• الساعة الآن 03:09 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

كيف يهدد "طوفان الأقصى" الاقتصاد الإسرائيلي؟

news-details

 

 

على مدار الأشهر الأخيرة، تدهورت الأوضاع الاقتصادية لإسرائيل بشكل كبير، وخاصةً منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في العام الماضي، وهو ما لا يمكن إيعازه إلى الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الناجم عن خطط حكومته لإصلاح السلطة القضائية فحسب، على الرغم من المعارضة المدنية والمؤسسية الهائلة لها، بل كذلك إلى المخاطر الجيوسياسية التي تفاقمت على مدار الفترة الماضية؛ ما جعل إدارة المخاطر تحدياً رئيسياً أمام الحكومة الإسرائيلية. ولعل التصعيد العسكري بين إسرائيل وحماس عقب إطلاق الأخيرة عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، قد أضاف قدراً من الارتباك السياسي داخل النظام الإسرائيلي، وفاقم المخاوف بشأن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل من جراء المعركة حتى الوقت الراهن، التي من المرجح أن تلقي بتبعاتها على المديين المتوسط والبعيد على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يواجه فعلياً الكثير من التحديات.

 

تداعيات مباشرة

أسفرت معركة طوفان الأقصى عن عدد من التداعيات المباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يمكن استعراضه فيما يأتي:

1– مضاعفة أزمات الاقتصاد: أثر الاستقطاب السياسي والمجتمعي في إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية بشكل عميق على الاقتصاد الإسرائيلي، من حيث الرغبة في الاستثمار والاستهلاك والترفيه وتوظيف العمال، خاصةً أن خطة الإصلاح القضائي التي تتمسك بها حكومة نتنياهو قد تسببت بالفعل في أضرار اقتصادية كبيرة، وهو ما حذرت منه وكالة موديز للتصنيف الائتماني في يوليو الماضي 2023؛ حيث انعكست آثاره في صورة انخفاض في سعر الصرف ليقدر بنحو 3.87 شيكل مقابل الدولار عشية الحرب، فضلاً عن ارتفاع مستوى التضخم، وهروب رؤوس الأموال من إسرائيل بشكل لم تشهده منذ عقود. ومن ثم، فإن توقيت الحرب يبدو شديد الحساسية بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي، ويهدد فرص تعافيه.

2– انخفاض قيمة الشيكل: انخفض سعر صرف الشيكل بشكل حاد يوم الاثنين 9 أكتوبر الجاري، على خلفية عملية طوفان الأقصى والهجمات التي وقعت في جنوب إسرائيل وإعلان حربها ضد حركة حماس؛ حيث قفز سعر الدولار بأكثر من 2% مقابل الشيكل إلى 3.93 شيكل، وهو أعلى مستوى له منذ فبراير 2016؛ وذلك على الرغم من إعلان بنك إسرائيل عن بيع ما قيمته 30 مليار دولار من العملات الأجنبية، في محاولة للحد من انخفاض قيمة العملة. وفي هذا الصدد، أعلن البنك أنه “سيعمل في السوق خلال الفترة المقبلة من أجل تخفيف التقلبات في سعر صرف الشيكل، وتوفير السيولة اللازمة لاستمرار حسن سير عمل الأسواق”.

4– إلغاء شركات طيران عالمية رحلاتها إلى تل أبيب: تضررت عدد من القطاعات الاقتصادية داخل إسرائيل، وأُصيبت بالشلل من جراء عملية طوفان الأقصى، ومنها قطاع السياحة؛ حيث ألغت عدة شركات طيران عالمية عشرات الرحلات الجوية إلى تل أبيب، إضافة إلى إلغاء حجوزات الفنادق ورحلات السياح.

