قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء اليوم الثلاثاء إن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة "تبدأ الآن"، ودعا عبر منصته "تروث سوشيال" إلى إعادة جثث كل الرهائن المتوفين في غزة بقوله إن "المهمة لم تنجز".
في الوقت نفسه أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة بأنها لن تسمح إلا بدخول 300 شاحنة مساعدات، تمثل نصف العدد المتفق عليه، إلى قطاع غزة ابتداء من غد الأربعاء.
وجاء ضمن مذكرة اطلعت عليها "رويترز" وأكدتها المنظمة الدولية أن إسرائيل أبلغت المنظمة كذلك بأنها لن تسمح بدخول أي وقود أو غاز إلى القطاع إلا لحاجات محددة تتعلق بالبنية التحتية الإنسانية.
إلى ذلك نشرت قناة تابعة لحركة "حماس" مقطع فيديو يظهِر إعدام ثمانية رجال موثقي الأيدي ميدانياً في مدينة غزة، قدمتهم على أنهم "عملاء وخارجون عن القانون"، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
نُشر الفيديو على صفحة "تيليغرام" التابعة للقناة مساء أمس الإثنين. ولا يمكن لوكالة الصحافة الفرنسية التحقق من صحة الفيديو ولا تاريخه ولا مكان تصويره.
من جهتها طالبت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر اليوم الثلاثاء بفتح جميع المعابر إلى غزة للسماح بإدخال المساعدات الحيوية بالنسبة إلى القطاع المدمر، لكن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين أكدوا لوكالة "رويترز" أن معبر رفح في غزة سيظل مغلقاً غداً الأربعاء وسيتقلص تدفق المساعدات، مرجعين ذلك إلى عدم تسليم رفات الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس".
وأكدت الهيئتان الدوليتان أن الهدنة التي جرى التوصل إليها في غزة وفقاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تتطلب فتح المعابر للسماح بتدفق المساعدات إلى القطاع الذي يعاني المجاعة.
ميدانياً، أحكم مقاتلو "حماس" قبضتهم على غزة اليوم الثلاثاء بعدما نفذوا علناً عمليات إعدام، في تحدٍّ لإسرائيل التي أكدت أن الحرب لا يمكن أن تنتهي بموجب خطة ترمب قبل تخلي الحركة عن سلاحها.
وفي تأكيد صارخ على عودة الحركة الفلسطينية، أعدم المقاتلون رجالاً اتهموهم بالتعاون مع القوات الإسرائيلية، وظهر مقاتلو "حماس" خلال أحد مقاطع الفيديو التي جرى تداولها في وقت متأخر من أمس الإثنين، وهم يسحبون سبعة رجال إلى داخل دائرة من الناس في مدينة غزة ويجبرونهم على الركوع ثم أطلقوا النار عليهم من الخلف، وأكد مصدر من "حماس" صحة الفيديو.
وقال سكان في غزة إنهم لاحظوا اليوم زيادة أعداد المقاتلين وانتشارهم على الطرق التي يستلزم السير عليها لتوصيل المساعدات.
وتقول مصادر أمنية فلسطينية إن عشرات الأشخاص قتلوا باشتباكات بين مقاتلي "حماس" وخصومهم خلال الأيام الأخيرة.
وعلى رغم انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق الحضرية في القطاع بموجب وقف إطلاق النار الذي بدأ الأسبوع الماضي، قالت السلطات الصحية في القطاع إن خمسة أشخاص قتلوا بقصف بطائرات مسيّرة أثناء توجههم لتفقد منازلهم في أحد الأحياء بشرق مدينة غزة، وقتل شخص وجرح آخر أيضاً بغارة جوية قرب خان يونس.
واتهمت "حماس" إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار، فيما أوضح الجيش الإسرائيلي أنه أطلق النار على أشخاص اجتازوا خطوط الهدنة واقتربوا من قواته، متجاهلين نداءات بأن يعودوا أدراجهم.
"فجر تاريخي"
وتسلط ممارسة "حماس" لسلطتها من جديد في غزة واستمرار موجات العنف الضوء على وجود عقبات ضخمة أمام الجهود الرامية إلى تحويل خطة ترمب لوقف إطلاق النار إلى حل طويل الأمد للصراع.
وعلى رغم حديث الرئيس الأميركي عن "فجر تاريخي لشرق أوسط جديد" أمام الكنيست الإسرائيلي أمس، لم يجرِ التفاوض حتى الآن حول بعض من أصعب بنود خطته لحل المشكلات التي أفسدت الجهود السابقة لإنهاء الحرب.
ولا تزال القوات الإسرائيلية موجودة في معظم أنحاء قطاع غزة بعد انسحابها جزئياً منه، ولم تتحقق وعود زيادة المساعدات وتسليمها إلى سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ويواجه كثير منهم المجاعة.
وانتهت قمة شارك ترمب في استضافتها بمصر أمس من دون الإعلان عن أي تقدم يذكر باتجاه تشكيل قوة عسكرية دولية أو حكومة جديدة في غزة، ولا تزال رفات 23 رهينة في الأقل موجودة في غزة.
إزالة الأنقاض
من جانبه أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طوال الوقت أن الحرب لن تنتهي إلا بتخلي "حماس" عن سلاحها وعن إدارة غزة، وهو مطلب رفضته الحركة، مما أدى إلى نسف كل مساعي وقف الحرب السابقة.
وضعفت قوة الحركة إلى حد كبير بعد عامين من القصف الإسرائيلي العنيف والتوغلات البرية، إلا أنها بدأت تستعيد حضورها تدريجاً مع عودة المقاتلين الباقين للشوارع منذ سريان وقف إطلاق النار قبل أيام.
ونشرت الحركة التي تدير غزة منذ عام 2007، مئات العمال للبدء بإزالة الأنقاض من الطرق الرئيسة اللازمة للوصول إلى المساكن المتضررة أو المدمرة وإصلاح أنابيب المياه المكسورة.
وستكون هناك حاجة أيضاً إلى تهيئة الطرق وتوفير الأمن من أجل زيادة إيصال المساعدات، وتقول "حماس" إن مئات رجال الشرطة قتلوا على يد إسرائيل أثناء حماية طرق المساعدات خلال الحرب، وتردّ إسرائيل أنها كانت تستهدف مقاتلي الحركة.
المساعدات والرهائن
وأنهى وقف إطلاق النار حرباً مدمرة استمرت لعامين في غزة، وتحولت مساحات شاسعة من القطاع إلى أنقاض، وذكر مرصد عالمي للجوع في أغسطس (آب) الماضي أن المجاعة تحدث في القطاع.
وأفادت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تيس إنغرام بأن مساعدات تصل إلى غزة تضم الخيام والأغطية المشمعة والملابس الشتوية ومستلزمات النظافة الصحية للأسر وغيرها من المواد الضرورية، لكنها تأمل في زيادة كبيرة لتدفق المساعدات في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وفي إسرائيل، وبعد الابتهاج الذي ساد الأجواء أمس بعودة آخر 20 رهينة على قيد الحياة، انتظرت عائلات الرهائن الذين أعلن عن وفاتهم كلمة من تل أبيب حول مصير ذويهم.
وقال الجيش الإسرائيلي اليوم إنه جرى تحديد هوية الرهائن الأربع الذين سلمت "حماس" رفاتهم أمس، وذكر الجيش أن أحدهم كان طالباً من نيبال، وبذلك يصبح عدد الرهائن الذين جرى الإعلان رسمياً عن وفاتهم 23، إضافة إلى رهينة لم يتحدد مصيره بعد.
وتخشى بعض العائلات أن تضيع رفات ذويهم إلى الأبد تحت أنقاض غزة، ومن المفترض أن يساعد فريق عمل دولي خاص في العثور على الرفات التي لم تتمكن "حماس" من العثور عليها.
محاسبة مسؤولي الإبادة
وشدد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اليوم على أن اتفاق الهدنة بين إسرائيل و"حماس" ينبغي ألا يكون سبباً لـ"الإفلات من العقاب"، وعلى أن "الفاعلين الرئيسين في الإبادة الجماعية" في غزة يجب أن يحاسبوا قضائياً.
وقال سانشيز الاشتراكي خلال حديث أدلى به لإذاعة "كادينا سير" الإسبانية "السلام لا يمكن أن يعني النسيان، ولا يمكن أن يعني الإفلات من العقاب". وأضاف رداً على سؤال عن إمكان مقاضاة نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "الأشخاص الذين كانوا الفاعلين الرئيسين في الإبادة الجماعية التي ارتكبت في غزة (...) يجب أن يحاسبوا أمام القضاء، ولا يمكن تالياً أن يحصل إفلات من العقاب".
وأصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف في حق رئيس نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
إعادة الإعمار
وقال المسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جاكو سيليرز اليوم إن دولاً من بينها الولايات المتحدة وكندا ودولاً عربية وأوروبية، أعطت مؤشرات واعدة على استعدادها للمساهمة في كلفة إعادة إعمار غزة المقدرة بنحو 70 مليار دولار، مضيفاً أن الحرب التي استمرت عامين هناك خلفت أنقاضاً تعادل 13 مثلاً لأهرامات الجيزة.
وصرّح سيليرز إلى صحافيين خلال مؤتمر صحافي في جنيف بأن حرب إسرائيل على "حماس" خلفت ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض، وأن تعافي غزة بالكامل قد يستغرق عقوداً. وأردف "لقد سمعنا أخباراً إيجابية للغاية من عدد من شركائنا، بمن فيهم الشركاء الأوروبيون... (و) كندا" حول الاستعداد للمساعدة، وأشار إلى أن هناك نقاشات أيضاً مع الولايات المتحدة.
إعادة الرفات
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر اليوم إن تسليم رفات الرهائن والمعتقلين الذين سقطوا في الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" سيستغرق وقتاً، ووصفت الأمر بأنه "تحدٍّ هائل" بالنظر إلى صعوبة العثور على الرفات وسط أنقاض غزة.
وأفرجت "حماس" عن آخر الرهائن الإسرائيليين الأحياء الذين كانوا محتجزين في غزة أمس بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وأطلقت تل أبيب أيضاً معتقلين فلسطينيين، في وقت أعلن ترمب انتهاء الحرب التي استمرت عامين.
من ناحية أخرى أعلن مستشفى ناصر جنوب قطاع غزة تسلم رفات 45 فلسطينياً أفرجت عنها إسرائيل بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن في المقابل لم يعد لإسرائيل حتى الآن سوى أربعة توابيت تحوي رفات رهائن لقوا حتفهم، لتظل هناك حاجة إلى العثور على رفات أكثر من 20 شخصاً وإعادتهم.