اتخذت الولايات المتحدة منعطفًا تصالحيًا، وتوسطت في صفقة تبادل السجناء مع إيران وأطلقت سراح المليارات من الأصول المجمدة، وهي الصفقة التي لا تساعد في إعادة تأهيل صورة أمريكا الضعيفة عسكريا في الشرق الأوسط.
وعززت الولايات المتحدة وجودها البحري في الخليج العربي والبحر الأحمر، ويعمل الآن 3000 جندي إضافي على حماية حركة الملاحة البحرية، في وقت تشير معلومات تراكمية إلى أن المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة على طول الحدود العراقية السورية أصبحت خطة عمل حقيقية.
ويطرح موقع "ذا هيل" في تقرير، هذا الانقسام، متسائلا: "هل تستعرض إدارة بايدن عضلاتها حقا؟، أم أن هذه مجرد استراتيجية علاقات عامة لمواجهة المظاهر السلبية لصفقة المبادلة مع إيران؟".
ويقول التقرير: "أحد الأسباب المحتملة لزيادة المشاركة الأمريكية هو تورط الصين العميق في المنطقة، وبينما بدا أن الولايات المتحدة مترددة في التزامها بمواجهة التهديد الإيراني، شعر حلفاء مثل السعودية والإمارات بخيبة أمل متزايدة إزاء سياسة الاحتواء التي تنتهجها الإدارة الأمريكية".
ويضيف: "بينما أصبحت القوى الإقليمية محبطة ومتشككة على نحو متزايد بشأن موثوقية حليفتها الأمريكية، نشأ فراغ في السلطة، حتى أن الصين أدركت بطموحاتها العالمية الواسعة، هذه الفجوة، فتدخلت بسرعة لتعميق بصمتها الإقليمية".
وإذا كانت الولايات المتحدة تتخذ إجراءات قوية حقًا، وليس فقط المواقف، فإن الخطوة الأبرز هي خطتها لإنشاء منطقة عازلة بين العراق وسوريا.
ولتحقيق طموحاتها في الهيمنة، رسخت إيران نفسها استراتيجيًا في العراق وسوريا ولبنان، وتسعى جاهدة لإنشاء ممر بري مستمر من حدودها إلى البحر الأبيض المتوسط.
وفي العراق، تؤثر الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بشكل كبير على سياسة بغداد، وتسيطر هذه الميليشيات على معبر البوكمال/القائم الحدودي بين العراق وسوريا.
وتسمح هذه الهيمنة لإيران بنقل الأسلحة والمقاتلين من العراق إلى سوريا.
وعلى الجانب السوري من هذه الحدود، أنشأت إيران مجمع الإمام علي العسكري لقسم اللوجستيات والأسلحة.
ساعدت الميليشيات الشيعية التي أنشأتها إيران والتي تسيطر عليها من أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان وغيرها، إيران، على السيطرة على شرق وغرب وجنوب غرب سوريا.
وبالانتقال إلى الحافة الغربية للممر، تسيطر إيران عبر وكيلها الأقوى "حزب الله"، بشكل كامل على "الحدود" السورية اللبنانية، والتي في الواقع غير موجودة على الإطلاق.
ومسلحاً بأسلحة إيرانية وممولاً من طهران، استولى حزب الله بالقوة على النظامين السياسي والاقتصادي في لبنان، محولاً البلاد إلى امتداد لإيران، وفق التقرير.
ويعد المعبر الحدودي العراقي السوري عنصرًا حاسمًا في الممر الذي تسيطر عليه إيران.
ومن شأن المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة عند هذا المعبر أن تعرض أهداف إيران للخطر.
كما أن لدى الولايات المتحدة أصولا وقوات في 3 مناطق استراتيجية قريبة، ولديها عدة قواعد عسكرية في العراق، وأصول في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا.
كما تقع قاعدتها العسكرية "التنف" في سوريا، على مقربة من حدود المثلث العراق والأردن وسوريا.
بالنسبة لإيران، يعتبر هذا الوجود الأمريكي إهانة، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نفذ وكلاء إيران هجمات متكررة ضد هذه القواعد الأمريكية في كل من سوريا والعراق.
ومؤخرًا، وكجزء من موقفها الأكثر حزمًا، أبلغت الولايات المتحدة الحكومة العراقية بأنها سترد على الهجمات المستمرة على قواعدها، من خلال استهداف الميليشيات وقادتها.
تمثل إيران ووكلاؤها التهديد الأكثر خطورة لإسرائيل، وتعتمد خطة المعركة الإيرانية للقضاء على إسرائيل على إنشاء وترسيخ شبكة ضخمة من الجيوش الوكيلة بمئات الآلاف من الصواريخ والقذائف الصاروخية والطائرات بدون طيار الهجومية، الأمر الذي سيخلق حلقة من النار حول عنق إسرائيل من ثلاثة اتجاهات – غزة، والضفة، ولبنان وسوريا.
يأتي ذلك في وقت يشكل الممر البري الإيراني حجر الزاوية في الخطة الإيرانية.
وتعمل إسرائيل باستمرار على إحباط خطة حلقة النار الإيرانية من خلال هجمات دقيقة على مستودعات الأسلحة ومخزونات الصواريخ، ونظام مضاد للطائرات تحاول إيران إقامته في سوريا، وبالقرب من الحدود العراقية السورية.
ويعد إنشاء منطقة عازلة تحت سيطرة الولايات المتحدة على طول الحدود السورية العراقية طبقة مهمة أخرى في الجهود المبذولة لإحباط خطة إيران، حتى بات إحباط هذا الهدف يصب في المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة، لأنه سيقلل من خطر نشوب حرب واسعة بين إسرائيل وإيران ووكلائها.
وفي ظل الرقصة المعقدة للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، تحمل خطوات أمريكا المقبلة الوعد والمخاطر، وفق تقرير "ذا هيل".
فمن ناحية، من خلال اتخاذ موقف أكثر حزما، ستعيد الولايات المتحدة تأكيد التزامها تجاه حلفائها الإقليميين، وإظهار نفوذها غير المنقوص في الشرق الأوسط، وربما ردع العدوان الإيراني.
ومن ناحية أخرى، قد يؤدي مثل هذا الحزم إلى تأجيج نيران الصراع مع الميليشيات المدعومة من إيران.
ويطرح هذا، السؤال حول ما إذا كان رفع القفاز الأمريكي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
تاريخياً، اعتقدت إيران أن الولايات المتحدة مترددة بشأن العمل العسكري، وكان الاستثناء الملحوظ في يناير/كانون الثاني 2020، عندما استهدفت الولايات المتحدة وقتلت اللواء قاسم سليماني، وهو شخصية رئيسية في التسلسل الهرمي العسكري الإيراني.
وبينما ردت إيران بمهاجمة قاعدة أمريكية في العراق، فإنها كانت حريصة على تجنب وقوع خسائر أمريكية.
ويشير هذا النهج الحذر إلى أن إيران تريد تجنب حرب شاملة مع الولايات المتحدة.
ومع استمرار تحرك الرمال في الشرق الأوسط، فإن إزالة قفاز واحد في بعض الأحيان قد يؤدي إلى إحباط الحاجة إلى "إزالة قفازين"، وبالتالي تجنب نتيجة أكثر كارثية.