النقّار – خاص
في جمرك الراهدة بمحافظة تعز، الذي أعادت جماعة أنصار الله (الحوثيين) الحياة إليه بعد أكثر من ربع قرن من الإغلاق، تبدو الأمور مختلّة وبعيدة عن العمل الجمركي المتعارف عليه، وفي الغالب يجد المخلِّص الجمركي نفسه أمام سمسار قبل أن يصل إلى نافذة التخليص.
هذا الجمرك، الذي كان قد أُغلق يوم إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، وأعادته الجماعة إلى العمل منتصف مايو 2018، يُدار من خارج أسواره عبر سماسرة، وما يتم في الداخل لا يتعدى اعتماد الصفقات التي تُعقد في الخارج.
وأفاد "النقّار" مصدرٌ عامل في جمرك الراهدة وآخر مطّلع، أن السيارات التي تضبطها النقاط الأمنية المنتشرة في محيط مدينة الراهدة، على اعتبار أنها تحمل بضائع غير مُجمركة، يقوم سماسرة في باحة الجمرك بمساومة سائقيها، رغم أن أغلبها تحمل مواد إغاثية قادمة من عدن، ومخصصة في الغالب للجزء الشمالي من مديرية القبيطة الخاضع لسيطرة الجماعة، والذي يقع على التماس مع مدينة الراهدة.
وأشار المصدر الجمركي إلى أن عدم خضوع السائقين لابتزاز السماسرة يؤدي إلى احتجاز السيارات وتلف ما عليها من بضائع، ما يجبر كثيراً من السائقين على الخضوع لابتزازهم ودفع مبالغ مالية مقابل السماح بإطلاقها.
ولفت المصدر المطّلع إلى أن أغلب السيارات التي تضبط في النقاط الأمنية وعلى متنها مواد اغاثية، باعتبارها متهربة من دفع الجمارك، يتم ضبطها بناءً على بلاغات من مشرفي الجماعة لاختلافهم مع المعنيين بالتوزيع في القرى، او للحصول على كميات من تلك المواد، بالتنسيق مع نافذين في الجمرك.
وكشف لـ"النقّار" ثلاثة سائقين أن الإعلان الصادر عن جمرك الراهدة نهاية يونيو الماضي، لمالكي وسائل النقل المحجوزة على ذمة مضبوطات، بالحضور لتسوية وضعها، شمل أربع سيارات نقل صغيرة ضُبطت وهي محمّلة بمواد إغاثية على طرق حيفان والقبيطة. واضطر مالكوها لدفع مبالغ مالية مقابل الإفراج عنها، رغم أن بعض المواد كانت قد تلفت بفعل الامطار والرياح، وشارف بعضها على الانتهاء.
وفي سياق آخر، أفاد "النقّار" مصدرٌ يعمل في الرقابة الجمركية بالمركز، أن عملية استيفاء الرسوم الجمركية لا تتم بموجب السندات التي تُدفع في عدن والمنافذ الجمركية التابعة للشرعية، وإنما يُعاد فرز وفحص البضائع لكثير من الشاحنات، وفي حال وُجدت زيادة يتم دفع رسومها الجمركية كاملة بنسبة 100٪، ان لم تتم التسوية عبر سماسرة.
وكشف المصدر عن عملية تواصل تتم بين موظفين في جمرك الراهدة وآخرين في منافذ جمركية تتبع الشرعية، يتم من خلالها الإبلاغ عن شاحنات معينة، موضحاً أن تلك الشاحنات تدفع رسوماً جمركية أقل من قيمة البضائع مقابل رشاوى دُفعت لمسؤولين في منافذ الشرعية. وعندما تصل، يُعاد فرزها وفحصها، وحينها تبدأ عملية المساومة حول الكمية غير المجمركة، في حال لم يتم كشف ذلك من قبل بعض موظفي الرقابة.
وفي سياق متصل، يشكو تجار من حجز بضائعهم في جمرك الراهدة لأسابيع واشهر من قبل إدارة الجمرك، رغم دفعهم الرسوم الجمركية، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار مادية كبيرة بهم.
وفي هذا الجانب، قال لـ"النقّار" تاجر في مدينة دمنة خدير إن بضاعته حُجزت لمدة 23 يوماً بعد دفع الرسوم الجمركية، ما ألحق به ضرراً كبيراً، مشيراً إلى أن البضاعة كانت كماليات خاصة بشهر رمضان الماضي، ولم يُفرج عنها إلا منتصف الشهر، رغم وصولها إلى الجمرك في شعبان، مرجعاً ذلك إلى إتاحة الفرصة لتاجر منافس مرتبط بأحد مشرفي الجماعة، فيما كان مبرر الححز أنه لم يستورد عبر ميناء الحديدة، والافراج في هذه الحالة بحاجة لتوجيهات عليا، رغم أن منافسه استورد عن طريق ميناء عدن.
وأكد لـ"النقّار" تاجر آخر في الحوبان أنه تفاجأ بحجز بضاعته المكوّنة من مواد بناء بعد دفعه الرسوم الجمركية، وظلت محجوزة قرابة الشهرين، وأثناء المراجعة يتذرعون أحياناً بإعادة الفحص، وأحياناً أخرى بصدور توجيهات بعدم إدخال مواد البناء، مشيراً إلى أن تلك العرقلة سببها تقديمه شكوى سابقة لقيادة مصلحة الجمارك بصنعاء حول وجود سماسرة في الجمرك وتدخل مشرفين في عملية التخليص.
والمثير للغرابة هو قيام مختصين في جمرك الراهدة بحجز إحدى الشاحنات على ذمة رفض السائق جمركة إطارات جديدة كان قد قام بتركيبها لشاحنته. وأفاد "النقّار" سائقون أن الابتزاز الذي تعرّض له السائق سببه خلافه مع موظف نافذ في الجمرك.
وبرّر مصدر في جمارك تعز (الحوبان) الاختلالات التي تحصل في جمرك الراهدة بأن كثيراً من المفتشين والعاملين في الرقابة الجمركية لم يخضعوا لدورات تأهيلية، وكثيراً منهم متعاقدون، لكنه في الوقت نفسه كشف لـ"النقّار" أن المتعاقدين في الجمرك تم توظيفهم بناءً على توصيات من مشرفين ونافذين.