قبيل انطلاق العام الجامعي الجديد بساعات، دخل الأكاديميون وطلاب جامعة الكويت في حالة جدلية على خلفية منع الاختلاط بين الجنسين داخل الفصول الدراسية، إذ تمسك مدير الجامعة بالإنابة الدكتور فايز منشر الظفيري بتطبيق قانون منع الاختلاط، مع وجود بعض الحالات الاستثنائية.
قرار جامعة الكويت يتماشى مع موافقة وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي الجديد في البلاد الدكتور حمد المانع الذي أعيد لمنصبه في التشكيل الحكومي الأخير، على قرار تقدم به خمسة نواب في دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الـ 17 يقضي بمنع الاختلاط في الفصول الجامعية.
من جهته، قال النائب الكويتي محمد هايف المطيري، وهو أحد النواب المطالبين منذ فترة بمنع الشعب المختلطة، إن لجنة تعزيز القيم في مجلس الأمة (البرلمان)، التي يرأسها، ناقشت في اجتماعها مع وزير التربية والتعليم العالي وعدد من الإداريين في جامعة الكويت، قضيتي منع الاختلاط والتشبه بالجنس الآخر.
المطيري أوضح أن الفصل بين الطلاب والطالبات في الجامعة ومنع الاختلاط يندرج في إطار تطبيق القانون الكويتي العائد لسنة 1996، الذي ينص على أنه "في سبيل الوصول إلى الوضع الشرعي الأمثل، تقوم الحكومة خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون بتطوير المباني القائمة، لكليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، بما يضمن منع الاختلاط بوضع أماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات، والمكتبات والأنشطة والخدمات التربوية والإدارية وجميع المرافق، على أن تلتزم عند تصميم المباني التي تستحدث المتطلبات السابقة".
وأشار البرلماني الكويتي إلى أنه تم التفاهم مع وزير التربية ومدير جامعة الكويت على إلغاء الشعب المختلطة التي تخالف القانون، سواء في كلية الحقوق أو في جميع الكليات التي تضم شعباً مختلطة، لأن القانون لا يزال سارياً.
ونوه إلى أنه قبل القانون هناك أخلاق الشعب الكويتي والشريعة الإسلامية التي وضعت معايير وضوابط للحفاظ على أخلاق الشباب في وجه الفتنة أو أي مسألة أخرى تخالف الشريعة.
تعديل تشريعي مقبل
بدورها، غردت النائبة الكويتية جنان بو شهري معترضة على القرار الوزاري القاضي بمنع الاختلاط في الجامعة، قائلة "إن التزام أبنائنا الطلاب والطالبات الجلوس في القاعات الدراسية محل اعتزاز ودليل على احترام بعضهم بعضاً وحسن تربية أسرهم الكريمة، وهذا ما انتهت له المحكمة الدستورية وأكدته في ما يتعلق بمفهوم الفصل، فأصبح قانون المنع لا قيمة تشريعية له، فأحكام المحكمة الدستورية تسمو على القوانين".
وقالت "بو شهري"، "سأتقدم الأحد المقبل بتعديل تشريعي يلغي قانون منع التعليم المشترك، وتترك الأمور التنظيمية داخل القاعات للإدارات الجامعية وهيئة التطبيقي، علاوة على طرح شعب دراسية متنوعة ما بين مشتركة ومنفصلة وفق المتطلبات التعليمية والأكاديمية وبما لا يضر مصلحة الطلاب، على أن تترك حرية الاختيار في التسجيل لهم".
اقتراح النائبة الكويتية يقضي بتعديل المادة الأولى من القانون رقم 24 لسنة 1996، في شأن تنظيم التعليم العالي بجامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم بالمدارس الخاصة، الذي أثير مع تقدم النواب خالد الطمار وحمدان العازمي وفلاح الهاجري وحمد العبيد ومحمد هايف بمنع الاختلاط في مباني الجامعة والتطبيقي والمدارس الخاصة.
واستندت مذكرة النواب الخمسة الإيضاحية للاقتراح إلى عبارات قانونية قاطعة شافية وكافية على ذلك، أي الفصل بين الطالبات والطلاب في قاعات الدراسة والمباني والمختبرات والخدمات، وكل ما يشير إليه القانون، ويعتد في ذلك بالفتوى الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمنع الاختلاط كلياً بين الجنسين في الدراسة.
جدلية بين قانونين
مما يثير الجدل حول القانون الأول القاضي بمنع الاختلاط عام 1996 وقانون الجامعات الحكومية الجديد عام 2019، أن المحكمة الدستورية في دولة الكويت كانت قد قضت بحكمها برئاسة المستشار يوسف المطاوعة عام 2015، "بأنه يكفي تخصيص أماكن في القاعة الواحدة للذكور والإناث، ما يعني فعلياً السماح للجنسين بالاختلاط في المباني والقاعات نفسها"، ثم في عام 2019 وافق مجلس الأمة الكويتي على قانون الجامعات الحكومية الجديد.
حينها أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي، هاشتاغ (لا للاختلاط في جامعاتنا)، وتصدر قائمة أكثر الهاشتاغات انتشاراً في الكويت حاصداً أكثر من 10 آلاف تغريدة عبر من خلالها المستخدمون عن امتعاضهم من القانون الجديد الذي أطاح بقانون منع الاختلاط من وجهة نظرهم "وفق وكالات عالمية".
وعلى الجانب الآخر، أيد كثيرون من النخب الكويتية إلغاء "منع الاختلاط"، معتبرين أن الاختلاط موجود في جميع الدوائر الحكومية الرسمية، متسائلين عن سبب منع الاختلاط في الجامعات الكويتية.
وفي السياق نفسه، واجه أحد أعضاء الحركة الدستورية الإسلامية الكويتية، محمد الدلال، انتقاداً لاذعاً حينها من الحركة عقب تصويته بالموافقة على قانون إلغاء "منع الاختلاط"، إذ اعتبرت الحركة أن موقفه لا يمثلها.
وأمام ذلك أقر الدلال بأن "قانون منع الاختلاط في الجامعات رقم 26 لسنة 1996، لا يزال قائماً ولم يلغ وسيطبق على قانون الجامعات الذي أقره مجلس الأمة، وغير صحيح ما يشاع خلاف ذلك"، موضحاً وجود قانون للجامعات جديد وأكثر تطوراً، مع استمرار تطبيق منع الاختلاط.
وسارع إلى كتابة مجموعة تغريدات عبر منصة إكس (تويتر سابقاً)، قال في أبرزها "كان موقفي هو الموافقة على القانون وليس صحيحاً أنه ألغى منع الاختلاط في الجامعات".
قرار وجودي
من جانبه، عارض رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس السابق في جامعة الكويت، الدكتور شملان القناعي، قرار منع الاختلاط في الجامعة لأسباب عديدة ووجيهة منها أكاديمية اجتماعية إدارية ثقافية، مضيفاً "يعد هذا القرار مشبوهاً".
وقال القناعي في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "أعتبر هذا القرار افتراض سوء نية والاشتباه في الأخلاقيات واعتبار أن الجيل الحالي من الشباب أصحاب غرائز وفطرة غير سليمة، وسبق أن نشرت على حسابي أن الأساس في الشيء الإباحة ونفترض حسن النية وتربيتنا الأسرية وعاداتنا وتقاليدنا ربتنا على احترام الآخر والأساس الاشتراك في الحياة وبعد التخرج سيكون هناك اشتراك في الحياة العملية، وأضف إلى ذلك أن هناك (سيستم) أمن متكامل يستطيع رصد أي مظاهر غير سوية".
وحول القوانين ومدنية الدستور، أوضح القناعي أن "المجتمع الكويتي مدني محافظ، الرجل والمرأة شريكان في المواطنة وفي التعاملات اليومية، والسؤال هل الاختلاط سيؤدي إلى الزنا؟"، قبل أن يجيب بأن قانون منع الاختلاط في الجامعة يقصد به الخلوة الشرعية.
وأشار إلى أن الرجل والمرأة يتعايشان في الجامعة الكويتية ضمن إطار أكاديمي، وتحكمهما أسرة وعادات وتقاليد، متحدياً أساتذة الشريعة الإسلامية بأن يكون تدريس الطالبات في الكلية حصراً على الأكاديميات الإناث، ووجه سؤالاً إلى داعمي منع الاختلاط بقوله، "ألم تختلطوا يوماً ما في عملكم أو خلال بعثاتكم الدراسية؟"
وفي ما يخص التراجع عن القرار، نبه رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس السابق، إلى "أن أي قرار يضر بالجسد الطلابي الجامعي لن يتم التراجع عنه ما لم ينطق أعضاء التدريس ومختلف الإدارات والاتحادات بذلك".
وطالب "الجمعيات المعنية التي تصمت صمت الحملان، باتخاذ الإجراءات قبل حدوث هجرة طلابية إلى الجامعات الخاصة والتعليم العالي، التي ستنال نصيبها من القرار الوزاري، لأن الغالبية الصامتة معارضة لقرار منع الاختلاط في الجامعات".
وختم "ستكون التأثيرات السلبية من هذا القرار كثيرة، ولكن هناك تأثيرات أخرى تمس الجسد الطلابي ومنها الشعب المغلقة، والتأخر في التخرج، ونقص في هيئة التدريس وجميعها ستنتهي بكلفة باهظة بالملايين على المنظومة التعليمية".
المصدر:اندبندنت عربية