• الساعة الآن 05:54 AM
  • 14℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

لماذا وافق بوتين مؤخرا على التفاوض مباشرة مع أوكرانيا ؟

news-details

 

لطالما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رفضه القاطع إجراء أي مفاوضات سلام مباشرة مع أوكرانيا. لكنه أعلن الإثنين، ولأول مرة، عن استعداده لمناقشة سبل وقف الهجمات على البنية التحتية المدنية للبلدين مع "نظام كييف" بشكل مباشر.

وقال بوتين في تصريحات للتلفزيون الروسي الرسمي إن موسكو منفتحة على أي مبادرات سلام وأنه يتوقع موقفا مماثلا من أوكرانيا. وأضاف: "دائما، كان موقفنا إيجابيا تجاه الهدنة، ولهذا السبب طرحنا مثل هذه المبادرة".

والثلاثاء، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا مستعدة لدراسة اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لوقف الهجمات المتبادلة على البنية التحتية المدنية في كلا البلدين. وذكر بيسكوف أن الموضوع معقد وأن بوتين مستعد لمناقشته. لكنه أبلغ الصحافيين بعدم وجود خطط ملموسة حاليا لإجراء محادثات بين الجانبين.

من جهته، قال زيلينسكي الإثنين إن أوكرانيا مستعدة لأي شكل من أشكال النقاشات الرامية إلى إنهاء الهجمات على المنشآت المدنية. وأضاف: "تصر أوكرانيا على اقتراحها بعدم ضرب الأهداف المدنية على الأقل. ونتوقع ردا واضحا من موسكو... نحن مستعدون لأي حوار حول كيفية تحقيق ذلك".

رغم ذلك، اعتبر ويل كينغستون-كوكس خبير الشؤون الروسية بالفريق الدولي لدراسة الأمن (ITSS) في فيرونا، أن هذه ليست بعد يدا ممدودة لإبرام اتفاق شامل للسلام، مضيفا: "يعتبر هذا تطور ملحوظ، حيث إنها أول مرة منذ بدء غزو أوكرانيا عام 2022 يتخذ فيها فلاديمير بوتين خطوة نحو هذا الاتجاه".

"لإرضاء شخص واحد: ترامب"

كان الرئيس الروسي حتى الآن مصرا على معارضة أي مقترح للتفاوض مباشرة مع نظيره الأوكراني، والذي تصفه موسكو بأنه زعيم غير شرعي "على رأس نظام نازي"، كما يُذكّر جيف هون خبير الشؤون الروسية بكلية لندن للاقتصاد. لا بل أن الدعاية الروسية جعلت من الإطاحة بالحكومة الأوكرانية أحد أهداف الحرب أو "العملية العسكرية الخاصة" كما تسميها، لمواجهة هذا التهديد "النازي" وفقا لها.

فإذا، ما الذي تغير؟ من المؤكد ليست نظرة فلاديمير بوتين أو رأيه في فولوديمير زيلينسكي. يلحظ جيف هون في هذا الصدد بأن سيد الكرملين "تحدث عن مفاوضات مع نظام كييف وليس مع الحكومة أو السلطات الأوكرانية. هذا فارق دلالي كبير، لأن كلمة نظام لا تشير بالضرورة إلى السلطة الشرعية".

يوضح ستيفن هول خبير الشؤون الروسية بجامعة باث في إنكلترا: "يستهدف هذا الإعلان شخص واحد: دونالد ترامب". في الواقع، يبدو أن فلاديمير بوتين قد بدّل مؤقتا الطائرات المسيّرة الانتحارية بغصن زيتون لإرضاء الرئيس الأمريكي. وكان ترامب قال سابقا: "أريد أن أرى حماسا لإنهاء [الحرب]" في أوكرانيا.

يذكر تقرير لشبكة سي إن إن بأن الرئيس الأمريكي هدد في ظل هذا الموقف كلا الطرفين المتحاربين، بـ"التخلي" عن جهوده لإبرام اتفاق سلام، واعتبرت القناة الأمريكية أن استعداد بوتين للقاء الأوكرانيين مباشرة ما هو سوى تصور الرئيس الروسي لهذا "الحماس" الذي عبّر عنه ترامب.

بناء على ذلك، يُشير ستيفن هول إلى أن تصريحات الرئيس الروسي هي مجرد "دعاية موجهة إلى الرأي العام". وفي الحقيقة، لا يعلم أحد إن كان بوتين مستعدا حقا لمفاوضات ثنائية مع أوكرانيا. في نفس الوقت، لا تزال روسيا من الناحية العسكرية، تمسك بزمام المبادرة على جبهات المواجهة الأمامية، يحذر جيف هون مشيرا إلى أن "الوضع الأوكراني لا يزال هشا للغاية".

هدية أمريكية لموسكو؟

هل ستسعى روسيا في ظل السياق الحالي إلى تعزيز تفوقها العسكري على أرض الميدان؟ لقد أثبتت موسكو أنها ليست أساسا مضطرة إلى احترام وعودها وإعلاناتها السابقة طوال زمن الحرب. ومن ثمة، يضرب ستيفن هول مثلا حول هذا الاحتمال المرجح بـ"هدنة عيد الفصح التي أعلنها الكرملين في 18 أبريل/نيسان والتي لم تصمد، حيث خرقتها روسيا بسرعة كبيرة بعد أن استأنفت قصفها".

رغم ذلك، لفت خبراء حاورتهم فرانس24 إلى احتمال أن يكون فلاديمير بوتين مستعدا فعلا هذه المرة للتفاوض مع الأوكرانيين. لماذا؟ يجيب ويل كينغستون-كوكس: "ستكون هذه طريقة يطمئن بها بوتين الأوساط الأكثر قومية في روسيا، والتي تخشى من أن يكون الضغط الذي تمارسه واشنطن على كييف هو مجرد وسيلة لوضع مستقبل موسكو بأيدي الولايات المتحدة".

لعل الأهم من كل ذلك هو أن إعلان بوتين جاء في التوقيت المثالي تماما بالنسبة إلى موسكو. فقبل أسبوع، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن أن خطة السلام التي اقترحتها إدارة ترامب لأوكرانيا تتضمن اعترافا أمريكيا بـ"سيادة" روسيا على شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في 2014 بدون اعتراف المجتمع الدولي، وتجميدا للصراع على خط المواجهة. من شأن ذلك أن يسمح لروسيا بالحفاظ على سيطرتها على الأراضي التي تحتلها في دونباس. إضافة إلى ذلك، أفادت التقارير بأن واشنطن مستعدة لضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). في المقابل، لم تؤكد إدارة ترامب ولم تنف هذه "التسريبات" الإعلامية ما يعزز المخاوف لدى أوكرانيا وحلفائها.

يختم جيف هون قوله إن هذه الخطة "تمثل كل ما يمكن لروسيا أن تحلم به تقريبا". قد يعني هذا أن بوتين هو قاب قوسين أو أدنى من الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته الكبرى الخاصة بأوكرانيا. ويشرح هذا الخبير: "بما أنه يعرف المواقف الأمريكية ويعي أنها متوافقة مع أولوياته، فمن المحتمل أن يرغب الرئيس الروسي في التفاوض مباشرة مع أوكرانيا، وهو يعلم مسبقا بأن واشنطن ستكون مستعدة لمساندته وممارسة الضغط على كييف".

من جانبه، اعتبر ويل كينغستون-كوكس بأن أحد الأهداف من مفاوضات ثنائية، "قطع الدعم الأوروبي عن أوكرانيا". فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، شرع حلفاء أوكرانيا الأوروبيون في بناء جبهة جديدة تعوض قطع المساعدات الأمريكية عن كييف. وبالتالي، سيسعى بوتين للإسراع في دخول المفاوضات الثنائية قبل أن تتمكن أوروبا من بناء تحالفها بالكامل للوقوف خلف كييف.

هل نصب بوتين فخا للإيقاع بزيلينسكي؟

لكن هل يمكن أن يكون هذا الإعلان الروسي مجرد فخ نصب للسلطات الأوكرانية؟ يلفت ستيفن هول إلى أن "زيلينسكي كرّر عدة مرات بأن أوكرانيا لا يمكن لها أن تتفاوض مباشرة مع روسيا في حال بقاء بوتين في السلطة، كما أن أغلب بنود الخطة الأمريكية التي تم تسريبها لوسائل الإعلام تنتهك الخطوط الحمراء التي وضعتها كييف". من جانبه، يرى جيف هون بأنه "لا يمكن لأية حكومة أوكرانية أن توافق على اتفاقية سلام ترسخ السيطرة الروسية على أجزاء من دونباس والقرم".

ومن ثمة، لا يمكن لأوكرانيا أن توافق على هذا المقترح لإجراء مفاوضات ثنائية مع روسيا في ظل الظروف الحالية. يلحظ ستيفن هول في هذا الشأن بأن "فلاديمير بوتين سيتمكن في تلك الحالة من الادعاء بأنه على الأقل حاول" التوصل إلى حل لهذا النزاع.

وبالتالي، يمكن اعتبار هذه اليد الممدودة المزعومة بداية للرواية الكبرى لنهاية الصراع التي تحاول موسكو أن تكتبها مع ضمان خروجها رابحة في كل الاحتمالات. يشرح ويل كينغستون كوكس: "هكذا يبحث فلاديمير بوتين عن سبيل لإقناع بقية العالم، خصوصا مع تزايد الإحباط بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا، بأنه ليس هو من يُطيل أمد النزاع". رغم كل شيء، ليس من المؤكد أن يؤخذ كلامه على محمل الجد أقله في أوروبا، حسبما أوضح جيف هاو مضيفا: "هي رسالة يمكن سماعها في بلدان مثل الصين أو الهند" فقط.

 

شارك الخبر: