• الساعة الآن 09:47 PM
  • 15℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

نايف القانص يكتب: ‏حقيقة وتناقضات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن)

news-details

 

نايف القانص

يُعدّ حزب الإصلاح أحد أكثر القوى السياسية اليمنية إثارةً للجدل، نظرًا لتقلّب مواقفه وتناقضها عبر مختلف المراحل السياسية التي مرّت بها البلاد. فمنذ قيام الوحدة اليمنية عام 1990، كان الإصلاح الحزب الوحيد الذي أعلن موقفًا معارضًا للوحدة، متذرّعًا بعدم جواز الوحدة مع “الاشتراكيين الملحدين”، كما كان الحزب الوحيد الذي عارض الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية.

ورغم معارضته للاستفتاء والدستور، شارك الحزب لاحقًا في السلطة عقب انتخابات عام 1993 تحت مظلة الدستور نفسه الذي سبق أن عارضه. وفي حرب صيف 1994، أصدر عدد من رموزه فتاوى كفّرت الجنوبيين الذين أعلنوا الانفصال، وأجازت قتالهم بوصفهم “انفصاليين”، ثم حكم البلاد بالشراكة مع المؤتمر الشعبي العام حتى عام 2001.

وبعد خلافه مع المؤتمر، انتقل حزب الإصلاح إلى التحالف مع الحزب الاشتراكي اليمني وبقية الاحزاب التي كان يعتبرها خارجة عن النهج الإسلامي عام 2002، في تحوّل سياسي لافت يعكس مرونة شديدة، بل تناقضًا واضحًا، في إدارة التحالفات، والتي على اثرها قام اللقاء المشترك، الذي استطاع العودة الى السلطة عبره في عام 2011. وفي عام 2015، شكّل الحزب كتلة برلمانية جنوبية من أعضائه، إضافة إلى منشقين عن المؤتمر، تبنّت خطاب فك الارتباط، قبل أن تتحول هذه الكتلة لاحقًا إلى موقف وحدوي عندما أصبحت جزءًا من السلطة.

واليوم، يتبنى الحزب خطابًا وحدويًا، ويتغنّى بالدفاع عن الوحدة، محمّلًا الأطراف الأخرى مسؤولية التفريط بها، وملقيًا باللوم على النظام السابق فيما آلت إليه أوضاع اليمن، رغم إدراكه لدوره المباشر في كثير من هذه التحولات. فقد أسهمت سياساته الدينية المتشددة، واستحواذه الواسع على المساجد والمدارس والمعاهد، في خلق بيئة حاضنة للتطرّف، وكان لذلك دور غير مباشر في نشوء الحركة الحوثية بوصفها فكرًا مضادًا.

كما كشفت تجربة تكتل “اللقاء المشترك”، عندما وصل إلى السلطة، عن محاولات واضحة في أخونة الدولة، ما أدى إلى فشل التجربة، ودفع بعض القوى السياسية إلى الارتماء في تحالفات خطرة، بما في ذلك التحالف مع الحوثيين، باعتبار أن “الفكر لا يُواجه إلا بفكر مقابل”، وهو خيار أثبتت الوقائع لاحقًا أنه كان كارثيًا على الدولة والمجتمع.

ومع التأكيد على أن المسؤولية لا تقع على حزب واحد فقط، وأن مختلف القوى السياسية تتحمل نصيبها من الأخطاء التي قادت إلى هذا المآل، إلا أن استمرار حالة الفشل في إدارة “الشرعية”، وتعقيد العلاقة مع التحالف العربي، يرتبطان إلى حدٍّ كبير بأداء حزب الإصلاح، الذي غلّب منطق السلطة على منطق الدولة، وأدار تحالفاته ببراغماتية مفرطة أضعفت الثقة به داخليًا وإقليميًا.

إن الإشكالية الجوهرية تكمن في غياب رؤية وطنية واضحة ومستقرة لدى الحزب، واعتماده نهجًا سياسيًا يقوم على تبديل المواقف والتحالفات وفق المصلحة الآنية لا وفق مقتضيات المشروع الوطني. وقد أسهم هذا النهج في إضعاف فكرة الدولة، وأفرز أنماطًا سلطوية متشابهة في بنيتها وسلوكها؛ تتجسّد إحداها اليوم في القوى المسيطرة على صنعاء، فيما تتمثل الأخرى، وإن اختلفت نسبيًا في الخطاب والشعارات، في قوى تفرض نفوذها في الجنوب وترفع مطلب حق تقرير المصير، في مشهد يعكس تحوّل الصراع من خلاف سياسي داخل الدولة إلى تنازع مشاريع سلطة على أنقاضها، لا إلى مشروع وطني جامع.
وفي المحصلة، يمكن القول إن الوحدة اليمنية باتت مهددة من الداخل، لكنها ما تزال محمية من الخارج بقوة القانون الدولي، وحرص الأشقاء والمجتمع الدولي على الحفاظ على كيان الدولة اليمنية، التي جرى على أساسها توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود مع الدول المجاورة، وإقرارها رسميًا في الأمم المتحدة. ويبقى الأمل معقودًا على وعي اليمنيين أنفسهم بضرورة الحفاظ على وحدتهم، والبحث عن مشروع وطني جامع يعيد بناء الدولة، ويحقق الأمن والاستقرار، ويؤسس للنظام والقانون، ويضمن المواطنة المتساوية لجميع أبنائها.

شارك الخبر: