• الساعة الآن 06:12 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

كيف يؤثر تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا على مسار الحرب مع روسيا؟

news-details

 

 

على الرغم من تتابع التطورات والأحداث المرتبطة بالحرب الأوكرانية، فإن جميع المؤشرات ترجح استمرار الحرب ودخولها عامها الثاني؛ حيث لم يتمكن أي طرف من حسم المعركة حتى هذه اللحظة. ومن المثير للانتباه النظر إلى الموقف الغربي من هذه الحرب وتبايناته؛ فعلى الرغم من مسارعة الدول الغربية (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) إلى شجب العملية العسكرية التي تقودها موسكو ضد كييف، وتقديمهم الكثير من الدعم المادي والمعنوي على مدار الفترة الماضية، فإن طول أمد الحرب أفضى إلى دخول متغيرات جديدة في مشهد الحرب، وتزايدت الشكوك حول مدى تماسك الموقف الغربي الداعم لكييف، وبدا أن الجبهة الغربية لا تتبنى موقفاً موحداً مؤازراً لأوكرانيا كما هو يبدو ظاهرياً، كما أن الكثير من هذه الدول بدأت تقلل دعمها المقدم للجانب الأوكراني.

 

مؤشرات التراجع

برزت عدد من المؤشرات التي تؤكد – ولو بصورة محدودة – تراجع الدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا في حربها مع روسيا. وتتمثل أبرز هذه المؤشرات في الآتي:

1- خلاف جمهوري ديمقراطي حول الدعم الأمريكي لأوكرانيا: أظهرت إدارة “بايدن” دعمها الكبير للجانب الأوكراني منذ اللحظات الأولى للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كما قادت العديد من الجهود الدولية الرامية إلى عزل موسكو عن الساحة الدولية، وفرضت حزمات متتالية من العقوبات التي استهدفت إضعاف قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا، كما استضافت الرئيس الأوكراني مرتين على أراضيها، وجعلت القضية الأوكرانية على قمة أجندتها الخارجية.

وبالرغم من ذلك، أظهر الداخل السياسي الأمريكي وجود خلافات وشكوك حول استمرار تقديم الولايات المتحدة لدعمها غير المحدود لأوكرانيا في حربها الحالية، وقد تجلى هذا الأمر في مشروع القانون الذي تم تمريره من قبل الكونجرس الأمريكي لتوفير الدعم المالي اللازم للحكومة، ومنعها من الدخول في حالة الإغلاق؛ حيث لم يتضمن المشروع في أي من نصوصه فقرات مخصصة لاستمرار تقديم الدعم الأمريكي للجانب الأوكراني. وقد برر الجمهوريون هذا الموقف بالقول إن أمن الحدود الأمريكية يمثل أولوية تتجاوز في أهميتها الدفاع عن الحدود الأوكرانية؛ وذلك في إشارة إلى أزمة المهاجرين غير الشرعيين التي تصاعدت بصورة كبيرة خلال فترة حكم الرئيس “بايدن”؛ ولذا فإن الجمهوريين يرون أن من الأولوية بمكان رصد أموال المساعدات الأوكرانية للتعاطي مع أزمة المهاجرين غير الشرعيين.

2- تحديات تمنع الإدارة الأمريكية من الوفاء بوعودها تجاه أوكرانيا: على الرغم من تأكيد السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “كارين جان بيير” في إفادة صحفية في 1 أكتوبر الجاري، أن الولايات المتحدة سترسل حزمة مساعدات أخرى إلى أوكرانيا قريباً، وأن “بايدن” تبنى ذات الخطاب الذي يهدف إلى طمأنة الرأي العام الأوروبي، وتأكيدها للحلفاء أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن دعمها للقضية الأوكرانية، فإن المعطيات على الأرض ما زالت مقلقة؛ فعلى سبيل المثال، أرسل عدد من قادة وزارة الدفاع الأمريكية رسالة إلى الكونجرس الأمريكي يحذرون فيها من اقتراب نفاد الأموال اللازمة لاستبدال الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا؛ حيث تستند غالبية المساعدة الأمنية المقدمة إلى أوكرانيا إلى عقد إيجار للإقراض.