5– خسائر في بورصة تل أبيب: بعد يوم واحد فقط من اندلاع المعركة، تعرضت بورصة تل أبيب لخسائر قدرت بنحو أكثر من 6%؛ وذلك على خلفية انخفاض المؤشرين الرئيسيين للبورصة؛ وهما مؤشر TA–35 بنسبة تصل إلى 7%، وتراجع مؤشر البنوك بنسبة 8.7%، وسط عمليات بيع واسعة للأسهم، وفقاً لوكالة الأنباء “رويترز”. هذا وقد تراجعت أسعار الأسهم والسندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3%، وعليه أغلقت العديد من الشركات أبوابها يوم الأحد الموافق 8 أكتوبر الجاري، في اليوم الثاني لمعركة طوفان الأقصى، وهو ما ألقى بظلاله على أسهم الشرق الأوسط تزامناً مع إعلان إسرائيل الحرب على حركة حماس؛ حيث تراجعت الأسهم في عدد من دول المنطقة على إثر المخاوف من الاضطرابات الأمنية المتسعة.

6– تأثر وتيرة العمل في المصانع الإسرائيلية: نظراً إلى ارتباط كل من الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي بالآخر؛ حيث تعتمد المصانع الإسرائيلية على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما تعد إسرائيل هي الشريك التجاري الرئيسي للضفة الغربية وقطاع غزة؛ حيث يتم استيراد أكثر من نصف البضائع إلى الضفة الغربية وأكثر من ثلثي واردات غزة من إسرائيل؛ فإنه منذ أن بدأت كتائب القسام الذراع المسلحة لحركة حماس، عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023، تأثر الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع بدرجة كبيرة، في ظل تضرر عدد من المصانع التي تضم عمالة فلسطينية، وتعطل إنتاجيتها.

 

مخاطر محتملة

يبدو مع استمرار الحرب أن التداعيات الاقتصادية لن تتوقف عند ذلك فحسب؛ إذ ثمة مخاوف من تداعيات واسعة على المديين المتوسط والبعيد، ربما لن تنال الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل قد تنال دولاً أخرى، وهو ما يتضح من خلال ما يأتي:

1– مخاوف من تأثر قطاع الغاز الإسرائيلي: ثمة مخاوف في الداخل الإسرائيلي من امتداد تداعيات الحرب لتُهدد قطاع الغاز الإسرائيلي؛ وذلك على خلفية استهداف الهجمات البنية التحتية، سواء خط تصدير الغاز أو المحطات، وهو ما من شأنه أن يلحق الضرر بالقطاع بأكمله إذا استمرت عملية استهدافه. وتكمن خطورة ذلك بالنسبة إلى إسرائيل، في الأهمية التي يتمتع بها الغاز باعتبارهم أحد أهم قطاعات اقتصادها خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث بلغت صادرات إسرائيل من الغاز نحو 9.21 مليار متر مكعب إلى مصر والأردن في عام 2022، بحسب بيانات الحكومة الإسرائيلية.

وبحسب تقرير أعدته شركة “بي دي أو” للاستشارات في يونيو 2023، فإن احتياطيات الغاز الطبيعي في إسرائيل قد قفزت بنحو 40% خلال العقد الماضي، بفعل زيادة أنشطة الحفر والتنقيب من 780 مليار متر مكعب عام 2012 إلى 1.087 مليار متر مكعب نهاية عام 2022. ومن ثم، فإن أي إضرار بذلك القطاع يمكن أن يضيع مكتسبات إسرائيل فيه على مدار السنوات الماضية.

2– احتمال تضرر قطاع السياحة: وإن كان قطاع الغاز الإسرائيلي من المتوقع أن يكون الخاسر الأكبر من الحرب، فإنه لن يكون الوحيد. ولعل أكثر القطاعات الأخرى حساسية للمجريات الراهنة هو قطاع السياحة، انطلاقاً من اعتماد تلك الصناعة في الأساس على حالة الاستقرار الأمني؛ فإذا استمرت القلاقل الأمنية، فإن عمليات إجلاء الدول لمواطنيها ورعاياها وسائحيها من إسرائيل ستظل في ازدياد، وفي المقابل ستخسر إسرائيل إيرادات ضخمة كان تتأتى لها من ذلك القطاع الحيوي.

3– مخاطر إصابة قطاع التصنيع بالشلل: انطلاقاً من كون نحو 18% من الناتج الصناعي في إسرائيل يأتي من منطقة عسقلان، ونحو 25% من منطقة بئر السبع، وهما منطقتان تتعرضان فعلياً لقصف مباشر من حركة حماس، فإنه إذا استمر استهداف تلك المناطق، فسيكون لذلك تبعاته الكبيرة على قطاع التصنيع في إسرائيل على المديَين القريب والمتوسط.

4– احتمالية خفض “موديز” التصنيف الائتماني لإسرائيل: من المتوقع خلال أيام أن تجتمع وكالة موديز للتصنيف الائتماني لتحديد التصنيف الائتماني لإسرائيل، وتقرير إذا ما كانت الوكالة ستخفض تصنيف إسرائيل الائتماني أم لا، كإجراء يرمي إلى القيام بتحديث حول مستوى المخاطرة في الاقتصاد الإسرائيلي، في ضوء التوترات الأمنية الحالية. ولعل شأن خفض التصنيف الائتماني أن يزيد حجم التكلفة التي تتحملها إسرائيل لزيادة الديون، وهو ما يحمل العديد من المخاطر، خاصةً إذا تحقق سيناريو حرب طويلة الأمد وواسعة النطاق؛ إذ من الممكن أن يضر بالاستثمارات الأجنبية في إسرائيل ويدفع نحو هربها، بما ينعكس بشكل مباشر على وضع الاقتصاد الإسرائيلي.

5– الدفع نحو رسم مسار جديد للموازنة الإسرائيلية: من المحتمل، في ظل اشتداد وطأة الحرب، أن تضطر وزارة المالية الإسرائيلية إلى رسم مسار جديد وإعادة النظر في موازنة 2024؛ إذ يرجح أن تنخفض فيه الإيرادات بشكل كبير بفعل الشلل الذي تعاني منه المنطقة الجنوبية، والانخفاض المتوقع في الاستهلاك في الاقتصاد بأكمله. ومن ناحية أخرى، من المرجح بقوة أن ترتفع النفقات كثيراً، وهو الأمر الذي بدت مؤشراته فعلياً، على خلفية إجراء وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” تقييماً أولياً مع جميع كبار المسؤولين في الوزارة يوم 8 أكتوبر الجاري، وهو التقييم الذي تضمن مناقشات حول إدارةميزانية الدفاع، وآليات تعويض المصابين، واحتياجات مختلف قطاعات الاقتصاد أثناء القتال.

6– التوسع المحتمل في النفقات العسكرية على حساب الاقتصاد: تنقسم التكلفة المباشرة للحرب بين نفقات عسكرية ودفع رواتب الاحتياط وتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات، بعد خصم الحكومة فعلياً نحو مليارَي شيكل من صندوق التعويضات لاحتياجات الائتلاف؛ هذا بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد نتيجة فقدان أيام العمل أو تباطؤ النشاط الاقتصادي. وتزداد صعوبة الموقف في حالة استمرار الحرب فترة طويلة، وما يترتب عليها من انخفاض كبير في الإيرادات مقابل التكاليف، من جراء انخفاض الاستهلاك والأضرار المتتابعة التي تلحق بالاقتصاد على نحو واسع. وفي تلك الحالة، قد تضطر وزارة المالية إلى توسيع الميزانية باللجوء إلى الاحتياطات التي تحتفظ بها وزارة المالية، بما في ذلك موازنات جميع الوزارات الحكومية.

7– إمكانية عرقلة “الممر الاقتصادي” بين الهند وأوروبا: من المحتمل بقوة أن يتأثر قطاع النقل الجوي والبحري، الذي يحظى بأهمية حيوية واسع بالنسبة إلى السياحة والتجارة الإسرائيليتين من جراء الهجمات، بما يدفع نحو توقف فكرة إنشاء ممر اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مشروع يتكون من ممرين مستقلين للتنمية؛ أحدهما هو الممر الشرقي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط، والممر الشمالي الذي يربط الشرق الأوسط بأوروبا، وهي الفكرة التي تم توقيع مذكرة تفاهم بشأنها خلال قمة العشرين في شهر سبتمبر الماضي، بما يدفع نحو التفكير في الإبقاء على المشروع حبيس الأوراق؛ نظراً إلى كونه من المقرر أن يمر المشروع بإسرائيل. ولعل الحرب الدائرة حالياً تعزز المخاوف بشأن احتمالية تعرض المشروع المار بإسرائيل لقصف وهجمات مسلحة من قبل عدد من الجماعات المسلحة في المنطقة، وعلى رأسها حركة حماس وحزب الله في لبنان، بما يهدد استقرار المشروع بأكمله، ومن ثم الإضرار بمصالح الدول الشريكة في المشروع.

8– تراجع محتمل في معدل النمو الاقتصادي: في حين نما الاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 15% في الفترة 2022–2021، بمتوسط معدل 7.5% سنوياً، فإن معدل النمو يتراجع حالياً إلى 3%. وتشير التوقعات إلى اتجاه تنازلي في ظل المتغيرات الراهنة، بما يجعل النمو الذي شهدته إسرائيل خلال العام الجاري بمنزلة نهاية للنمو السريع الذي عاشته خلال العامين الماضيين.

 

عاصفة شاملة

إجمالاً، ذهبت دراسة اقتصادية حديثة أجراها بنك إسرائيل، إلى كون القطاع الصناعي وقطاع التكنولوجيا الفائقة اللذين يُعَدَّان المحرك الرئيسي للاقتصاد الإسرائيلي، هما الأقل حساسيةً تجاه الأحداث، غير أن الدراسة لم تتطرق إلى حجم الضرر المتوقع أن يلحق بالاقتصاد الإسرائيلي بعد الحرب، إلا أن التقديرات تشير إلى خسائر بمليارات الدولارات من جراء الإنفاق الأمني الموسع، وإغلاق العديد من الشركات في الجنوب الإسرائيلي ومناطق واسعة من إسرائيل لأمد غير معلوم، وهروب رأس المال الأجنبي وإعاقة فرص الشراكات وإقامة تحالفات مع دول أخرى، والإضرار بالاستثمارات الأجنبية عامة.

ومن منظور الاقتصاد الكلي، تهدد الحرب الأخيرة الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي بطريقة ربما لم تشهدها إسرائيل منذ حرب أكتوبر عام 1973، في ظل تغير دورة الأعمال في إسرائيل خلال الوقت الراهن، من الازدهار إلى الركود؛ حيث يُظهر التحليل المتعمق لواقع الاقتصاد الإسرائيلي، توقف محركات النمو الرئيسية بالنسبة إليه، بما في ذلك الاستهلاك الخاص والاستثمار، علاوة على انحدار الإيرادات الضريبية بشكل كبير، تزامناً مع ارتفاع العجز على نحو موسع، بما يهدد بانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بالتبعية.

في حين يتمثل القلق داخل الأسواق في الوقت الحالي في احتمال حدوث “عاصفة شاملة”، نتيجة مزيج من الوضع الأمني الجيوسياسي والخلاف الاجتماعي والسياسي في إسرائيل، بما يدفع نحو مزيد من انخفاض قيمة الشيكل، وارتفاع حدة المخاطر الاقتصادية في إسرائيل في ظل اتساع العجز المالي شهرياً، بما يضع الحكومة الإسرائيلي أمام وضع اقتصادي كارثي لا يترك لها أي مجال للمرونة المالية، خاصةً إذا طال أمد الحرب، وهو ما من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي، بل الإضرار بالاستثمارات الأجنبية الضخمة هناك.

شارك الخبر: