• الساعة الآن 12:23 AM
  • 0℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

جدلية العرق الأنقى في المجتمع اليمني.. قبيلة أم سلطة؟

news-details

 

خاص | النقار
تعود الجاهلية بشكل أكثر قبحا وفجاجة، ملقية أوساخها سياسيا ومجتمعيا وقبليا فتتلقاها الرؤوس كما لو كانت أكاليل مجد. إنه زمن انتصار الجهل وتحوله إلى انتشاء وفرح، بعد أن قامت سلطة صنعاء بإفراغ المجتمع من مضمونه ومنحه مضمونا هو الجاهلية عينها ولا شيء آخر.
هكذا يغدو الجهل واقعا ممارسا من قبل مجتمع بأكمله، وذلك لأن سلطة بأكملها عملت على تكريسه طيلة عقد من الزمان من خلال طبيعتها الجاهلية وبنيتها العرقية المتمايزة، لتعيد أبناء المجتمع الواحد إلى الوراء الغابر بحثا عن تمايزات يشهرها كل واحد منهم في وجه الآخر. 
لقد انتصرت سلطة صنعاء بذلك واستطاعت أن تكرس نعرة الأعراق والألقاب وتعيدها من جديد إلى الواجهة، بعد أن كانت قد انطمرت مع انطمار آخر إمام حكم اليمن. 
إن الوثيقة التي كتبها أصحابها في لحظة انتشاء بعرقهم الأنقى ولقبهم الفخم وأصدروا فيها حكما ضد أحد من يحملون ذلك اللقب بالبراءة منه لأنه تزوج من ابنة "مزين"، هي واحد من الانعكاسات الكثيرة لحالة الفرز العرقية التي استطاعت سلطة صنعاء تكريسها من جديد داخل المجتمع، بعد أن كان قد تخلص منها بدرجة كبيرة. 
بالتالي هذه الوثيقة العرقية ليست استثناء، مثلما أن القبيلة التي أصدرتها ونبذت أحد أبنائها لأنه تزوج من ابنة "مزين" ليست استثناء هي الأخرى. فالحالة تكاد تكون عامة، وحالة الارتكاس إلى ما قبل الدولة هي حالة ملموسة على كافة المستويات والأصعدة سياسيا وتعليميا وثقافيا ومجتمعيا وقبليا. 
لا يمكن توجيه اللوم لهذه القبيلة أو تلك، طالما أن السلطة التي تحكم هي في الأساس تعيش الطبقية والعرقية في بنيتها وتركيبتها وطريقة حكمها وفي كل ما تقوم به. إن نظرة واحدة على ممارسات سلطة صنعاء وجماعتها الحاكمة في فرز المجتمع وتقسيمه إلى فئات حتى داخل الجماعة نفسها، تكفي لإدراك ماذا يحدث من تدمير وتقويض للنسيج المجتمعي. فلقب كالأنصار أو كأحفاد بلال هو في الحقيقة تكريس لمفهوم طبقي حتى لو كان المقصود منهما ما تعتبره الجماعة حالة إيمانية، وذلك ببساطة لأنها تجعل من نفسها رسول الله. هذا مجرد مثل لحالة الفرز التي تمارسها الجماعة في اللا وعي. أما حالة الفرز التي تمارسها في الوعي فتتجلى في ما كان يمارسه أئمة الزيدية من قبل، عبر تقسيم المجتمع إلى درجات وكل درجة لها عرقيتها الخاصة. وبالتالي ما تمارسه الجماعة وسلطتها الحاكمة في صنعاء لا يعدو كونه استدعاء لذلك الإرث وإحيائه من جديد بعد أن كان قد أصبح مجرد أطلال وبقايا ماض غابر لم يعد اليمنيين معنيين بالالتفات إليه كمجتمع وشعب، لتأتي هي إلى تفكيك بنيتهم مرة أخرى وتركسهم في تراتبية مجتمعية هي نفسها التي كانوا عليها في عهد الأئمة، والتي استطاعت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أن تنتشلهم منها إلى حد كبير، لتعود الجاهلية الجهلاء هي العنوان الحقيقي لما يحدث في عهد الجماعة وسلطتها الحاكمة.

شارك الخبر: