أرسلت الولايات المتحدة، قبل أيام، أكثر من 3 آلاف جندي من مشاة البحرية (المارينز) إلى الخليج ضمن خطة لتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة وردع إيران عن مضايقة واحتجاز سفن وناقلات نفط، بعد فجوة في الوجود البحري الأمريكي استمرت لعدة أشهر إثر سحب أصول بحرية.
وانضمت تلك القوات إلى تعزيزات أمريكية سابقة، ففي 18 يوليو/تموز الماضي، أعلنت واشنطن إرسال مقاتلات إضافية من طرازي "إف-35" و"إف-16" وحاملة الجنود والطائرات "يو إس إس باتان" إلى المنطقة، في محاولة لمراقبة الممرات المائية الرئيسية.
الولايات المتحدة تحاول استعادة ثقة دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما السعودية والإمارات أكبر اقتصادين في التكتل، عبر تأكيد أنها لا تزال ملتزمة بأمن منطقة الخليج العربي، بالتزامن مع توجه السعودية والإمارات والبحرين نحو الاقتراب أكثر من الصين وروسيا، عبر تقديم طلبات رسمية للانضمام إلى مجموعة بريكس.
وصول قوات المارينز جاء في أعقاب أحاديث عن تراجع اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط لصالح مواجهة ما تعتبره نفوذا صينيا متصاعدا في منطقة المحيطين الهندئ والهادئ والتصدي لحرب تشنها روسيا على أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022.
أحد أسباب انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي، بقيادة الصين وروسيا، كشريك حوار، وتقديمها طلبا للانضمام إلى مجموعة بريكس، وتوقيعها اتفاقية استأنفت بموجبها العلاقات الدبلوماسية مع إيران برعاية صينية، هو تخاذل الولايات المتحدة في ردع طهران وأذرعها في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الحوثي في اليمن، خاصة بعد استهداف منشآت نفطية سعودية في 2022، دون رد أمريكي حازم.
قبل أكثر من 5 أشهر انسحبت الإمارات بشكل مفاجئ من "تحالف القوة البحرية الموحدة"، الذي تقوده واشنطن في الشرق الأوسط، ما يعكس على ما يبدو رغبة إماراتية في الضغط على الولايات المتحدة لتكون أكثر حزما مع إيران، إثر احتجازها ناقلتي نفط في خليج عمان.
في الفترة الأخيرة تصاعد نفوذ إيران في مضيق هرمز، الرابط بين خليج عمان والخليج العربي، وتزايدت جرأتها على مضايقة واحتجاز السفن التجارية، خاصة تلك المتوجهة من وإلى موانئ الإمارات، ما يهدد طموح الدولة الخليجية بالتحول إلى مركز عالمي لإعادة التصدير ونقطة ربط بين أسواق العالم.
لعقود من الزمن، استخدمت إيران استراتيجية مضايقة السفن في مياه الخليج كوسيلة للضغط في نزاعات أو/ و للتعبير عن استيائها من العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها؛ بسبب برنامج نووي إيراني يقول الغرب إنه يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية بينما تشدد طهران على أنه مصمم للأغراض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.
بعد يومين من الإعلان عن وصول عناصر المارينز، انطلقت في 9 أغسطس/ آب الجاري أول مناورات عسكرية جوية بين الإمارات والصين، ولم تحدد أبوظبي مكانها ولا مدتها، ولكنها تعكس تعاونا عسكريا أصبح يقلق الولايات المتحدة، وتسعى الإمارات من خلاله إلى تأكيد أنها جادة في تنويع شركائها الأمنيين، حتى ولو كانت واشنطن تعتبرهم أكبر تهديد لهيمنتها العالمية.
يبدو أن الصين، التي ترتبط أيضا بعلاقات جيدة مع إيران، تحاول طرح نفسها كبديل أمني للولايات المتحدة، وترغب في التغلل عسكريا في منطقة الخليج بشكل تدريجي لا يثير ردود أفعال أمريكية قاسية، خاصة وأن تقارير صحفية أمريكية أفادت باستنئاف البناء في ما يتردد أنها قاعدة عسكرية صينية بالقرب من ميناء خليفة في أبوظبي.
بمحاولة إصلاح علاقاتها المتعثرة مع الرياض، تسعى واشنطن إلى منع قيام تحالف بين السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط والصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ يهدد مثل هذا التحالف زعامة الولايات المتحدة على العالم، خاصة وأن احتمال تسعير النفط السعودي باليوان الصيني سيمثل تحديا كبيرا لهيمنة الدولار الأمريكي على اقتصاد العالم.
الولايات المتحدة تريد أن يظل مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20% من نفط العالم، مفتوحا أمام الشحن لضمان عدم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، خاصة وأن الحرب الروسية- الأوكرانية تضغط على الأسواق. كما تحتاج دول الخليج العربية إلى هذا الممر المائي الحيوي لنقل نفطها إلى السوق، لاسيما وأن النفط هو المصدر الأساسي لإيرادات تلك الدول.
يبدو أن اقتراب موعد حملة الدعاية للانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024 يدفع الرئيس جو بايدن إلى استعراض قوته وحزمه في الشرق الأوسط أمام التهديدات التي تواجهها بلاده وحلفاؤها، على أمل أن يساعده ذلك في الفوز بفترة رئاسية ثانية.
التعزيزات الأمريكية تزيد من خطر نشوب صراع في المنطقة، إذ قال قائد الجيش الإيراني الجنرال عبد الرحيم موسوي إن هذه التعزيزات "لن تؤدي إلا إلى انعدام الأمن ولن يدوم أمن المنطقة إلا بمشاركة دولها". كما استعرضت طهران "أبو مهدي"، وهو صاروخ يمكنه استهداف السفن على بعد 1000 كيلومتر.