• الساعة الآن 07:29 AM
  • 17℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ما فرص نجاح المفاوضات بين واشنطن وطهران؟

news-details

في أي وقت آخر كان من الممكن أن يتصدر مثل هذا الإعلان عناوين الأخبار على ضفتي المحيط الأطلسي، لكن مع انشغال قادة العالم بالاضطرابات الناجمة عن الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن النبأ بأن الولايات المتحدة الأميركية قد قدمت مبادرة باتجاه إيران، وأن مفاوضات مباشرة قد تنعقد بين الجانبين السبت المقبل قد تم التعامل معه في موقع متأخر في التغطيات الإخبارية.

ومع ذلك لا بد من تأكيد ضخامة هذا التحول. فهو يمثل تحولاً أكبر بكثير في السياسات الأميركية الأخيرة حتى من بعد الاتصال الهاتفي الأول الذي أجراه الرئيس ترمب مع الرئيس فلاديمير بوتين الشهر الماضي، والذي أنهى أكثر من ثلاث سنوات من القطيعة والعزلة للرئيس الروسي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد لا تشكل [المفاوضات مع إيران] لحظة مفصلية كالتي مثلتها "زيارة نيكسون إلى الصين"، لكنها قد تنطوي على إمكان احداث تغيير في السياسة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، إذ لم تكن لدى الولايات المتحدة وإيران أي علاقات دبلوماسية منذ وقوع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بعدما قام الطلبة الثائرون باحتجاز دبلوماسيين أميركيين رهائن في سفارة بلادهم لدى طهران لمدة 444 يوماً. ولم يكن هناك أي اتصالات مباشرة تقريباً منذ تلك الفترة، مع وجود استثناء واحد: الاتفاق النووي المعروف رسمياً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة، الذي ألزم إيران في الحد من نشاطها النووي ليقتصر على تطوير قدرات توليد الطاقة النووية السلمية للاستخدامات المدنية في مقابل رفع العقوبات عن إيران.

كانت الولايات المتحدة طرفاً في هذه الاتفاقية بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، لكن لم يكن لذلك أي أثر يذكر على العلاقات الثنائية بين الجانبين، وقام الرئيس ترمب بسحب بلاده من تلك الاتفاقية خلال أول 18 شهراً، منذ توليه الرئاسة في ولايته الأولى، متهماً إيران بارتكاب انتهاكات للاتفاق. واليوم المفارقة المهمة هي أن يكون الرئيس ترمب، وفي بداية ولايته الرئاسية الثانية، هو الرئيس الذي يطرح إطلاق المحادثات في شأن التوصل إلى معاهدة نووية جديدة مع إيران.

ومع ذلك فهناك عديد من الأسباب التي تجعل مثل هذه الخطوة أمراً منطقياً ويمنحها فرصة للنجاح.

فالرئيس ترمب شخص مهتم بالمبادرات الكبيرة، وعملية الشروع في مفاوضات مع إيران بعد مرور نحو نصف قرن من القطيعة، هو ذلك النوع من المبادرات بالتأكيد. فدلالات الطريقة الارتجالية التي كشف خلالها عن المفاوضات أمام تجمع كبير لكاميرات الإعلاميين خلال اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كانت كبيرة، فالأخير كثيراً ما اعتبر أن إيران تشكل تهديداً وجوديا لبلاده. ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أمر بشن غارات انتقامية ضد أحد مواقع المنشآت النووية، وخلال عهده، بدا التهديد بوقوع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.

وقد يكون هذا الخطر القائم دوماً أحد الأسباب التي دفعت الرئيس ترمب إلى اتخاذ قراره بفتح الحوار مع طهران، ولكن هناك اعتبارات استراتيجية وعملية أخرى تدفع نحو ضرورة تغيير السياسات الآن.

وكما رأينا خلال ولايته الأولى، فإن الرئيس ترمب لديه طريقة في تركيز عمل سياسته الخارجية على عدد قليل من الدول التي يرى أنها مصدر لمشكلات معينة، والمقصود هنا، هو أن وضع حد لعدد قليل من المشكلات يمكن أن ينزع الفتيل من عديد من المشكلات الأخرى. ومن هنا جاء سعيه – الذي فشل - في ولايته الأولى مع روسيا ومحادثاته مع كوريا الشمالية.

أما بالنسبة إلى ولايته الثانية، فتتصدر روسيا اللائحة، حيث قد يكون احلال السلام في أوكرانيا إحدى النتائج الثانوية المأمولة من جهوده، ولكن لقد كانت هناك تلميحات مبكرة بأن إيران قد تكون هدفاً لترمب، نظراً إلى قدرة طهران غير المتناسقة على زعزعة استقرار مناطق واسعة من الشرق الأوسط.

وقد تكون هذه الفترة هي الوقت الأمثل بالفعل لذلك. فالنظام الديني في إيران يواجه تحديات متزايدة من النساء وشريحة الشباب تفوق ما واجهه لسنوات طويلة ماضية، كما أن تأثير العقوبات قد ترك البلاد في حال فقر خطرة، إضافة إلى واقع أن أيام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وهو حالياً في منتصف الثمانينيات من عمره، قد تكون معدودة.

على الصعيد الإقليمي، يبدو أن نفوذ إيران لم يعد كما كان قبل عامين فقط. الرد الإسرائيلي على هجمات السابع من أكتوبر شمل محاولات لتدمير ليس فقط حركة "حماس"، التي كانت تحظى ببعض الدعم الإيراني، ولكن أيضاً تدمير ميليشيات "حزب الله"، وكلاء إيران الأقوياء في جنوب لبنان. النهاية المفاجئة لنظام الأسد في سوريا كانت قد تركت إيران أيضاً، من دون لا الممر البري ولا التأثير الذي كان متوافراً لطهران في السابق.

وكانت هناك إشارات أيضاً وبصورة رئيسة من الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بأن إيران يمكنها أن تكون منفتحة على تقارب مع الغرب. ويمكن تفسير خطاب بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، على أنه محاولة للتقارب مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهو نجح في الحفاظ على وظيفته من دون أن تؤثر تصريحاته في مستقبله بالمنصب، ومن دون قيامه بأي تراجع عن مواقفه.

وحتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان يمكن ترجمة أي من ذلك للتعبير عن استعداد إيران للنظر في إمكان التوصل إلى اتفاق نووي جديد. وقد شككت طهران في كون محادثات نهاية الأسبوع ستكون "مباشرة"، وهي أصرت على عدم تقديم تنازلات تتعلق بسياستها النووية.

لكن ما هو واضح أيضاً، هو أن الرئيس ترمب قد استشعر فرصة نادرة لتغيير العلاقات مع إيران، وأنه يمكنه أن يحظى بدعم من آخرين في هذا السياق، بما في ذلك روسيا. فموسكو كثيراً ما كانت متخوفة من وجود إيران ذات قدرات نووية عند حدودها الجنوبية مع إبقائها في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع طهران. بالنسبة إلى ترمب إن تضمين مشاركة روسية في أي مسار تفاوضي دبلوماسي مع إيران يمكنه أن يكون سبيلاً لإعادة تأهيل موسكو على الساحة الدولية، خصوصاً إذا كانت كل من المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وهي دول كانت قد ضمنت في الماضي الاتفاق النووي الأصلي مع طهران، مشاركة أيضاً في العملية الجديدة.

بالطبع، وبعد ثلاثة أشهر فقط على تسلمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض فإنه من السابق لأوانه أن نتصور إمكان هبوط الطائرة الرئاسية الأميركية في مطار طهران الدولي، وأن يقوم الرئيس الأميركي بالهبوط على سلم الطائرة بحماية سلة من حرس الشرف، لكن أموراً غريبة أخرى سبق أن حدثت خلال ولاية ترمب الرئاسية الأولى، عندما شاهدنا الرئيس ترمب متجولاً في المنطقة المنزوعة السلاح من الجانب الكوري الشمالي. وإذا شاءت الأقدار في هذه الحالة أيضاً، فليس من المستحيل أن يغادر ترمب منصبه بعد تطبيع العلاقات الأميركية - الإيرانية حتى ولو ظل الاتفاق النووي الجديد خطوة بعيدة المنال.

شارك الخبر: