بدأت دمشق بانتهاج سياسة جديدة إزاء بعض القضايا الإقليمية والدولية على خلفية إعادة تطبيع علاقاتها مع الدول العربية. ويبدو أن الملف اليمني سوف يشكل بالون اختبار لطبيعة المقاربات السياسية الجديدة التي تتبناها العاصمة السورية وخاصة أن هذا الملف يكتسب أهمية كبيرة لدى المملكة العربية السعودية التي لعبت دوراً بارزاً في إعادة دمشق إلى الحظيرة العربية حيث أمّنت الغطاء السياسي والإقليمي لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية في جدة في أيار (مايو) الماضي.
وكان مفاجئاً الإعلان عن لقاء جمع بين وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ووزير خارجية اليمن أحمد عوض بن مبارك على هامش اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في مصر يوم الأربعاء، وذلك بالرغم من أن أيّاً من الطرفين لا يعترف بشرعية الطرف الآخر وليس بين الجانبين أي علاقات دبلوماسية، بل يقف كل منهما على الطرف النقيض من الآخر في الملف اليمني حيث تدعم الحكومة السورية جماعة الحوثي التي تعتبر الخصم الألد للحكومة اليمنية وسط الانقسام الذي يشهده اليمن منذ سنوات.
وتناول اللقاء الذي تجنب الإعلام السوري الإشارة إليه، بينما نشرت وكالة "سبأ" اليمنية خبراً مقتضباً عنه، "العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها ومستجدات الأوضاع في المنطقة.
وأكد الوزيران على مكانة ومتانة العلاقات الأخوية المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين".
وجاء اللقاء في إطار التقارب الحاصل بين سوريا والدول العربية، وبعد يوم من تبادل السعودية وإيران السفراء. ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه منذ عام 2011.
ولم يجد المراقبون أي تفسير منطقي لتأطير مثل هذا اللقاء سوى أنه يمثل رأس الجليد في جهود حثيثة تبذلها بعض الدول من أجل استعادة العلاقات بين سوريا واليمن، مشيرين إلى أن مجرد حدوث اللقاء بالرغم من عدم الاهتمام الإعلامي به يمثل مؤشراً هاماً إلى أن هذه الجهود بدأت تؤتى ثمارها، متوقعين أن ينضم اليمن قريباً إلى قافلة الدول العربية التي سارت في مسار التطبيع السياسي مع العاصمة السورية.
ولم تسجل الأوساط السياسية والإعلامية في سوريا مواقف مباشرة أو غير مباشرة من لقاء وزيري الخارجية، حتى أن صحيفة "الوطن" السورية التي غطت نشاط المقداد في مصر لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى خبر اللقاء وكذلك فعلت وكالة "سانا"، وهو ما اعتبره بعض المراقبين رغبة سورية في عدم الإخلال بالتوازن في علاقاتها مع الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية وبالأخص إيران وجماعة الحوثي.
وجاء لقاء وزيري الخارجية بعد أسبوع على اجتماع مماثل جمع بين وزير الصناعة والتجارة اليمني محمد الأشول مع نظيره السوري محمد الخليل، على هامش اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في القاهرة.
وبحث الوزيران تنشيط التجارة البينية بين البلدين عبر القطاع الخاص والمؤسسة الاقتصادية، وتطرق اللقاء كذلك إلى دراسة توقيع مذكرة تفاهم تجارية بين الجانبين وإنهاء القطيعة بين البلدين في الجانب التجاري، إضافة إلى استعادة نشاط الملحقيات التجارية وإن كان بشكل مبدئي عبر التواصل، وكذا تشجيع التواصل بين الاتحادات والغرف الصناعية والتجارية بين البلدين ومراجعة كيفية إحياء مذكرات التفاهم أو الاتفاقيات القديمة.
وناقش الجانبان أيضا إمكانية إنشاء مجلس رجال أعمال يمني سوري ووضع الخطوط العريضة لمذكرة التفاهم التجارية وفتح باب الاستيراد من سوريا والزيارات المتبادلة للوفود التجارية الخاصة وتشجيع التاجر اليمني للاستثمار في سوريا، وفق الوكالة.
الحوثي
من جهة أخرى، كانت جماعة الحوثي قد أعلنت في شهر نيسان (أبريل) الماضي عن إجرائها محادثات اقتصادية مع الجانب السوري. حيث أكدت أن رئيس حكومة "الإنقاذ الوطني" التي يديرها الحوثيون، عبد العزيز صالح بن حبتور، تسلم تقريراً من وزير الثروة السمكية محمد الزبيري بشأن زيارته مؤخراً إلى إيران وسوريا، مضيفة أن الوزير عقد لقاءات مع المسؤولين في إيران وسوريا، جرى خلالها "مناقشة علاقات التعاون الثنائي في المجال السمكي وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة".
وكانت الحكومة اليمنية من الدول العربية القليلة التي عارضت عودة دمشق إلى الجامعة العربية عازيةً موقفها إلى سياسة النظام السوري إزاء الحرب في اليمن، والدعم الذي يقدمه "لجماعة الحوثي"، المرتبطة بإيران.
وكشف وزير الخارجية اليمني في نيسان (أبريل) الماضي أن بلاده “كانت من الدول العربية القليلة جدًا التي عارضت تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في العام 2011"، مضيفاً: “مع ذلك، سلم النظام السوري سفارة اليمن في دمشق لميليشيا الحوثي الإرهابية، في مخالفة لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
وعن موقف اليمن من عودة النظام إلى الجامعة العربية، أكد الوزير اليمني أن بلاده "تطرح بإلحاح معالجة هذا الأمر (السفارة وتعيين السفراء) من قبل النظام قبل إبداء موقفها النهائي".
وأشار الوزير اليمني إلى أنه "سبق للحكومة اليمنية أن طرحت ما أقدم عليه النظام بشأن مقر سفارتها في دمشق عبر قنوات عدة"، مضيفًا أن "السوريين لم يردوا على ذلك".
وكان اليمن ضمن الدول العربية التي قاطعت النظام السوري دبلوماسيًا، بعد عام 2011، فيما زادت حالة القطيعة بين البلدين بعد تدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن في آذار (مارس) 2015، بعد وقوف النظام مع "الحوثيين"، وإقامته علاقة دبلوماسية مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيون)، التي عيّنت سفيرًا لليمن في دمشق، في آذار 2016.
وعينت "جماعة الحوثي"القيادي في حزب "البعث اليمني" (جناح سوريا)، نايف أحمد القانص، سفيرًا لها بدمشق، الذي شغل منصب نائب رئيس "للجنة الثورية العليا".
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أعلنت "جماعة الحوثي" تعيين الإعلامي عبدالله علي صبري، سفيرًا لها في دمشق خلفًا للقانص، لترد الحكومة اليمنية بإعلانها بدء ملاحقة ثلاثة من قيادات من "الحوثي" تتهمهم بـ"انتحال صفات دبلوماسية في إيران وسوريا"، منهم السفيران السابقان.
وقالت الخارجية اليمنية في بيان حينها، إن "السلطة القضائية شرعت في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإصدار مذكرات اعتقال قهرية ضد الثلاثة المذكورين عبر (الإنتربول)".
ولا يستبعد مراقبون سوريون أن تكون المملكة العربية السعودية هي من تقود جهود استعادة العلاقة بين سوريا واليمن رغبة منها في إعادة ترتيب أوراق الملف اليمني على ضوء التقارب بين الرياض وطهران، مشيرين إلى أن التقارب بين حكومتي البلدين سوف يؤدي بشكل أو بآخر إلى إضعاف موقف الحوثيين لأنه يحرمهم من دعم ثاني دولة تعترف بشرعيتهم بعد إيران.