ترجمة
حرب "قاسية" تنتظر محاولة التوغل الإسرائيلي البري الجديدة، التي باتت "وشيكة"، ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة "حماس" قبل أسبوع، وسط تقديرات بأن القضاء على حركة المقاومة قد لا يكون ممكنا من دون احتلال مباشر للأرض.
هكذا يتناول تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، والذي يرجح أن تكون محاولة الغزو البري هذه المرة "أكبر وأطول وأشد عنفا" من المحاولتين السابقتين.
وخلال السنوات الـ18 التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، غزت إسرائيل تلك المنطقة بقوتها وجبروتها مرتين، الأولى خلال عملية "الرصاص المصبوب" التي امتدت 15 يوماً من الاجتياح البري في يناير/كانون الثاني عام 2009.
أما الثانية، فكانت في عملية "الجرف الصامد" عام 2014، والتي أمضى فيها الجيش الإسرائيلي 19 يوماً في حرب برية.
وتتعرض غزة الآن لغارات جوية وقذائف المدفعية التي تشتمل على صواريخ يتم إطلاقها من البر والبحر، لكن القصف بات ينفذ على نطاق واسع وبقدر أقل من التروي أو التحذير المسبق مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الحملات السابقة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون، إن الجيش لم يعد يطبق أسلوب "القذائف التحذيرية" والتي يحذر من خلالها سلاح الجو من غارات جوية عبر البدء بإطلاق ضربات لا تضر أحداً تستهدف بناء معيناً، ولكن حتى الآن، قتل ما لا يقل عن ألفي فلسطيني، معظمهم مدنيون، حسب ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
خيارات
وحالياً، يدرس القادة السياسيون في إسرائيل مجال الهجمة البرية الثالثة، وأول خيار أمامهم هو تنفيذ اجتياح سطحي كذلك الذي تم في عام 2014، عندما استولى الجيش الإسرائيلي على الأراضي المتاخمة للحدود بهدف إغلاق الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأغذية والمقاتلين والسلاح، إذ بقي الاجتياح عندئذ على تخوم المدن الرئيسية بهدف تجنب حرب المدن.
أما الخيار الثاني فهو خيار الاجتياح الأعمق بهدف احتلال مساحات أوسع من قطاع غزة، غير أن هذه المنطقة تتمتع بكثافة سكانية عالية، ويقطنها أكثر من مليوني نسمة.
كما قد يشتمل هذا الاجتياح اقتحام المدن، كما حدث في عام 2009، إلا أن هذين الخيارين غير كافيين بنظر الإسرائيليين، وذلك بسبب الكره الكبير الذي خلفته هجمات "حماس" في نفوس شريحة كبيرة من الإسرائيليين.
في مؤتمر صحفي، عقد صبيحة الثلاثاء الماضي، ذكر الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيكت، أن "مجال هذه العملية سيكون أكبر مما سبق وأشد ضراوة، أي إن العملية لن تكون نظيفة... لأننا سنعامل حماس بعدوانية شديدة للغاية".
كما تعهد القادة الإسرائيليون بضرورة تغيير هذا الأسلوب، بهدف تدمير "حماس" بدلاً من مجرد إضعافها كما حدث في السابق، إذ أعلن جلعاد إيردان، وهو المبعوث الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة أن "حقبة المنطق والتفكير مع هذه الاعتداءات الوحشية قد انتهت، وحان الوقت الآن لمسح البنية التحتية الإرهابية لحماس من الخريطة ولإبادتها كلياً، لئلا ترتكب فظائع كهذه مرة أخرى".
وبعد أن تناقلت قنوات الأخبار وقوع مجزرة مروعة في مستوطنة كفار عزة الواقعة جنوبي البلاد، ازداد المزاج العام حدة وعدوانية وتصلباً على موقفه تجاه ما يجري، كما ألمح بعض القادة لأسلوب العقاب الجماعي، إذ قال جنرال إسرائيلي: "لقد تحولت حماس لداعش وأضحى المدنيون في غزة يحتفلون بدلاً من أن يشعروا بالرعب... وسيجري التعامل مع الوحوش البشرية وفقاً لذلك".
جذور حماس
من جانبه، يقول دانيال بايمان من جامعة جورج تاون، إن حماس متجذرة بعمق في غزة، إذ أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجمعيات الخيرية والمدارس والمساجد.
ويضيف: "من المستحيل فصل حماس عن غزة"، كما أن احتلال غزة من جديد أمر غير منطقي، فقد خرجت منها إسرائيل في عام 2005 بسبب الثمن الكبير الذي يترتب عليها دفعه في حال بقائها هناك.
أما في الضفة الغربية، فيرى بايمان أن إسرائيل تستغل السلطة الفلسطينية بما أنها منافسة لحماس لتصبح قوة مساعدة لها.
غير أن هذا الخيار ليس مطروحاً في غزة، كما أن الاستعانة بالجنود الإسرائيليين تعني نشر قسم كبير من الجيش هناك، وهذا سيؤدي إلى ظهور نقص في عدد الجنود الموجودين في الضفة الغربية التي تعاني من اضطرابات هي أيضاً.
ولهذا يعلق بايمان بالقول: "آخر شيء يريده السياسيون الإسرائيليون هو سقوط مستمر وتدريجي للضحايا الإسرائيليين في غزة، إذ سيحمل كل أسبوع في جعبته مزيداً من القتلى بين صفوف الجنود الإسرائيليين".
أما الخيار البديل، حسب "إيكونوميست"، فهو النسخة الموسعة من عملية "الرصاص المصبوب"، بيد أن الجيش الإسرائيلي لم يستعد لذلك بعد، إذ حشد عبر التعبئة العامة 360 ألف جندي احتياطي، أي العدد نفسه تقريباً الذي حشدته إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
نموذج الضفة
لكن غالبية هؤلاء الجنود ليسوا مدربين على القتال، بل سيعملون على دعم وحدات الاستخبارات وأسراب سلاح الجو والوحدات اللوجستية، ومن المرجح أن ينشر الجيش الإسرائيلي فرقتين مدرعتين وفرقة جوية أخف منهما، وكل منها ستكون مؤلفة من خمسة ألوية.
وبعض هذه القطعات تنتظر وصول دباباتها وغيرها من العربات المصفحة إلى مسرح العمليات المحيط بغزة، في حين تكبدت قطعات أخرى خسائر خلال الأيام الماضية، في أثناء قتالها مع "حماس".
وفي حال أصدر قادة إسرائيل أوامرهم بشن غزو واسع، فمن المرجح للواء أو اثنين من الألوية المدرعة المزودة بالدبابات أن تتقدم 6 كيلومترات غرباً لتصل إلى الساحل في شمالي أو جنوبي مدينة دير البلح، وذلك حتى تقسم غزة إلى قسمين.
كما قد يقوم لواءان أو 3 ألوية لا يتجاوز عدد رجالها بضعة ألوف، بالتركيز على القسم الشمالي الذي يشمل محيط مدينة غزة، في حين سيقوم لواء أو اثنان آخران بالتركيز على خانيونس أو رفح في الجنوب.
والهدف من كل ذلك، حسب "إيكونوميست"، هو استهداف "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، وهي جماعة مقاتلة أخرى مقربة من إيران، مع التركيز على القيادات والبنية التحتية التي يمكن أن تقصف من الجو، أو في المناطق التي يترتب على قصفها سقوط عدد كبير من المدنيين.
بيد أن لـ"حماس" أنفاقا في غزة تمتد مئات الكيلومترات، ولهذا ستصبح عملية تحديد مداخل تلك الأنفاق وقصفها أولوية بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
أما التحدي الأكبر فهو حرب المدن، لما يشوبها من فوضى واضطرابات.
ويشير التقرير إلى أنه في عام 2014، استعانت "حماس" بفرق هجوم صغيرة لكنها مدججة بالسلاح ومزودة برشاشات آلية، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات وقنابل يدوية، كما ارتدى بعض رجالها زي جنود الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان، وذلك لإيقاع قتلى حتى بين أفضل التشكيلات الإسرائيلية والمدرعة.
وينقل عن دراسة أجرتها مؤسسة "راند"، القول: "كانت المقاومة بارعة ضد القوات البرية الإسرائيلية، إذ تكيفت مع الظروف وعملت بشكل منظم، فكان الجنود على استعداد للدخول في قتال قريب مع القوات الإسرائيلية ولتنفيذ عمليات تسلل وكمائن بعزم وتصميم كبيرين".
وأمام ذلك، يلفت التقرير إلى أنه "لا بد أن تعتمد كثير من الأمور على ما تعلمته إسرائيل أو حماس من جولة القتال السابقة".
ويضيف: "الجيش الإسرائيلي سيتجرأ على الاجتياح بفضل خبرته السابقة في الضفة الغربية، إذ في يويو/تموز الماضي، اقتحمت كتيبتان صغيرتان مؤلفتان من ألف رجل مزودين بدبابات ومركبات قتالية مخصصة للمشاة، مدينة جنين لمدة 48 ساعة، فدمرتا العشرات من الأبنية التي يستخدمها المقاتلون، وقتلتا 12 فلسطينياً، أغلبهم مقاتلون، في حين خسر الجيش الإسرائيلي جنديين اثنين".
ويتابع: "إلا أن ما سيسهل مهمته في غزة، خسارة حماس لزهاء 1500 رجل خلال الاقتحام الذي نفذته، معظمهم من مقاتليها الأشاوس".
ووفق التقرير، فإن الفضل في النجاح الذي حققته إسرائيل في جنين، يعود إلى التخطيط الدؤوب، وجودة الاستخبارات، والتحرك السريع، والتغطية المتواصلة للمسيرات.
قبل أن يضيف: "إلا أن ما حدث لا يمكن أن يتكرر في غزة، لأن التغطية هناك ستحتاج إلى عدد كبير من المسيرات، ولهذا قد يلجأ الجيش الإسرائيلي للعمل على مراحل، مع التركيز على بضعة أحياء في كل مرة".
ويتابع: "لا بد أن تلعب المسيرات دوراً مهماً في هذه الحملة بسبب تدمير حماس لعدد كبير من الكاميرات وأجهزة الاستشعار المرتبطة بقواعد برية حول غزة خلال الغارة التي نفذتها، وهنا لا بد أن نتحدث عن مقتل الكولونيل روي ليفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو قائد الفرقة النخبوية التي تعرف باسم الشبح في الجيش الإسرائيلي، وهي فرقة استطلاع سرية ومتخصصة في العثور على الأهداف المخفية".
ويزيد التقرير: "لكن الاجتياح الكبير لابد أن تواجهه عقبات جمة، بصرف النظر عن التأخر في رص صفوف القوات، وذلك لأن الخسائر الإسرائيلية ستكون كبيرة، وهذا ما سيدفع الجيش الإسرائيلي للاستعانة بمزيد من القوة النارية".
وهنا يقول بايمان: "أعتقد أن الجيش الإسرائيلي مستعد لإيقاع عدد كبير من الضحايا، وذلك ليستعيد حالة الردع، وليحمي قواته أيضاً".
ويتعين على الجيش الإسرائيلي، أيضا، وفقا لبايمان، حراسة حدوده الشمالية خشية انضمام حزب الله إلى القتال، ولهذا أخليت المدن الواقعة في الشمال من سكانها.
وفي ساعة متأخرة من 10 أكتوبر/تشرين الأول، ردت إسرائيل بنيران مدفعيتها على غارات أطلقت من سوريا.
ملف الرهائن
ووفق التقرير، تبقى عقبة أخرى تتمثل بوجود نحو 100 رهينة إسرائيلية وأجنبية في غزة.
وسبق أن هددت حماس بإعدام رهينة مقابل أي غارة إسرائيلية تستهدف بيوت المدنيين، ولهذا دعا بتسلئيل سموتريش وهو وزير المالية الإسرائيلي من اليمين المتطرف، الجيش الإسرائيلي لعدم أخذ قضية الأسرى بعين الاعتبار كثيراً.
ثم إن الجيش الإسرائيلي سيستعين بالقوات الخاصة ليعثر على الرهائن، ولينقذهم إن أمكن، ولكن من المرجح أن تعمل "حماس" على توزيعهم ضمن منطقة واسعة، حتى تحت الأرض.
وسبق أن عرض الرئيس الأمريكي جو بايدن، على إسرائيل مساعدة ودعماً كبيرين، وتعهد بتقديم الدعم العسكري، وقد أرسل بعضاً منه بالفعل، ومنها ذخائر موجهة بدقة وأجهزة اعتراض لدعم منظومة الدفاع الصاروخي في قبتها الحديدية، والتي لا بد أن تحتاج إلى الكثير في حال امتداد الحرب لفترة طويلة.
في نهاية الأمر، فقد ألقى قادة إسرائيل أنفسهم بين خطاب متشدد عالي النبرة يهدف إلى القضاء على حماس، وبين عدم منطقية فكرة احتلال غزة من جديد، إذ من المرجح لقيادات حماس ونسبة كبيرة من مقاتليها أن يخرجوا من مخابئهم ليستعيدوا السيطرة على القطاع بمجرد أن تجتاحه إسرائيل.
ويختتم القرير بالقول: "حتى لو نجحت إسرائيل في تدمير هذه الجماعة، من غير الواضح لمن ستلتفت إسرائيل لتعهد إليه بإدارة هذه المنطقة".