لناحية الصورة، حقّقت القمّة بين الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين والزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون ما أرادا سماعه أو رؤيته. تمكّن كيم من أن يستقلّ سيارة الليموزين الرئاسيّة الروسيّة كما عاد إلى الأضواء الدوليّة بعد فشل اجتماعه الأخير مع الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب خلال قمّة فيتنام سنة 2019. وحظي كيم مع الوفد الرفيع الذي رافقه باستقبال روسيّ أكثر تكريماً ممّا كان عليه الأمر في القمّة الأخيرة بينهما منذ أربعة أعوام.
بالمقابل، سمع الرئيس الروسيّ إطراء كبيراً من ضيفه الذي تمنّى له دوام الصحّة وأعرب عن دعمه الكامل لـ"الصراع المقدّس" الذي تخوضه روسيا وتأسيس "جبهة ضدّ الإمبرياليّة" كما استذكر "مجد" الروس الذين كانوا قد أرسلوا "غزاة الفضاء الأوائل". لكن بعيداً من الشكليّات، يحيط الغموض بما اتّفق عليه الطرفان خلال القمّة، إذا كانا قد اتّفقا على أيّ شيء.
التكنولوجيا العسكريّة والفضائيّة
جال بوتين مع ضيفه في مركز فوستوشني كوزمودروم الفضائيّ في أقصى شرق البلاد. حين سئل بوتين عن إمكانيّة دعم روسيا لكوريا الشماليّة بتكنولوجيا الأقمار الاصطناعيّة، أجاب: "لهذا السبب أتينا إلى هنا". تحتاج بيونغ يانغ إلى تكنولوجيا الفضاء لوضع أقمار اصطناعيّة خاصّة بها في المدار وتعزيز أمنها القوميّ كما قال كيم في وقت سابق. حاولت بيونغ يانغ تحقيق هذا الهدف مرّتين سنة 2023، في 31 أيّار (مايو) و24 آب (أغسطس)، من دون أن تدرك النجاح. ورحلة روسيا هذه السنة مع المهامّ الفضائيّة لم تكن مشجّعة هي الأخرى.
مسبار "لونا-25" الذي تحطّم على القمر في 19 آب كان قد انطلق من فسوتوشني كوزمودروم نفسها. مع ذلك، إذا كانت روسيا قد خسرت جزءاً من صورتها كرائد في تكنولوجيا الفضاء بالمقارنة مع دول كبيرة أخرى، فهي تظلّ على الأرجح محطّ أنظار كيم بما أنّ دولته تواجه عزلة دوليّة شاملة. وتحتاج كوريا الشماليّة أيضاً إلى تكنولوجيا الغوّاصات النوويّة والصواريخ الباليستيّة التي تعمل بالوقود الصلب. تستطيع روسيا تأمين هذه التكنولوجيا. لكنّ الرغبة بذلك قد تصطدم ببعض الحدود، مثل احتمال خرق العقوبات التي شاركت سابقاً بفرضها على كوريا الشماليّة ضمن مجلس الأمن.
كذلك، يعتقد البعض أنّ موسكو لن تنقل تقنيّات حسّاسة بهذه السهولة إلى بيونغ يانغ. أحياناً، ذهبت السلطات إلى حدّ سجن من نقلوا بعض التقنيات أو المعلومات الحسّاسة إلى بكين. غير أنّ الأحوال ربّما تغيّرت. باتت روسيا بحاجة إلى قذائف مدفعيّة سوفياتيّة لترفد بها آلتها العسكريّة في أوكرانيا. يدرك كيم هذا الأمر، ومن المرجّح أن يكون قد راهن عليه لانتزاع بعض التنازلات الروسيّة في هذا الإطار.
نوعيّة الدعم
حتى لو كانت كوريا الشماليّة قادرة على تحويل الذخائر إلى روسيا، قد لا يساعد الدعم الكوريّ الشماليّ روسيا على قلب موازين الحرب بحسب غربيّين. تشير تقديرات إلى أنّ روسيا استهلكت نحو 11 مليون ذخيرة منذ انطلاق الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022. ويعتقد مسؤولون غربيّون أن تكون روسيا قادرة على تصنيع مليوني ذخيرة بعد نحو عامين من اليوم (ربما أكثر من الولايات المتحدة نفسها).
بحسب تقديرات بروس بينيت من "مؤسسة راند"، تملك بيونغ يانغ ذخيرة تكفيها لستة أشهر في حال اندلاع حرب إقليميّة. بالتالي، لا تستطيع كوريا الشماليّة مدّ روسيا بالكثير من الدعم العسكريّ من دون أن تضعف نفسها أمام الجنوب، بما أنّ الحرب في أوكرانيا ستمتدّ على الأرجح لعام إضافيّ على الأقلّ. وثمّة تقديرات أخرى من وزارة الدفاع الكوريّة الجنوبيّة تؤشّر إلى أنّ لدى بيونغ يانغ ملايين الذخائر بناء على وجود مخزونات ينبغي أن تكفيها ما بين شهر وثلاثة أشهر في حال اندلاع حرب.
وبالرغم من أنّ بيونغ يانغ تملك بنية تحتيّة جاهزة لتصنيع المزيد من الذخيرة، يبقى أنّها بحاجة للموادّ الخام كي تصنّعها وهي غير متوفّرة بكمّيات كبيرة لديها. بإمكان روسيا أن تعوّض هذا النقص بشكل لا يخدم آلة موسكو الحربيّة وحسب بل القاعدة الصناعيّة الكوريّة الشماليّة أيضاً. وهذه ورقة قوّة أخرى بالنسبة إلى روسيا.
في جميع الأحوال، ستشتري روسيا الوقت لا الانتصار في الحرب. من ناحية، لا تستطيع كوريا الشماليّة توفير ذخائر دقيقة التوجيه كما تفعل الولايات المتحدة والغرب مع أوكرانيا. من ناحية أخرى، حتى القذائف التقليديّة لكوريا الشماليّة تعاني من نسبة كبيرة من الأعطال. في 2010، قصفت بيونغ يانغ جزيرة يونبيونغ الكوريّة الجنوبيّة بنحو 170 قذيفة مدفعيّة. نصفها سقط في المياه، وخُمسها الذي أصاب البرّ فشِل في الانفجار. قد يكون سبب ذلك إخفاقاً في التصنيع أو التخزين، لكن في الحالتين لن تكون روسيا رابحة إلى حدّ كبير.
هل حصل الاتّفاق فعلاً؟
من ضمن الوفد المرافق، برز نائب كيم ري بيونغ شول المشمول بالعقوبات الغربيّة بسبب دوره في البرنامج الصاروخي وشقيقته كيم يو جونغ. وفي تموز، زار وزير الدفاع الروسيّ سيرغي شويغو كوريا الشماليّة وجال على معارض لأسلحتها. وتقول الاستخبارات العسكريّة الأوكرانيّة إنّ الدعم الكوريّ الشماليّ بدأ يصل إلى روسيا منذ نحو شهر ونصف. تظهر هذه المؤشّرات أنّ ملامح اتّفاق لنقل ذخائر من بيونغ يانغ إلى موسكو يمكن أن تكون موجودة فعلاً، بما أنّ القمم الرسميّة عادة ما تكون نتيجة لمفاوضات ناجحة سابقة. وعلى أيّ حال، اتّهمت الولايات المتحدة كوريا الشماليّة بنقل أسلحة إلى روسيا منذ أواخر 2022 بينما نفت روسيا هذا الادعاء.
إذا صحّت فرضيّة بدء كوريا الشماليّة نقل ذخيرة عسكريّة إلى روسيا، ربّما على قاعدة أنّ ذخيرة بعضها سيّئ أفضل من لا ذخيرة على الإطلاق، فقد يتحتّم انتظار فترة من الوقت لمعرفة ما قدّمته روسيا بالمقابل لحليفها القديم الجديد. هل اكتفى بنيل مساعدات غذائيّة وطبّيّة وطاقويّة كان بحاجة إليها خصوصاً بعد جائحة "كورونا"؟ أم أنّه حصل على تكنولوجيا عسكريّة متقدّمة؟ يبقى الاحتمال الأخير ضئيلاً.
يقول الأستاذ في "جامعة إيهوا وومانز" الكوريّة الجنوبيّة ليف-إريك إيسلي: "حتى آلة حربيّة يائسة لا تقايض درّة تاجها العسكريّة بذخائر قديمة وغبيّة".