تشن إسرائيل منذ يوم السبت، السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، هجمات على قطاع غزة هي الأشرس على الإطلاق في تاريخها الممتد على مدار 75 عاما من الصراع مع الفلسطينيين.
ويأتي ذلك في إطار الرد على عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس وفصائل مسلحة من قطاع غزة المحاصَر في الساعات الأولى من صباح يوم السبت نفسه، تاركة الإسرائيليين في "حالة من الرعب" على حدّ وصف مجلة الإيكونوميست البريطانية.
وتشير التقارير الواردة إلى تكثيف إسرائيل استعداداتها لعمل اجتياح بريّ لغزة؛ حيث تصطف المدرعات الإسرائيلية على نقاط حدودية مع القطاع المحاصَر تأهُّباً للانقضاض عليه.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصدر أمني إسرائيلي القول إن "الهجوم البري بات الآن حتميا"، وذلك بالتزامن مع تصريحات أدلى بها وزير الدفاع يوآف غالانت بأن "الهجوم من الأرض سيأتي لاحقا" في أعقاب الغارات الجوية على القطاع.
وفي حال أقدمت القيادة الإسرائيلية على اتخاذ قرار هذا الاجتياح البريّ، فلن يكون أمام سكان غزة من المدنيين سوى الفرار باتجاه الحدود المصرية ومعبر رفح.
يمثّل معبر رفح المنفذ الرئيسي والوحيد المتبقي للغزيّين على العالم الخارجي، لا سيما بعد أن أغلقت السلطات الإسرائيلية جميع المنافذ الستة بين قطاع غزة وجنوبي إسرائيل إثر إعلان حركة حماس -التي تسيطر على القطاع- عن بدء عملية طوفان الأقصى فجر يوم السبت الماضي.
ويعيش على قطاع غزة نحو 2,3 مليون نسمة، يحيط بهم البحر وإسرائيل ومصر.
وتسيطر إسرائيل على المجال الجوي لغزة وعلى ساحلها البحري، فيما تتحكم السلطات المصرية في حركة معبر رفح المؤدي إلى القطاع.
وأشار الخبير الأمني والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، لواء متقاعد أحمد كامل، إلى أن اتفاق أوسلو المبرَم في عام 1993 تضمّن جزءا خاصا بتشغيل معبر رفح، ولم تكن مصر بين الأطراف الموقّعة على تشغيل المعبر والتي شملت كلا من الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية (في القطاع) وإسرائيل.
ثم قامت إسرائيل بعد ذلك بإلغاء هذه الاتفاقية، وقررت أن يكون معبر كرم أبو سالم هو الطريق الوحيد لمرور أي شيء للفلسطينيين.
وبحسب ما أظهر مقطع فيديو، نشره موقع ميدل إيست مونيتور، قصف الجيش الإسرائيلي مدنيين في أثناء فرارهم من غزة باتجاه معبر رفح، كما ارتدّ موكب مساعدات مصرية كان في طريقه إلى غزة بعد تهديد إسرائيل بقصفه إذا اقترب من القطاع.
ومن المفترض، بحسب المستشار أحمد كامل، أن تتعامل مصر مع الأمم المتحدة (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا) التي من المفترض بدورها أن تنسّق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل الضغط على إسرائيل للسماح بعبور هذه المساعدات.
إضافة إلى ذلك، تسعى مصر إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بما يسمح بدخول المساعدات إلى القطاع وإجلاء الحالات الحرجة من المصابين من أجل تلقّي العلاج في مستشفيات مصرية قريبة.
وأشار كامل إلى أنه ليس من الصعب إصلاح الضرر الذي وقع جرّاء القصف الإسرائيلي للجانب الفلسطيني من المعبر.
وأكدت مصر، عبر وزير خارجيتها سامح شكري، على استمرار فتح معبر رفح من جانبها لمرور المواد الإغاثية إلى قطاع غزة في ظل ما يشهده القطاع من قصف إسرائيلي شرِس.
"تبادُل الأراضي"
تعدّ مصر أول دولة عربية وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل. وقد توسطت مصر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في الصراعات السابقة بغزة، وتعمل القاهرة الآن من أجل الحيلولة دون مزيد من التصعيد.
وحذرت مصادر مصرية رفيعة المستوى، في تصريحات لقناة القاهرة الإخبارية المحسوبة على النظام، من دفع الفلسطينيين العزل باتجاه الحدود المصرية.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن مصر لن تسمح بتسوية القضية على حساب آخرين، في إشارة إلى دفع الفلسطينيين باتجاه سيناء عبر القصف العشوائي للقطاع.
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي سكان حي الرمال، وسط غزة، إلى مغادرة منازلهم بشكل عاجل والتوجّه إلى جنوب القطاع، في إشارة ضمنية إلى الحدود المصرية.
وقال اللواء متقاعد أحمد كامل إن إسرائيل تسعى منذ زمن إلى ما يُسمى بـ "عملية تبادُل الأراضي" في إطار صفقة كبرى، مشددا على أن هذا الطرح قوبل بالرفض التام من جانب مصر وأنه أمر غير قابل للتفاوض.
وأضاف كامل لبي بي سي: "دائما نؤكد على أن قطاع غزة للفلسطينيين، لئلا تتكرر أخطاء عام 1948 من عمليات تهجير للفلسطينيين من بلادهم الأُم إلى بلاد مجاورة، حيث لا يزالون في مخيمات حتى الآن".
وتابع المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية: "إسرائيل تصدّر لنا المشكلة، مع أنها -كدولة احتلال- هي المنوطة بأمن وسلامة السكان الخاضعين لسلطة احتلالها".
وقال كامل إن "سيناريو اللجوء هو أمر مطروح، ولكن في حالات الضرورة القصوى وبأعداد بسيطة في حال حدوث اجتياح برّي لقطاع غزة وتهجير سكانه قسريا".
ونبّه كامل إلى ضرورة "أن يكون ذلك في معسكرات للاجئين على الحدود ودون الانتشار في داخل الأراضي المصرية.
"إجراءات احترازية حميدة"
وأقام الجيش المصري ستة ارتكازات عسكرية جديدة تزامنا مع تصاعد الأحداث بالأراضي الفلسطينية، وذلك في رفح والشيخ زويّد. كما سيّر الجيش دوريات لتمشيط المنطقة الحدودية، مع حالة استنفار وتأهُّب قصوى بالوحدات والنقاط العسكرية في الشريط الحدودي ومناطق جنوب رفح، طبقا لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.
ويرى اللواء كامل أن هذه "إجراءات أمنية واحترازية حميدة" لابد أن تتخذها مصر، تحسّباً لإمكانية قيام بعض عناصر المقاومة من حماس باستغلال الأنفاق ودخول العُمق المصري.
وتستخدم حماس أنفاقا تمتد لمئات الكيلومترات في غزة، وسيكون استهداف مداخل تلك الأنفاق وتفجيرها أولوية للجيش الإسرائيلي، وفقا لخبراء عسكريين.
وقال اللواء كامل لبي بي سي: "لقد عانت مصر من استغلال الأنفاق وإجراء عمليات تبادُل للسلاح وتغذية عمليات إرهابية كانت تتم على أراض مصرية عبر عناصر مسلحة كانت موجودة في شمال سيناء".
وعليه، رأى كامل أنه "إذا حدث تهجير قسري للفلسطينيين، يجب الوقوف على هويّة كل مَن يدخل إلى مصر وتحت أيّ بند يدخل وإلى أين يذهب؟".