عادت المواجهات المحتدمة إلى إقليم كردفان من جديد بعد فترة هدوء نسبي، إذ تمكن الجيش بمساندة من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة من استعادة بلدة أم صميمة الواقعة غرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان من قبضة قوات "الدعم السريع"، بعد معارك ضارية بين الطرفين استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، إثر هجوم واسع قاده الجيش وحلفاؤه في خطوة للسيطرة على كامل الإقليم. وبحسب مصادر عسكرية فإن "الدعم السريع"، في ضوء كثافة نيران الجيش وقصف طيرانه الجوي المتواصل، تراجعت حتى تخوم مدينة الخوي التي تبعد نحو 100 كيلومتر غرب الأبيض، كما تعرضت هذه القوات لخسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
وبث أفراد من الجيش مقاطع فيديو من داخل المدينة تظهر فرح سكانها باستعادة الجيش بلدتهم من "الدعم السريع"، فضلاً عن استعراضهم المركبات القتالية التابعة للأخيرة التي قاموا بتدميرها في هذه المعركة، وما اغتنموه من أسلحة وذخيرة ومركبات.
ملحمة بطولية
وأكدت القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة أن العمليات العسكرية تسير وفق الخطط الموضوعة والميدان يشهد تنفيذاً دقيقاً لما تم التحضير له بعزيمة وإصرار، مضيفة في بيان "نطمئن جماهير شعبنا أن الانتصارات قادمة لا محال وأن تضحيات الأبطال ستثمر نصراً يليق بكرامة السودان"، وقال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، إن "القوات المشتركة سطرت في محور كردفان ملحمة بطولية جديدة تؤكد أن السودان عصي على الانكسار وأن تضحيات الشهداء تصنع فجر الحرية والاستقرار"، وبين في منشور على "فيسبوك" أن "هذه الانتصارات ليست حدثاً عابراً بل هي صفحة مشرقة ورسالة واضحة بأن السودان، بشعبه وجيشه ومقاومته، قادر على دحر الميليشيات ومرتزقتها واستعادة سيادته وعزته".
"الدعم السريع" تنفي
في المقابل، قالت "الدعم السريع" "بفضل اليقظة والانضباط تصدت قواتنا لهجوم واسع نفذه الجيش والقوات المساندة له من الحركات المسلحة على محاور عدة غرب مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، وكبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد"، مضيفة في بيان، "بلغ عدد قتلى القوات المهاجمة المئات، إلى جانب الاستيلاء على أكثر من 170 عربة قتالية وكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، بينها مدافع وراجمات"، وأكد البيان أن "الدعم السريع" لا تزال متمركزة في مواقعها وتواصل التقدم نحو محاور جديدة تمهيداً لمواصلة الزحف نحو معاقل الجيش.
بوابة رئيسة
وتقع أم صميمة على بعد 60 كيلومتراً غرب الأبيض، وتعد بوابة رئيسة نحو مدينتي الخوي والنهود في غرب كردفان، مما يجعلها مفتاحاً للسيطرة على خطوط الإمداد بين وسط البلاد ودارفور. وتبادل الجيش و"الدعم السريع" خلال هذا العام السيطرة على منطقة أم صميمة الفاصلة بين ولايتي شمال وغرب كردفان مرات عدة، إذ سيطرت الأخيرة عليها في أغسطس (آب) بعد معارك حاسمة، قبل أن يعلن الجيش استعادتها في يوليو (تموز)، ثم استعادتها "الدعم السريع" مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي.
ويعد محور كردفان خط إمداد حيوياً لـ"الدعم السريع" بخاصة في محاور الأبيض - أبو قواد - بارا، منذ بدء الحملة العسكرية، إذ ركز الجيش على قطع طرق الإمداد وتحجيم قدرة "الدعم السريع" على التحرك، مما أسهم في تضييق الخناق على قيادات الأخيرة وتقييد هجماتها.
موجة نزوح
في حين، شهدت المناطق الريفية المحيطة بمدينة النهود في ولاية غرب كردفان حيث تسيطر "الدعم السريع" موجة نزوح جديدة لعشرات الأسر نحو مدينة الأبيض هرباً من تدهور الأوضاع الإنسانية الذي تشهده هذه المناطق، في ظل النقص الشديد في المواد الغذائية، وتفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، مما جعل البقاء في تلك المناطق أمراً بالغ الصعوبة.
ووفقاً لعدد من النازحين الذين وصلوا الأبيض، فإن ثمة أسباباً دفعتهم إلى مغادرة مناطقهم من أهمها ارتفاع أسعار السلع الأساسية وصعوبة الحصول عليها، إلى جانب أزمة مياه الشرب، وانتشار حوادث السرقة والنهب التي تنفذها مجموعات مسلحة مجهولة الهوية، ومن ثم باتت الحياة اليومية شبه مستحيلة، بخاصة في ظل غياب أي تدخلات إنسانية أو دعم حكومي ملموس.
وكانت مدينة النهود قد شهدت عقب سيطرة "الدعم السريع" عليها مطلع مايو (أيار) الماضي حالاً من الانفلات الأمني، مما دفع سكانها إلى مغادرتها باتجاه القرى والمناطق المجاورة، إلا أن غياب الخدمات وتدهور الوضع الأمني في المناطق البديلة أجبرهم على النزوح، مرة أخرى، إلى مناطق مختلفة منها الأبيض ومدن في شرق وشمال البلاد، بحثاً عن الحد الأدنى من الاستقرار والمعيشة الآمنة.
اشتباكات متقطعة
في محور دارفور، دارت اشتباكات متقطعة بين الجيش و"الدعم السريع" داخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور تركزت في المحور الجنوبي والشمالي - الغربي، في وقت واصل طيران الجيش المسير قصف مواقع "الدعم السريع" في محاولة لعرقلة تقدمها نحو مقار الجيش وحلفائه في سط المدينة. وبحسب مصادر عسكرية، فإن مسيرات الجيش قصفت، بصورة مكثفة، تجمعات "الدعم السريع" في محيط مخيم أبو شوك، فضلاً عن أهداف ثابتة ومتحركة للأخيرة في مناطق سيطرتها بالمدينة. وتصدى الجيش والقوات المساندة له لهجوم شنته "الدعم السريع" على المدينة انطلق من محورين، إلا أن قوات الجيش والقوات المساندة له تمكنت من تكبيد القوة المهاجمة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وفق بيان للفرقة السادسة - مشاة.
أوضاع قاتمة
وتزداد الأوضاع الإنسانية قتامة في ظل انعدام وندرة السلع الغذائية والدوائية التي خلفها الحصار المستمر على المدينة من قبل "الدعم السريع" منذ أبريل (نيسان) 2024. ويشكو سكان الأحياء الغربية وأجزاء من الأحياء الشمالية، لا تزال تحت قبضة الجيش وحلفائه، من أزمة مياه حادة بلغت ذروتها خلال الأيام الثلاثة الماضية بعدما استولت "الدعم السريع" على عدد من مصادر المياه، إذ وصل سعر برميل المياه إلى 16 ألف جنيه سوداني (أربعة دولارات) مع انعدامه في عدد من أماكن تجمعات النازحين ومراكز الإيواء في الجزء الغربي من الفاشر.
صحياً، أشارت "شبكة أطباء السودان" إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال والنساء بسبب سوء التغذية الحاد الناتج من الحصار إلى 23 حالة خلال سبتمبر الحالي فحسب، بينهم خمس نساء حوامل، وأفادت الشبكة في بيان بأن "مدينة الفاشر تشهد كارثة إنسانية مكتملة الأركان، وما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة ممنهجة تتمثل في حرمان المدنيين من حقهم في الحياة واستهدافهم بالمجاعة كسلاح حرب، ما ينطبق تماماً على تعريف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي"، وحمل البيان "الدعم السريع" المسؤولية المباشرة عن هذه الكارثة من خلال استمرار حصارها الفاشر أكثر من عام، ومنعها دخول المساعدات الإنسانية، واعتبر المجتمع الدولي والأمم المتحدة شركاء في الجريمة "بصمتهم وتقاعسهم عن التدخل على رغم وضوح حجم المأساة"، ولفت البيان إلى أن استمرار هذا الوضع يعني دخول الفاشر مرحلة إبادة جماعية صامتة في حق عشرات الآلاف من النساء والأطفال، معتبراً أن كل يوم تأخير في رفع الحصار وإدخال الغذاء والدواء هو حكم بالإعدام الجماعي على مواطني هذه المدينة المكلومة.
تسوية سلمية
دولياً، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف إطلاق النار في السودان والتوصل إلى تسوية سلمية تنهي الحرب، ووفقاً لبيان صادر عن الأمم المتحدة، فإن غوتيريش التقى رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس وأعرب له عن قلقه العميق إزاء الصراع المستمر في السودان. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن هناك حاجة ملحة إلى وقف دائم لإطلاق النار والدخول في عملية سياسية شاملة تقود إلى تسوية سلمية للأزمة التي يعانيها السودان. وأفاد البيان بأن الطرفين شددا على ضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، كما تطرق اللقاء إلى سبل تعزيز تعاون السودان مع الأمم المتحدة بخاصة في مجالات حماية المدنيين وتوسيع نطاق تقديم المساعدات الإنسانية إضافة إلى جهود إعادة إعمار ما دمرته الحرب. وناقش الجانبان في لقائهما على هامش أعمال الدورة الـ 80 لاجتماعات الأمم المتحدة، تدهور الأوضاع الإنسانية في إقليم دارفور لا سيما مدينة الفاشر، إلى جانب الأوضاع في إقليم كردفان.