هدى رؤوف
يطرح تحليل العلاقات المصرية- الإيرانية الأسئلة أكثر مما يقدم إجابات، ففي ظل الانفراج الإقليمي الذي تشهده المنطقة من مصالحات وتخفيف للتوترات، جاءت سياسة إيران الحالية المعروفة بدبلوماسية الجوار لتجد المناخ الإقليمي مناسباً لدفعها قدماً.
كان الاتفاق السعودي- الإيراني أهم سياق عزز ثقة إيران لتعتبر الاتفاق مدخلاً لتحسين العلاقات مع غيرها من الدول الأخرى التي تجمعها بها علاقات متوترة.
وكانت مصر من الدول التي تلقت كثيراً من الدعوات الإيرانية إلى تحسين العلاقات معها وإعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة، ومع ذلك لا توجد خطوات فعلية بين الطرفين.
تطرح هنا أسئلة كثيرة منها هل ترغب القاهرة في تحسين العلاقات مع إيران؟ لماذا التريث إذا كانت تنوي ذلك؟ لماذا تخرج التصريحات حول استعادة العلاقات بينهما من إيران ولا تقابلها تصريحات من داخل مصر؟ ما هو شكل الحوار المفترض بينهما إذا قررت مصر ذلك؟ وما المكاسب المتوقعة للطرفين؟
بتتبع العلاقات المصرية- الإيرانية نجد أن مسار العلاقات بينهما شهد تقلبات كثيرة بين الصعود والهبوط، فتتوتر ثم تتحسن تدريجاً لتعود للتوتر، وغلبت على العلاقات بينهما فترات التوتر أكثر من التحسن، وأهم المحددات التي لعبت دوراً في التأثير بالعلاقات بينهما، شكل النظام الدولي، ومن ثم طبيعة العلاقة بين القوى الإقليمية والقوى الدولية المنتظمة في الإقليم.
والعامل الآخر هو التطورات الداخلية في كل منهما التي لعبت دوراً في تغيير شكل نظام الحكم ومن ثم توجهاته وإدراكه لدوره الإقليمي والدولي، وشكل ودرجة التوافق بين أنظمة الحكم وشكل التحالفات لكل منهما ودرجة التقارب والتباعد الجغرافي، وعلى رغم التباعد الجغرافي بين البلدين، إلا أن هناك كثيراً من الملفات التي تتشابه بينهما، بحيث تمارس إيران طموحاتها نحو التمدد والتوسع في دوائر السياسة الخارجية المصرية ذاتها مثل الدائرتين العربية منطقة الخليج وسوريا ولبنان والعراق واليمن والأفريقية وأمن البحر الأحمر وباب المندب.
بتحليل الفترة الملكية التي شهدت زواج الأميرة فوزية من شاه إيران، كانت الدولتان حليفتان لبريطانيا، ومع تغيير نظام الحكم في مصر وبدء الفترة الناصرية ساءت العلاقات بينهما وتغير شكل التحالفات، فمع توتر العلاقات بين مصر والولايات المتحدة أصبحت القاهرة أقرب إلى الاتحاد السوفياتي، ومن ثم ساد العداء بين الطرفين وتبلور في قرب إيران من إسرائيل ورفض مصر حلف بغداد، وكان بينهما تنافس إقليمي على القيادة في المنطقة.
ومع مجيء محمد أنور السادات تغيّرت علاقة مصر بالقوى العظمى، إذ عمل الرئيس الراحل على تحسين العلاقات مع واشنطن وحرص على تقارب القاهرة وطهران فتحسنت علاقتهما كثيراً، إلى أن تغير نظام الحكم في إيران بعد الثورة عام 1979، فتوترت العلاقات لدرجة كبيرة، وخلال حكم الرئيس الراحل حسني مبارك اتسمت العلاقات بالثبات وفشلت محاولات التحسن لتستمر على هذا النحو لأكثر من 40 عاماً فيطرح السؤال هنا ما الذي قد يدفع مصر إلى تحسين العلاقات مع إيران وعدم استمرار نمط العلاقات بينهما كما هو؟ ولماذا تصر إيران على فتح باب للعلاقات مع مصر؟
قابلت مصر الدعوات الإيرانية إلى التقارب بالفتور وبطء الاستجابة، وقدّرت مصر الاتفاق السعودي- الإيراني معتبرة أنه خطوة مهمة على طريق تخفيف التوترات الإقليمية، وأوضحت أن الأهم هو احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وترسيخ مفاهيم حسن الجوار، فربما رأت القاهرة أن دعوات طهران في إطار دبلوماسية الجار ما هي إلا خطوات تكتيكية وليست تغييراً حقيقياً في السلوك الإيراني.
هنا يثار تساؤل جوهري حول هل يرى النظام الإيراني سياساته الإقليمية سبباً في عدم استقرار الإقليم، ومن ثم يجب على إيران اتخاذ خطوات وتدابير بناء ثقة؟ بشكل عام ستظل تقلبات العلاقة بين إيران ودول الخليج العربي من تحديات العلاقة يبن مصر وإيران، تطبيقاً لسياسة مصر المعلنة أن الأمن الخليجي جزء من الأمن العربي، كما أن مصر تستهدف تحقيق استقرار في سوريا ولبنان والعراق، وكلها دول تعاني أزمات ممتدة نتيجة التدخل الإيراني فيها، وبالتالي فإن سياسة إيران داخل تلك الدول هي تحدٍّ أمام تحسين علاقتها بمصر وحتى بدول المنطقة، فهل ستعرقل إيران أم سترحب بالتعاون العربي مع تلك الدول؟
يبدو أن التحديات كثيرة وكلها تنتظر تغيير الإدراك الإيراني لدوره الإقليمي.