ويعود مفهوم الإقراض والإيجار إلى الحرب العالمية الثانية؛ حيث يمكن للولايات المتحدة بموجبه إقراض أو تأجير أنظمة أسلحتها المحلية لأي دولة يمثل أمنها أهمية خاصة للمصالح الأمريكية. وقد تم إنتاج غالبية المعدات والذخائر المرسلة إلى أوكرانيا خلال فترة التسعينيات، وهو ما يعني أن أغلبية هذه الأسلحة يجب استبدالها في النهاية، وأن إرسال هذه المعدات إلى الجيش الأوكراني ما هي إلا استراتيجية ذات شقين.

ويتمثل الشق الأول لهذه الاستراتيجية في تزويد الجانب الأوكراني بالأدوات اللازمة لمقاومة الهجوم الروسي؛ هذا بجانب الشق الثاني الذي يتمثل في التخلص من الذخائر القديمة والاستعاضة عنها بأحدث الذخائر التي ستستمر أيضاً لعدة عقود أخرى، إلا أن الشق الثاني من المعادلة لا يمكن أن يتحقق في حالة الامتناع عن رصد المزيد من الأموال لدعم جهود المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، خاصة مع استمرار العمليات العسكرية على الأرض، وعدم امتلاك كييف حالياً الأموال اللازمة التي تمكنها من تمويل عملية الإحلال هذه بصورة ذاتية عبر عقد صفقات عسكرية وعقود لاستئجار الخدمات الدفاعية مع عدد من الشركات الدفاعية الأمريكية المتخصصة في هذا الأمر.

3- تراجع الدعم الرسمي لأوكرانيا في المجر وسلوفاكيا: تزايدت ملامح تراجع الدعم لأوكرانيا في دول شرق أوروبا خلال الفترة الأخيرة، ولعل النموذج الأهم على ذلك المجر وسلوفاكيا؛ فعلى الرغم من رفض المجر استخدام روسيا القوة العسكرية ضد أوكرانيا، فإنها قد أكدت أن لموسكو تخوفات أمنية منطقية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، كما رفضت نقل المعدات العسكرية إلى أوكرانيا عبر أراضيها بصورة مباشرة؛ هذا بجانب الانضمام على مضض إلى بعض العقوبات الأوروبية والأمريكية التي تهدف إلى عزل روسيا على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو الأمر الذي دفع كييف إلى إضافة بنك “OTP” المجري إلى القائمة السوداء للمؤسسات المالية المتعاونة مع روسيا.

أما عن سلوفاكيا، فقد أظهرت الدولة بجانب الرأي العام دعمها الكبير لأوكرانيا في مجابهة الهجوم الروسي على كييف، إلا أن الرأي العام والنظام السياسي بدأ يغير توجهاته تجاه القضية مدفوعاً بتخوفه من توسعات حلف الناتو في المنطقة، وانخراطه في هذه الحرب بصورة أو بأخرى. وقد ظهر هذا الأمر بصورة جلية مع فوز الحزب الديمقراطي الاجتماعي الموالي لروسيا في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في نهاية سبتمبر، وتعهد المكلف بتشكيل الحكومة “روبرت فيكو” “بعدم إرسال خرطوشة واحدة إلى أوكرانيا المجاورة”، وإحباط طموحات كييف للانضمام إلى حلف الناتو.

4- شكوك داخلية بالتشكيك من جدوى دعم أوكرانيا: التشيك بدورها قد سارعت إلى تقديم الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا؛ حيث تسلمت كييف أول شحنة من المساعدات العسكرية من التشيك. كما استقبلت قرابة مليوني لاجئ أوكراني، وتعهدت بتقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، مستغلة في ذلك دعم الرأي العام الكبير للقضية الأوكرانية؛ لمعاناتهم سابقاً من الحكم السوفييتي ورفضهم التحركات التوسعية التي تقودها روسيا في المنطقة، بيد أن المعارضة ترفض هذا النهج، وترى أن سياسات الحكومة قد تعرض إمدادات البلاد من الطاقة للخطر، كما أنها تضغط على المجتمع عبر استقبال ملايين اللاجئين الأوكرانيين، ناهيك عن مضاعفة هذه السياسات من حالة التضخم في البلاد، واستعداء الجانب الروسي بصورة لا يحمد عقباها.

