تكتيك أم انتظار أوامر أم تهرب أم تخل عن موقف منتظر. لا أحد فهم بالضبط الرسالة التي حملها خطاب زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي حول موقف الجماعة مما يحدث في فلسطين.
تحدث زعيم الأنصار أن تدخلهم في الحرب مشروط بتدخل أمريكي مباشر، قائلا: "إذا تدخل الأمريكي بشكل مباشر لقتال الشعب الفلسطيني فنحن مستعدون للمشاركة بالقصف الصاروخي والمسيرات والخيارات العسكرية".
وعبارة "بشكل مباشر" هذه تعني رؤية الميل في المكحلة على حد وصف ناشطين. فطالما أن الميل لم يُر قد دخل المكحلة بعد، فإن خطاب زعيم الأنصار معناه أن أمريكا لم تشارك بعد، وما إرسالها حاملة الطائرات وإيصالها أول طائرة أسلحة إلى الاحتلال الإسرائيلي وخطاب الرئيس الأمريكي الذي يقول إن بلاده ستقف بكل إمكانياتها إلى جانب إسرائيل سوى أنها لم تشارك بعد بشكل مباشر وأنها بالتالي لا تقتل الفلسطينيين ولا تريد قتلهم.
لكن مراقبين يرون أن موقف أمريكا في العدوان على غزة أجلى بكثير من موقفها في العدوان على اليمن، فلماذا سميت الحرب على اليمن في أدبيات أنصار الله "عدوانا أمريكيصهيوسعوإماراتي"، بينما العدوان على غزة مازال "صهيو" فقط ولا شأن لأمريكا به؟! فهي بحسب خطاب عبد الملك الحوثي لم تتدخل بشكل مباشر، وإلا لو فعلت لكان للغة الخطاب أن تتغير.
وعلى غير عادته، لم يرفع زعيم أنصار الله سبابته عاليا كما هو عهده مع كل خطاب فيه توعد ووعيد. هذه المرة جعل سبابته مستقيمة باتجاه الشاشة. كما أن الخطاب بحد ذاته لم يكن عالي النبرة، مع أن ما يحدث في غزة من مجازر بحق المدنيين والنساء والأطفال على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي كان له أن يشعل تلك السباسبة ويجعلها ترتفع إلى أقصى مدى ممكن.
زعيم أنصار الله تحجج أيضا بأن "بعدنا عن فلسطين يمنعنا من المشاركة في عملية طوفان الأقصى ضد إسرائيل"، ربما ناسيا أنه طوال سنوات يقول بأن إسرائيل لديها قواعد عسكرية في جزر يمنية محتلة كميون وسقطرى، وأن أبعد قاعدة من تلك القواعد هي على رمية حجر من صنعاء ويستطيع ضربها بكل سهولة. فعلى اعتبار أن مسيرات وصواريخ أنصار الله ضربت خريص وبقيق في المملكة العربية السعودية سيكون من السهل جدا وصولها إلى ميون أو إلى أرخبيل سقطرى، ولن يلومه أحد حينها كونها أرضا يمنية يدافع عنها.
لكن ذلك لم يحدث أن قاله في خطابه، أو حتى هدد مجرد تهديد باستهداف تلك القواعد، فهو ينتظر تدخلا أمريكيا مباشرا في العدوان على غزة حتى يتسنى لتلك الصواريخ والمسيرات أن تنطلق باتجاه إسرائيل.
زعيم الأنصار قال إنهم على تواصل مباشر وبشكل يومي مع فصائل المقاومة، وهذا يعني بطبيعة الحال أن محور المقاومة يعمل ضمن استراتيجية معينة تتلقى الأوامر من طهران، بحسب محللين.
إيران وعلى لسان أحد قادتها العسكريين لم تستح أن ترسل رسالة تهديد بأنه لو فكرت إسرائيل أو أمريكا بتوجيه ضربة لها فإنها سترد عبر أنصار الله وحزب الله وسوريا. هكذا هي الأمور بالنسبة لها وبالنسبة لتلك الأطراف أيضا.
وبالتالي موقف أنصار الله هو نفسه موقف حزب الله في لبنان بالتزام أقصى درجات التأهب لكن مع عدم مس الزناد حتى إشعار ما من طهران، بمعنى حتى تكون إيران قد نظرت مليا في أمر حاملة الطائرات الأمريكية التي وصلت مؤخرا وقيل إن الغرض من إرسالها هو إيصال رسالة تهديد لها في المقام الأول. على محور المقاومة إذن أن ينتظر أمر حاملة الطائرات تلك، ولتذهب غزة والفلسطينيون إلى الجحيم.