مدو وفشل ذريع.

إن سلطة الجماعة الدينية تهرب من مواجهة القضايا والمعضلات الاقتصادية الكبرى الى ملاذها المعتاد في قضايا الآداب والأخلاق، فتضيف إلى المعضلات القائمة، معضلات جديدة، فيتضاعف فشلها وإخفاقاتها، وتزيد الطين بله.

سلطة الجماعة الدينية في الحكم تترك القضايا الاقتصادية الكبرى للشعب، مثل التنمية وتحسين المعيشة والنهوض بالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات، وتذهب حد الغرق في تفاصيل صغيره، ترى فيها رسالتها الأولى في الحياة، فتقمع المرأة الّتي لا ترتدي حجاباً، وتتعامل بصرامة حيال من ترتدي حزام الخصر، وتعتدي على إعلانات الكوافير الذي تعتبره انفلاتاً سحيقاً، وسقوطاً أخلاقياً مريعاً، وبالتالي تتحول السلطة من سلطة حكم يفترض أن تدير الملفات والقضايا الكبرى للشعب إلى شرطة آداب حازمة حيال قضايا وتفاصيل صغيره يتبناها تزمتها، وخطابها الغارق في الرجعية.

سلطة الجماعة الدينية تبذل قضها وقضيضها في النيل البالغ من حقوق المرأة، وحريّاتها، وتكرس انتهاكاتها الواقعة على تلك الحقوق، وتهدر معها كرامة المرأة وإنسانيتها، وتخوض المعارك  الضارية حيال الاختلاط، والموضة، وملابس الشباب، وحلاقة الرؤوس، وتضيف إلى ذلك ما هو فضفاض، مثل "الحرب الناعمة" التي تُدرج فيها كلَّ ما يروق لها، أو تريد قمعَه وتحريمَه وتجريمَه تحتَ ذلك العنوان غير المُنضبط.

وبالمقابل تتخلَّى تلك "السلطة" وعلى نحوٍ صارخ، عن مسؤوليَّاتِها حيالَ مواطنيها فيما هو أهم، مثل تحسين المستوى المعيشي للشعب، بل وتتخلي أيضا عن مسؤولية دفع رواتب الموظفين، وعدم تأمين الصِّحةِ لمواطنيها، والَّتخلِّي عن التزاماتِها حيالَ مُعظمِ الخدمات والحقوق، ومنها التعليم فضلاً عن الرُّقي به، بعد أن تكون قد أفسدت معظمه، وأكثر من هذا تحويل الوزارات الخدمية إلى مصادر إيراد وجبايات وتربّح لصالحها وصالح جماعتها التي تحكم، وتتسلط بالحكم على شعبها.

الاحتشام لدى سُلطةِ الجماعة الدينيَّةِ ليس صناعةَ وعي، ولكنَّها شكليات تكرِّسُها وتتعاطى معها بصرامة.. خيمةٌ سوداء، ثقيلةٌ وعمياء، وعُقد اجتماعية شتّى، وكبْتٌ وتضْييق، وإعادة إنتاج نفايات الفكر، والتصوُّرات البالية، وطباعة الكتب والمنشورات الصفراء، وغيرها من الأحمال والأثقال التي يجري إلقاؤها على كاهل المرأة ومحاصرتها بها.

وهكذا تجد "السُّلطة" وجماعتها تتحول إلى شُرطة آداب، تحمي "الأخلاق" وتفرض وصايتها على المجتمع باسم المقدس، بدلاً من خدمة شعبها، ولم تعر بالا لتحسين مستواه الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي، والعلمي.

وفي المقابل، بل وبقدر أشد تمارس إفقار شعبها على نحو دؤوب، وتثابر  على توسيع رقعة الفقر، إلى الحد الذي يدفع المرأة دفعا إلى السقوط في الرذيلة، والفساد الأخلاقي العريض بدافع الفقر والبحث عن الحد الأدنى من المعيشة بالتكسب وبيع الجسد وتجارة الجنس.

شارك المقال: