حامد فتحي- صحفي مصري
في دراسته بعنوان "تأثير جماعة الإخوان المسلمين في فكر حسين بدر الدين الحوثي"، يعود الأكاديمي السعودي حمد بن سليمان بن عثمان التركي، إلى مرحلة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام حكم الملالي بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وذلك لتأصيل التأثر الحوثي بالإخوان.
يقول "تشابه الفكر الحوثي بالإسلامويات الحركية السنية ما هو إلا جزء من العلاقة التأثيرية المتبادلة بين الثورة الإيرانية، التي يلتزم حسين الحوثي في مَلازمه بالسير على هديها والاقتداء بقادتها، وجماعات الإسلام السياسي السنية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي تعد من أكبر المحفزات عند الحركيين الشيعة."
الالتقاء الأيديولوجي:
في دراسته، قال التركي بأنّ الجماعات الإسلامية السنية والشيعية، بينهما علاقة تأثر؛ سواء في البنى الفكرية، أو في الوسائل والأهداف، رغم التباين المذهبي. وذكر أنّ حركة أنصار الله المعروفة بجماعة الحوثي في اليمن، إحدى هذه الجماعات التي جمعت بين البنية الإخوانية الظاهرة في خطابات مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، والسعي إلى محاكاة الثورة الإيرانية، التي لم يخف إعجابه بقادتها، ويرى فيهم القدوة التي يجب اتباعها.
استناداً إلى قراءة المؤلف في ملازم حسين بدر الدين الحوثي، التي أصبحت بمثابة كتب التعاليم المقدسة عند الحوثيين، يرى أنّ حجم التأثر الحوثي بجماعة الإخوان المسلمين تجاوز إلى مرحلة التلاقح الفكري والأيديولوجي والاقتباس. ويعدد الكاتب أوجه الالتقاء والتلاقح في الأدبيات المشتركة بين الجانبين، ومنها؛ الإيمان باستعادة الحكم الإسلامي، وهي الفكرة التي قامت عليها جماعة الإخوان المسلمين في الأساس، بعد انتهاء حقبة خلافة العثمانيين عام 1924. وعند الحوثيين إيمان بنفس الهدف مع اختلاف الطريق، بسبب الافتراق المذهبي، وكون الحوثيين شيعة زيدية، يؤمنون بفكرة الإمامة لكنها إمامة دنيوية متجددة بخلاف الإمامة المنصوص عليها في المذهب الشيعي الاثني عشري.
ومن ضمن الأدبيات التي نقلها حسين بدر الدين الحوثي عن الإخوان المسلمين، فكرة الأممية المتجاوزة للحدود الوطنية، والتي وُجدت لدى الخميني ثم حزب الله، وتبناها الحوثيون، إذ "يحاول حسين الحوثي تثبيت مفهوم الأمة مكان المواطنة، رافضاً التربية التي تُعلي من شأن الوطن، لأنّه يرى بأنّ هذه الدعوات تعيد العرب إلى تاريخهم الجاهلي".
وثالث الأدبيات التي لقح حسين الحوثي فكر جماعته بها نقلاً عن الإخوان المسلمين، هي توظيف المصطلحات الشرعية سياسياً، يقول المؤلف: "ألهمت أطروحات منظري جماعة الإخوان المسلمين قادة الإسلاموية الشيعية ومنظريها في توظيف المصطلحات الشرعية في الصراع السياسي، من خلال صرف هذه المصطلحات على غير حقيقتها، لشرعنة استخدام العنف ضد الفئة الممتنعة".
على خطى سيد قطب
وتأثراً بسيد قطب، قال حسين الحوثي في إحدى محاضراته: "نحن في مواجهة الجاهلية الكبرى، والجاهلية الخبيثة، والجاهلية المسلحة بأفتك الأسلحة" وفي أخرى قال: "عدنا إلى الأمية والجهل من جديد، على الرغم من وجود القرآن بيننا".
وكتب سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق" ما يلي: "نحن اليوم نعيش في الجاهلية، كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية، تصّورات النّاس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم".
ويظهر من خلال ذلك نقل حسين الحوثي عن سيد قطب للفكر التكفيري الاستعلائي، الذي يوصم ملايين الناس بالجهل، مما يبيح لاحقاً إراقة هذه الدماء، وهي النتيجة نفسها التي تشاركها الرجلان؛ سيد قطب من خلال العنف في جماعة الإخوان وبشكل أكبر التنظيمات السنية التي تبنت مفاهيمه عن تكفير المجتمعات، والحوثيين من خلال سفك دماء الشعب اليمني والعدوان على دول الجوار.
كما تتشارك الجماعتان فكرة تحجيم التفكير بالطاعة الحزبية العمياء، عبر منهجية تربوية تقوم على الانغلاق المذهبي وتغذية التعصب الفكري في نفوسهم لضمان التبعية والولاء والإخلاص. ومن بين التلاقح الأيديولوجي بين الطرفين؛ تفسير القرآن الكريم حركياً، ويرى المؤلف السعودي بأنّ حسين الحوثي سار على نهج سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن" مع فارق كبير بين أدبية قطب وركاكة وضعف ثقافة حسين الحوثي، الذي قدم تفسيرات للقرآن وقام بإنزالها على الواقع لخدمة أهدافه لكن في شكل خطب ومحاضرات، استخدم فيها اللغة العامية.
وهناك ملمحان آخران نقلهما الإسلام السياسي الشيعي بشكل عام والحوثيون بشكل خاص عن الإخوان المسلمين، وهما؛ توظيف العداوة الغربية خصوصاً في شكلها الحديث في زمن الاستعمار من أجل الاستقطاب العاطفي، والمتاجرة بقضية فلسطين. وفي الحالة الأولى، على غرار ما تفعل جماعة الإخوان المسلمين، سار الحوثي برفع شعارات العداء والموت لأمريكا وإسرائيل، على الرغم من جلوس الحوثيين على طاولات المفاوضات مع الأمريكيين بعد الإطاحة بعلي صالح عام 2011 حتى العام 2014.
أما عن قضية فلسطين، فيشير الكاتب إلى أنّه رغم عدم قدسية المسجد الأقصى لدى الشيعة إلا أنّ الخميني وتابعه من بعده حزب الله والحوثيين والميليشيات المرتبطة بإيران، وظفوا قضية فلسطين لكسب التعاطف والتغلغل في العالم الإسلامي، وهو الطريق الذي انتهجه الإخوان المسلمون منذ نشأتهم، حين استغلوا القضية من أجل تأسيس التنظيم الخاص المسلح، بينما كان هدفهم ترهيب الخصوم، كما حدث بعد ذلك من اغتيالات طالت شخصيات مصرية معارضة لهم.
التخادم الحوثي الإخواني
ورغم التعاون الإخواني الإيراني في العديد من القضايا، على سبيل المثال كما في حالة مصر إبان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، حين التقى الإخوان بقيادة الحرس الثوري من أجل التنسيق بينهما في تعزيز حكم الإخوان في مصر، وكما في زيارة مرسي إلى طهران، كأول زيارة لرئيس مصري منذ الثورة عام 1979، وذلك في عام 2012، ثم زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى القاهرة في عام 2013، إلا أنّ هناك ملفات اختلف فيها الطرفان، كما في حالة اليمن.
وفي اليمن حتى العام 2014 شكل الإخوان عبر ذراعهم السياسية؛ حزب التجمع اليمني للإصلاح، تحدياً أمام الحوثيين، بسبب سيطرة الحزب على السلطة بعد تنازل علي صالح عن الرئاسة وفق المبادرة الخليجية. ودفعت هيمنة الإصلاح على السلطة بعلي صالح إلى التحالف مع الحوثيين للتخلص منهم، وهو الأمر الذي يجعل باحثين يمنيين يحمّلون الإخوان لأجله المسؤولية عن المسار السياسي بعد العام 2011 والذي أفضى إلى سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2015.
وتنقسم العلاقة بين الإخوان والحوثيين في اليمن جغرافياً؛ بينما يعادي الطرفان بعضهما البعض في شمال اليمن، يعمل الطرفان سويةً وبتناغم في جنوب اليمن، حيث تجمعهما مصلحة مشتركة وهي محاربة المشروع الوطني الجنوبي.
أيديولوجيا واحدة:
وهناك دلائل عديدة على هذا التخادم، ومن ذلك تمكين الإخوان للحوثيين من احتلال مديريات في محافظة شبوة الجنوبية، قبل تحريرها على يد قوات العمالقة الجنوبية بعد عزل المحافظ الإخواني، محمد صالح بن عديو، وتولية الزعيم القبلي عوض بن الوزير العولقي.
يقول نائب رئيس لجنة الدراسات والبحوث والتدريب بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عمر باجردانة، بأنّ الإخوان والحوثيين ينطلقون من أيديولوجيا واحدة؛ ترى في نفسها سلطان الله أو أوصياء الله في الأرض. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ الجماعتين تنطلقان من الاعتقاد في فكرة مقدسة، ولهذا يرون في أي قوى تخالف مشروعهما حرباً على الإسلام.
ولفت باجردانة إلى وجود تخادم عسكري وسياسي بين الإخوان والحوثيين في المحافظات الجنوبية، على الرغم من عدائهما في المحافظات الشمالية، لكن ذلك "يعود إلى البراغماتية التي تتصف بها الجماعتين".
يذكر أنّ حسين بدر الدين الحوثي لقى حتفه عام 2004 في معارك صعدة ضد الجيش اليمني، وخلفه شقيقه الأصغر عبد الملك الحوثي في زعامة حركة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين.
*نقلا عن موقع حفريات