أدت أعمال العنف التي شهدتها إسرائيل وغزة في اليومين الماضيين إلى ظهور صور دراماتيكية للمواجهة عبر سماء المنطقة.
وقال الجيش الإسرائيلي إن 3000 صاروخ أطلق خلال اليومين الماضيين من قطاع غزة نحو الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة الى عدد من عمليات التسلل داخل الأراضي الإسرائيلية.
وسقطت ثلاثة صواريخ منها، أطلقتها كتائب القسام من قطاع غزة، على مناطق مختلفة في الضفة الغربية المحتلة.
لكن حوالي 90 في المئة من هذه الصواريخ تم اعتراضها بواسطة نظام الدفاع الصاروخي المتقدم (القبة الحديدية)، وفقا للجيش الإسرائيلي.
وصُممت القبة الحديدية خصيصا لحماية إسرائيل من مجموعة من التهديدات القادمة قصيرة المدى.
ما هي حكاية تلك القبة الحديدية؟
تعود جذور هذا النظام الدفاعي إلى الحرب التي خاضتها إسرائيل مع حزب الله اللبناني في 2006، عندما أُطلقت آلاف الصواريخ على إسرائيل، ما تسبب في أضرار جسيمة وعمليات إجلاء جماعية وخلف عشرات القتلى.
وبعد ذلك قالت إسرائيل إنها ستطور درعا دفاعيا صاروخيا جديدا.
وبالفعل أُنشأت الشركة الإسرائيلية رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة وصناعات الفضاء الإسرائيلية مع بعض الدعم الأمريكي،
وفي إبريل/نيسان من عام 2010 كشفت شركة رافائيل الإسرائيلية الحكومية المحدودة لأنظمة الدفاع المتطورة النقاب عن قيامها بتطوير نظام أطلقت عليه اسم "القبة الحديدية" ويستطيع اعتراض صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى التي أطلق حزب الله اللبناني العديد منها على إسرائيل خلال حرب عام 2006.
وقد نُشر نظام "القبة الحديدية" في صيف عام 2011 بالقرب من قطاع غزة الذي أطلقت حركة حماس منه عشرات صواريخ الكاتيوشا على إسرائيل.
ولاحقا نُشرت بطاريات أخرى منه على وجه الخصوص بالقرب من مدينتي عسقلان وأشدود، وجنوب تل أبيب وقرب مدينة نتيفوت الواقعة على مسافة 20 كيلومتراً من حدود غزة.
وتعمل القبة الحديدية عن طريق تتبع المقذوفات قصيرة المدى القادمة بواسطة رادار، ثم تحليل البيانات حول منطقة السقوط المحتملة، قبل تقييم ما إذا كان سيتم توفير إحداثيات لوحدة إطلاق الصواريخ لاعتراضها.
وقد جُهزت كل بطارية برادار كشف وتتبع، ونظام تحكم بالإطلاق و3 قاذفات كل واحدة تحمل عشرين صاروخا.
واشنطن تشتري النظام
وفي فبراير/شباط من عام 2019 أعلن الجيش الأمريكي عن خطط لشراء واختبار نظام القبة الحديدية الإسرائيلي.
وقدمت الولايات المتحدة بالفعل دعما كبيرا لتطوير وإنتاج النظام، وتأتي بعض مكوناته بالفعل من الشركات الأمريكية.
يواجه النظام الذي تطلب تطويره مليارات الدولارات انتقادات بسبب تكلفته الباهظة
وفي بيان بهذا الصدد، قال الجيش الإسرائيلي إن عملية الشراء تمت بسبب "الاحتياجات الفورية" للجيش الأمريكي.
وتعتبر القبة الحديدية من بين أنظمة الدفاع الأكثر تقدما في العالم، وتستخدم الرادار لتحديد التهديدات القادمة وتدميرها قبل أن تتسبب في أي أضرار.
وقد صُمم النظام، الذي يتناسب مع جميع الأحوال الجوية، خصيصا للتصدي لكافة الأسلحة البدائية قصيرة المدى مثل تلك الصواريخ التي تُطلق من غزة.
ويذكر أن هذا النظام، الذي تطلب تطويره مليارات الدولارات، يواجه انتقادات بسبب تكلفته الباهظة.
ولكن برغم التكلفة الكبيرة، قال قادة إسرائيل في تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء في عام 2014 إن تلافي أضرار الصواريخ بفضل القبة الحديدية يخفف من حدة الضغوط الداخلية الداعية إلى تصعيد الهجوم الجوي على غزة إلى غزو بري.
وقد حذر مسؤولون إسرائيليون في عام 2014 مما أطلقوا عليه اسم "سياحة القبة الحديدية" أي اطمئنان الإسرائيليين إلى أداء النظام مما يجعلهم يتابعون اعتراض الصواريخ بدلا من البحث عن ملاجئ آمنة.
وعلى الرغم من التكلفة الباهظة لتطوير نظام القبة الحديدية، إلا أن الشركات المصنعة له تقول إنها فعالة من حيث التكلفة بسبب التكنولوجيا التي تستخدمها للتمييز بين تلك الصواريخ التي من المحتمل أن تصيب المناطق المبنية وتلك التي لن تتمكن من فعل ذلك. وتطلق الوحدات الثابتة والمتحركة للمنظومة صواريخ اعتراضية فقط لإسقاط أي شيء يتم تفسيره على أنه خطير.
"كيف تمكنت حماس من اختراق القبة عام 2021"؟
نشرت صحيفة التلغراف البريطانية تقريرا في شهر مايو/ أيار 2021 بعنوان: "كيف اخترقت حماس درع القبة الحديدية الشهير لإسرائيل" كتبه مراسلها في الشرق الأوسط كامبل ماكديارميد ومراسلها جيمس روثويل من تل أبيب.
وأشارت الصحيفة إلى تساؤلات واجهها الجيش الإسرائيلي حول ما إذا كانت القبة الحديدية بحاجة إلى تحديث، بعد مقتل خمسة مدنيين إسرائيليين في هجمات صاروخية.
وأشارت إلى أن النظام، الذي يقول مسؤولون إسرائيليون إن معدل اعتراضه يبلغ 90 في المئة، جنّب بالفعل إسرائيل خسائر فادحة في الأرواح.
لكنّ محللين إسرائيليين قالوا إن "مصادر استخباراتية كانت بدأت بالتحذير منذ بعض الوقت" من أن حركة حماس حسنت بشكل كبير أسلحتها لدرجة أنها قد "تخترق درع القبة الحديدية" بحسب الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة جيروزاليم بوست، يونا جيريمي بوب، قوله إن "القبة الحديدية كانت تعاني دائماً من نقاط ضعف"، في إشارة إلى معدل نجاح النظام. لكنه أكد أن ذلك لا يعني أن القبة الحديدية لم تعد فعالة.
وقال العميد الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي إن القبة الحديدية تعمل على النحو المنشود: "تم تصميم النظام لأحداث أكبر بكثير". وأضاف: "يمكن للقبة الحديدية التعامل مع حجم هائل من الصواريخ".
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي جوناثان كونريكوس "كان من الممكن أن يكون عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين أكبر بكثير لولا نظام القبة الحديدية الإسرائيلي".
وقال ستيفن واغنر، وهو محاضر في الأمن الدولي في جامعة برونيل في لندن، للصحيفة: "رغم أن أداء القبة الحديدية الإسرائيلية ملفت لكن يجب أن يكون ذلك أيضاً تذكيراً صارخاً بعدم تكافؤ هذا الصراع". وأضاف: "ذخيرة حماس بسيطة ورخيصة ويمكن أن تخترق من حين لآخر نظاماً دفاعياً أنفق عليه مئات ملايين الدولارات بتمويل من الولايات المتحدة".
وأشارت الصحيفة الى أن العدد الهائل من الصواريخ التي في أيدي المقاتلين الفلسطينيين، والتي تم إنتاجها ببضع مئات من الدولارات لكل منها، يمكن أن تشكل تهديداً على القبة الحديدية، حيث تبلغ تكلفة كل صاروخ اعتراض نحو 50 ألف دولار، وفقاً للجيش الإسرائيلي.
ومع ذلك، تقول إسرائيل إنّ "نظامها الدفاعي المكلف يستحق كل قرش انفق عليه" بحسب الصحيفة.
"اختراق صيني"
وفي يوليو/تموز من عام 2014 اطلعت بي بي سي على أدلة يبدو أنها تؤكد أن قراصنة الكترونيين تمكنوا من الاستيلاء على عدة وثائق عسكرية سرية من شركتين حكوميتين إسرائيليتين طورتا "القبة الحديدية". وأعلن عن تلك الخروقات للمرة الأولى على مدونة براين كريبس لشؤون الأمن. ونفت الشركتان أن تكون الشبكات الخاصة بهما قد تعرضت للاختراق.
غير أن الفريق الذي اكتشف الاختراق مكن بي بي سي من الاطلاع على تقرير استخباراتي يشير إلى أن مئات الملفات قد نسخت.