صالح هبرة
قبل المطالبة بالحلول يجب أن نعرف أين يكمن الخلل وأين تقع المشكلة!
هل يكمن الخلل في الحرب وأنها سبب غياب الدولة؛ كون الحرب أخذت وقت المسؤولين عن النظر في بقية الأمور؟
أم أن الحرب لم تكن السبب، وإنما كانت تمثل عصًا يرفعونها في وجه من ينتقد تصرفاتهم، وفرصة ثمينة لترتيب أوضاعهم، فلم يتم: توزيع المناصب، وتقاسم المصالح، وفرض السوق السوداء، والمتاجرة بقوت الشعب، ومصادرة حقوق الشعب وممتلكات البعض إلا في ظل الحرب، فالحرب كانت بالنسبة لأطراف الصراع فرصة.
إذا هل تعتقدون أن عدم إدراكهم لمعاناة الشعب هي السبب في الوضع المزري الذي وصلنا إليه، وأنه يجب علينا أن نذكرهم بما يعانيه الشعب؛ حتى يلتفتوا للواقع؟
وما يجب أن يدرك عامة الشعب، أن إنهاكه وتجويعه أحد الاستراتيجيات التي يعملون عليها في تثبيت واقعهم وفرض سلطتهم، فهم يرون إن إنهاك الشعب يعني خنوعه وعدم قدرته على مناهضتهم، وأنه كلما أنهك الشعب أكثر كلما ازداد خنوعًا وانشغالًا بلقمة عيشه عن متابعتهم؛ وبالتالي ضمان استمرارهم في السلطة!!
وهل تعتقدون أنهم لا يدركون كثرة الضحايا الذين استهلكتهم الحرب، وأنه يجب علينا تذكيرهم بحجم الضحايا حتى يفيقوا من سباتهم؟
للأسف ليس كما يعتقد البعض ممن ينظرون إلى الواقع نظرة سطحية أو نظرة عاطفية، والحقيقة أن كثرة الضحايا أحد الاستراتيجيات التي يعملون عليها، فهم يرون أنه كلما كثر القتل كلما كان ذلك زيادة في مدة حكمهم؛ لأنهم يرون أن أية أسرة يسقط منها قتيل فإنهم يضمنون به كسب أسرته وأقاربه إلى صفوفهم باسم الثأر له واستعطافه بدم قريبه ليواصل المشوار، وهذا ما نشاهده في لقاءاتهم التلفزيونية مع أسرهم حيث يطلب منه التهديد بأخذ الثأر، وترديد القسم بالسير على النهج.
كما أن كثرة القتل تعني القضاء على جيل الثورة الحقيق، الذي يحمل وعيا قد لا يتفق مع ما يطرحونه؛ وبالتالي: يعد التخلص من ذلك الجيل ضرورة لاستمرارهم في السلطة؛ ولضمان عدم وجود من يناهضهم، كما أنهم يباهون بكثرة الضحايا ويعتبرونه رصيدًا لهم يساومون به ضد من ينتقد تصرفاتهم.
فهم يعتبرون أن من سقط في الحرب ولو في الأسواق وصالات الأعراس حقهم ورقما في رصيد تضحياتهم، وأنهم من أجلهم قدموا أرواحهم لا من أجل الوطن ومن أجل وحدته وإقامة العدل والمساواة والعيش الكريم للشعب؛ ولذا يتحدثون دائما أننا ضحينا وقدمنا...
إذًا هل تذكيرهم بمعاناة الموظفين -نتيجة قطع مرتباتهم- سيغير وجهتهم؟
كلّا، بل إنهم لن يقبلوا بدفع مرتبات الموظفين، ولو دفعت تحت ضغط شعبي فسيحتالون لأخذ 80% منها، كما يعملون مع المساعدات الإنسانية وما تقدمه المنظمات.
إذا هل تذكيرهم بخطورة تمزيق اليمن وتهديد الوحدة قد يحرك ضمائرهم؟
إن ذلك لن يغير موقفهم؛ لأنهم يدركون أنه ليس باستطاعتهم بسط سلطتهم على اليمن كاملاً، وبالتالي: يسعون لحكم ولو جزء من اليمن وما يهمهم بعد ذلك تمزق اليمن أم بقي موحدًا (بسيطًا أو مركبا عاديا أو اتحاديا).
إذا ما هو الذي يمكن أن يدفعهم لبناء دولة، والقبول بالآخر؟
أعتقد جازمًا أنها لا تتوفر لدى أصحابنا إرادة بناء دولة وإشراك أحد في حكم ما بسطوا عليه، وهنا نكون قد شخصنا المشكلة.
يوجد لدى أصحابنا قضية واحدة فقط، (الأرض مقابل السلام)، فمن أراد أن يعود للبلد تحت سلطة الأمر الواقع مواطنا لا علاقة له بالسياسة فمرحبا به، ومن يريد ممارسة أي نشاط سياسي أو ثقافي فغير مرحب به وأرض الله واسعة.
فلا معالجة ما يسمى بالملفات الإنسانية ستحل المشكلة ولا فتح الطرقات والموانئ ولا إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ولا خروج الأجانب من اليمن، كل هذه مزايدات لتضييع الوقت واستغلاله لتثبيت سلطة الأمر الواقع، وعلى الشعب أن يفهم هذا الواقع، ثم يبحث عن حل .