5- تفضيل النمسا تبني موقف حيادي: يعتبر معظم النمساويين الحياد جزءاً من هويتهم الوطنية، في الوقت نفسه، تعتبر البلاد نفسها جسراً بين الشرق والغرب. وعلى الرغم من إدانة الحكومة النمساوية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتصويتها لصالح جميع منظومات العقوبات الأوروبية المفروضة ضد روسيا، فإنها قد حرصت على استمرار علاقتها مع الجانب الروسي؛ ففي أبريل 2022، أصبح “كارل نهامر” أول رئيس حكومة في الاتحاد الأوروبي يقوم بزيارة رسمية إلى موسكو.

6- التحول في مسار الدعم البولندي لكييف: تسيطر حالة من الغموض على الموقف البولندي من مساعداتها العسكرية لأوكرانيا؛ فقد قالت بولندا إحدى أقوى حلفاء أوكرانيا، إنها لا تنتوي تزويد جارتها بالأسلحة. ويأتي القرار البولندي للرد على وقف أوكرانيا بعض صادراتها من الحبوب، ونشوب نزاع دبلوماسي حول هذه الصادرات بين الدول الأوروبية. وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء البولندي “ماتيوز مورافيكي” إن تركيز بلاده في الوقت الحالي ينصب على دفاعاتها الخارجية وتحديث أنظمتها الدفاعية أكثر من تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، إلا أن رئيس البلاد قد عاد في وقت لاحق للقول إن تصريحات رئيس الوزراء قد أسيء فهمها، مع تأكيد أن الأسلحة البولندية الجديدة فقط هي التي لن يتم إرسالها إلى أوكرانيا.

 

تبعات محتملة

يمكن أن يؤدي تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا إلى عدد من التبعات، التي يتمثل أبرزها في الآتي:

1- تضاعف فرص خسارة أوكرانيا الحرب مع روسيا: بدون دعم غربي، ستواجه أوكرانيا العديد من المعضلات. ويتمثل أبرزها في استمرار امتلاك كييف العتاد العسكري والأدوات الاستخباراتية اللازمة لإحراز أي تقدم في الحرب القائمة؛ فإذا ما طالبت الدول الغربية بثمن مادي مدفوع أو ضمانات عينية لاستمرار تقديم هذه المساعدات إلى كييف، أو في حالة تراجع عدد من الدول عن تقديم هذه المساعدات، ستفقد أوكرانيا القوة الضاربة التي تمثل مصدر الدعم الرئيسي لها في الحرب الحالية.

فقد قضى الجنود الأوكرانيون وقتاً طويلاً للتدريب على كيفية استخدام المعدات الغربية، كما استفادت قيادات الدفاع الأوكرانية من المعلومات الاستخباراتية التي شاركتها معهم الأجهزة الاستخباراتية الغربية، خاصة في مجال العمليات النوعية واستهداف القوات الروسية؛ هذا بالإضافة إلى استمرار اعتماد كييف على الوصول إلى الإنترنت في ساحة المعركة عبر الأقمار الصناعية “Starlink”، وهي التكنولوجيا التي قدمها رجل الأعمال المقيم في الولايات المتحدة “إيلون ماسك” مجاناً لفترة من الوقت، التي قرر البنتاجون مؤخراً تحمل تكلفة تقديمها لأوكرانيا. وإذا ما قامت أوروبا أو الولايات المتحدة – أو كلتاهما – بوقف الدعم المقدم لأوكرانيا، فإن هذا الأمر سيعني إضعاف موقف أوكرانيا في الحرب.

