رغم نجاح أذربيجان في تحرير منطقة ناجورنو كاراباخ تماما من سيطرة أرمينيا غير المباشرة، بعد عملية عسكرية خاطفة ومركزة في 19 سبتمبر/أيلول الجاري، زاد المشهد تعقيدا، لا سيما على مستوى التحركات المستقبلية من قبل باكو (عاصمة أذربيجان) ويريفان (عاصمة أرمينيا) وحلفائهما.
وفي الوقت الذي تسبب فيه سيطرة أذربيجان الكاملة على ناجورنو كاراباخ قلاقل سياسية قد ترقى إلى محاولة انقلاب داخل أرمينيا، فإن آفاق شن عملية عسكرية أخرى من قبل أذربيجان لفتح ممر زانجيزور، الذي يربط أذربيجان بجيب ناكسيفان التابع لها عبر أرمينيا، تهدد بتوسيع الحرب ودخول الحلفاء مرحلة جديدة من تكسير العظام في أوروبا التي لا تزال تعاني من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة.
ما سبق كان خلاصة تحليل نشره موقع "ستراتفور"، في محاولة لاستشراف ملامح المستقبل بعدما حدث قبل أيام في ناجورنو كاراباخ.
زيادة قوة أذربيجان التفاوضية
ويقول التحليل إن سيطرة أذربيجان على ناجورنو كاراباخ من شأنها أن تزيد من قوتها التفاوضية في محادثات السلام مع أرمينيا، متوقعا أن تستمر باكو في التهديد باتخاذ إجراء عسكري ضد يريفان للحفاظ على نفوذها.
وحتى الآن، كانت يريفان تأمل في مقايضة التنازلات فيما يتعلق بوظيفة ممر عبور زانجيزور (الذي يربط أذربيجان وجيب ناكسيفان التابع لها عبر أرمينيا) مقابل تنازلات أذربيجانية فيما يتعلق بحقوق ووضع أرمن ناجورنو كاراباخ.
ولكن من خلال احتلال ناجورنو كاراباخ، جعلت باكو فعلياً مثل هذه الصفقة مستحيلة، مما أدى إلى إزالة النفوذ المتبقي لأرمينيا في مفاوضات السلام.
ويتوقع التحليل أيضا أن تضغط أذربيجان عسكريا على أرمينيا، مستغلة تفوقها العسكري لا سيما بعد استعادة ناجورنو كاراباخ، وتهدد بمهاجمة وفتح ممر زانجيزور بالكامل إلى ناكسيفان.
في حين من المرجح أن تسعى أرمينيا إلى مقاومة هذا التوجه القوي، فإن التهديد بمزيد من التحركات العسكرية الأذربيجانية - وما يليها من حرب واسعة النطاق - سوف يحفز أرمينيا في نهاية المطاف على قبول اتفاق سلام على أراضي أذربيجان إلى حد كبير.
وفي حديثه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 سبتمبر/أيلول الجاري، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أرمينيا أهدرت "فرصة تاريخية" لإبرام اتفاق سلام، وذكر بشكل مباشر أنه يتوقع أن تفتح أرمينيا ممر زانجيزور.
ومع ذلك، قال وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان، ردا على ذلك، إن "أرمينيا ليس لديها أي التزامات لفتح ممر زانجيزور".
وفي سيناريو منخفض الاحتمال وعالي التأثير، قد تؤدي عملية عسكرية أذربيجانية ضد الأراضي ذات السيادة الأرمينية إلى إشعال حرب واسعة النطا، كما يقول التحليل.
وقد تندلع الحرب إذا تصاعد القصف المتبادل على طول الحدود بين أرمينيا وأذربيجان بشكل كبير، أو على الأرجح إذا نفذت أذربيجان عملية عسكرية للاستيلاء على ممر زانجيزور لإنشاء رابط إقليمي مع جيب ناكسيفان التابع لها.
أذربيجان تتجنب سيناريو الحرب
ومن المرجح أن يؤدي السيناريو الأخير إلى فرض عقوبات غربية على أذربيجان وتقليص التعاون مع حكومة البلاد.
لذلك، من غير المرجح أن تسعى باكو إلى تحقيق هذا السيناريو، لأنها تريد تجنب التحديات التي يفرضها احتلال وضم منطقة دون دعم من المجتمع الدولي - ومن الأمثلة الواضحة على ذلك احتلال أرمينيا لأذربيجان في أوائل التسعينيات حتى عام 2020، والذي لم يتم الاعتراف به مطلقًا، علاوة على التحديات المستمرة التي تواجهها روسيا في تأمين أوكرانيا.
زعزعة السلطة في أرمينيا
ويلفت التحليل إلى الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت في أرمينيا عقب سيطرة أذربيجان على كامل ناجورنو كاراباخ، والتي جرى خلالها محاولة اقتحام مقر حكومة رئيس وزراء البلاد نيكول باشينيان، وكذلك وصول الاحتجاجات إلى مقر السفارة الروسية في يريفان، حيث يرى المحتجون الأرمن أن موسكو دعمت سيطرة باكو على ناجورنو كاراباخ.
ورغم ذلك، يقول التحليل إن تلك الاحتجاجات لن تستطيع الإطاحة بـ باشينيان، لأن خصومه ليس لديهم سوى القليل من البدائل السياسية الجذابة لتبرير عزله أمام الجمهور الأرمني أو استراتيجية موثوقة للتعامل مع أذربيجان.
على سبيل المثال، إذا حاول المعارضون عزله رسمياً أو عن طريق انقلاب بحجة أن البلاد يجب أن تتحرك لحماية ناجورنو كاراباخ، فإن هذا يستلزم حرباً واسعة النطاق من المرجح أن تخسرها أرمينيا.