2- تحقيق روسيا نصراً معنوياً على دول المعسكر الغربي: تتمثل المعضلة الأخرى في إنهاء أو تراجع الدول الغربية عن دعمها لكييف إلى ما وراء أوكرانيا؛ حيث يرتبط ويتشابك كل من الدعم الغربي لأوكرانيا والتصور الذاتي الروسي لمكانتها العالمية والإقليمية في القارة الأوروبية؛ إذ لم يكن التدخل العسكري لـ”بوتين” في أوكرانيا مجرد رهان على سقوط أوكرانيا، وأن روسيا يمكنها بعد ذلك السيطرة على البلاد أو تقسيمها، بل كان رهاناً أيضاً على الغرب وخاصة الولايات المتحدة، التي أنهت قبل أشهر من الحرب، حروبها الخارجية اللانهائية؛ وذلك عبر قرارها سحب قواتها بالكامل من الأراضي الأفغانية.

وقد أضعف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من الصورة الذهنية للهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية والعالمية، وبدا كأنه بمنزلة هزيمة خارجية جديدة للولايات المتحدة. وفي حالة تخلي الولايات المتحدة، ودول حلف الناتو عن دعمهم لأوكرانيا، فقد يعتبر الكرملين الحرب انتصاراً استراتيجياً، حتى لو ظلت روسيا غارقة في الصراع في أوكرانيا، وقد يُنظر إلى هذه الخطوة على المستوى العالمي باعتباره انتصاراً لموسكو على واشنطن.

3- تصاعد حالة عدم الثقة بين واشنطن وشركائها غير الغربيين: تخلي واشنطن عن دعم أوكرانيا، خاصة مع تصاعد الخطاب السياسي – لا سيما في أوساط الحزب الجمهوري – الرافض لرصد ملايين الدولارات لحماية الحدود الأوكرانية، سيؤكد المقولة القائلة بأن الولايات المتحدة دائماً ما تتخلى عن حلفائها، ولا تفي بوعودها. ومن شأن هذا الأمر أن يدق ناقوس الخطر القائم بالفعل، في عدد من الدول الحليفة للولايات المتحددة، ويدفعها إلى تنويع خياراتها الخارجية، والبحث عن حلفاء دوليين لتلبية احتياجاتها الأمنية.

4- إمكانية تزايد الانقسامات داخل المعسكر الغربي: ربما يدفع توجه بعض الدول الغربية نحو تخفيض الدعم المقدم إلى أوكرانيا إلى المزيد من الانقسامات والانشقاقات داخل المعسكر الغربي؛ فمثلاً قد لا تتقبل عدد من الدول الأوروبية بسهولة تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، كما أن بزوغ توجه رافض لتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا في شرق أوروبا ينتج المزيد من الانقسامات داخل أوروبا، وخاصةً أن عدداً من دول غرب أوروبا وبريطانيا لا تزال حريصة على مواصلة الدعم لكييف.

5- تقوية موقف المحور المناهض للغرب: تدفع مؤشرات تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا في اللحظة الراهنة نحو خلق سياق دولي مواتٍ للمحور المناهض للغرب الذي تتزعمه كل من روسيا والصين؛ ففي الوقت الذي تثار فيه تساؤلات متسارعة في الدول الغربية حول جدوى دعم كييف، سعت روسيا والصين إلى تعزيز تحالفهما خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد اندلاع حرب أوكرانيا، وتبنتا خطوات جادة لتغيير ملامح النظام الدولي الراهن، سواء اقتصادياً من خلال محاولة تحدي هيمنة الدولار على النظام الاقتصادي العالمي، أو سياسياً عبر تحفيز عدد من التكتلات البديلة للتكتلات المحسوبة على الدول الغربية.

أخيراً، تشير جميع هذه التطورات إلى حاجة أوكرانيا لتغيير استراتيجيتها الخارجية في التعاطي مع الحلفاء، وتقديم مزيد من الأدلة على أن الدعم لم يذهب هباءً، وخاصة أن الخطاب التقليدي الذي اعتمدته كييف خلال الشهور الماضية بأنها تدافع عن الدول الغربية بالكامل من خلال المواجهة مع موسكو لم يعد يلقى جاذبية لدى الكثيرين داخل الدول الغربية، في ظل اعتقادهم بأن طول أمد الحرب ومضاعفة الدعم المقدم لموسكو كان له تكلفة باهظة بالنسبة إلى الدول الغربية، سواء اقتصادية أو عسكرية أو حتى مجتمعية من خلال استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين.

شارك الخبر: