حصلت خطة المفوضية الأوروبية لزيادة الإنفاق الدفاعي على الضوء الأخضر من قادة دول التكتل الـ27 الذين التقوا الخميس ببروكسل، في قمة استثنائية حول الدفاع وأوكرانيا.
وكانت أورسولا فون دير لاين قد كشفت عن خطة لإعادة تسليح أوروبا تقضي برصد حوالي 800 مليار يورو، في ظل التقلبات الجيوسياسية جراء سحب دونالد ترامب دعمه لأوكرانيا وتقربه أكثر من بوتين.
وشكل هذا التحول مفاجأة حتى للكرملين الذي أفادت التقارير أنه طلب من وسائل الإعلام الحكومية التخفيف من إشادتها بالرئيس الأمريكي.
كما تريد المفوضية توفير حوالي 150 مليار يورو كقروض للدول الأعضاء في التكتل لشراء أسلحة أو للاستثمارات المشتركة. يتعين استخدامها في القطاعات الأكثر إلحاحا، كالدفاع الجوي، الصواريخ، المسيرات وأنظمة مكافحتها، أو أنظمة المدفعية.
تعليقا على القمة الأوروبية، قال محمود الأفندي محلل سياسي وأستاذ الأكاديمية الروسية، إن "أوروبا كانت شريكا في الحرب بالوكالة في أوكرانيا، حيث كانت 52 دولة منها 27 دولة من الاتحاد الأوروبي تساعد أوكرانيا عسكريا"، لافتا إلى أن أغلب تلك المساعدات كانت أمريكية.
وقلل الأفندي من قدرة أوروبا على مواكبة التطورات المتسارعة اليوم، مشيرا إلى أن "البنية التحية العسكرية للتكتل لا تسمح لها بمساعدة أوكرانيا أو الاستمرار في ذلك دون واشنطن". واعتبر بأن اجتماع بروكسل أفرز "هراء استراتيجيا لا يمكن فهمه".
"فرنسا أعلنت الحرب على روسيا.. وماكرون يشارك في الزحف"
أمام التحركات الأوروبية والجنوح نحو التسلح تخوفا من شبح تمدد الحرب في أوكرانيا إلى دول أخرى، استنكرت موسكو الجمعة "خطاب المواجهة". وقال الكرملين إنه يتابع عن كثب النقاش الأوروبي حول التسلح وأضاف: "الاتحاد الأوروبي يعتبر روسيا عدوا رئيسيا"، مستنكرا "خطاب مواجهة" يعارض "البحث عن تسوية" للحرب.
ومنحت وسائل الإعلام والمعلقون الموالون للكرملين مساحة كبيرة لانتقادات ترامب لأوكرانيا ورئيسها، فيما اتهموا أوروبا بالرغبة في "مواصلة" الحرب. وجاء في أحد عناوين صحيفة كومسومولسكايا برافدا الشعبية المؤيدة للكرملين: "ماكرون يشارك في الزحف: أوروبا مستعدة لتكبد ديون ضخمة من أجل الحرب مع روسيا". وذكر عنوان آخر: "السلام هو الحرب: ستارمر يعرض وجهة نظر بريطانيا بشأن إنهاء النزاع في أوكرانيا".
وفي خطاب متلفز ألقاه الأربعاء، اقترح ماكرون توسيع المظلة النووية مشددا على أن قرار استخدام السلاح النووي سيبقى حصرا بين "بين يدي" رئيس فرنسا. واعتبرت بولندا اقتراح ماكرون "واعد جدا".
من جهته، قال الرئيس فلاديمير بوتين إن بعض الناس نسوا ما حدث لنابليون، وذلك بعد يوم من وصف ماكرون لروسيا بأنها تهديد لأوروبا واقتراحه مناقشة توسيع حماية الترسانة النووية الفرنسية.
بدوره، قال ألكسندر دوغين المعلق القومي المتشدد الملقب بـ"عقل بوتين"، إن فرنسا "أعلنت الحرب على روسيا" بعدما قال ماكرون في خطاب للأمة، إن موسكو تمثّل تهديدا لبلاده.
وعلى غرار الأوروبيين اليوم، زادت روسيا هي الأخرى إنفاقها العسكري بشكل كبير منذ باشرت غزوها لأوكرانيا في 2022. والخميس، زار وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف مركزا للأبحاث تطور فيه أسلحة نووية. وقالت وزارة الدفاع في بيان إن الجيش الروسي يتوقع أن يتلقى "تطويرات جديدة" من المركز في المستقبل القريب، من دون ذكر المزيد من التفاصيل حول طبيعتها.
مجددا.. حرب باردة وسباق تسلح؟
في ظل التطورات الأخيرة، تترجم التوترات والانزلاقات الخطيرة على المشهد الجيوسياسي العالمي حاليا مع جنوح أكثر من جهة إلى الحرب، وتتجسد أكثر في سباق تسلح جديد يتبلور بين المعسكرين الشرقي بقيادة روسيا مع حلفائها التقليديين إيران والصين، ومعسكر غربي بات أوروبيا بامتياز بعد الانسحاب الأمريكي من الدعم العسكري لأوكرانيا.
يرى د. عمر الرداد خبير استراتيجي ومحلل سياسي أن الحرب في أوكرانيا كشفت عورة الدول الاتحاد الأوروبي "أمام تهديد روسي جديد يتجاوز حدود تهديدات الحرب الباردة، كما أماطت اللثام عن ضعف قدراته مقارنة بروسيا. حيث ظهرت أوروبا أسيرة للمواقف الأمريكية، خصوصا وأن مساهمتها بالدعم المقدم لأوكرانيا لم تتجاوز 35 بالمئة من المعدات والأسلحة، مقابل 65 بالمئة تم تقديمها من الولايات المتحدة".
ويضيف الرداد أن دولا كبرى في التكتل مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا نفسها باتت أمام معضلة وجودية ترتبط بمدى قدرتها على "مواجهة التهديد العسكري الروسي وعدم الارتهان الكلي لأمريكا، في ظل تحولات فرضها فوز ترامب، المساهم الأول بالناتو (حلف شمال الأطلسي)، فقررت زيادة ميزانياتها الدفاعية بشكل غير مسبوق، وأعدت خططا لتعزيز قواتها المسلحة".
كما يقول الرداد: "فيما تطور روسيا أسلحة فرط صوتية مثل أفانغارد وتسيركون، تركز الصناعات العسكرية الأوروبية على إنتاج منظومات الدفاعات المضادة للصواريخ،. ما يلفت النظر هو اتجاهات فرنسية وأوروبية لتحديث الترسانة النووية تحت عناوين ردعية، ما يشي بسباق تسلح جديد يعيد للأذهان مفاهيم الحرب الباردة".
ويرجع سباق التسلح إلى فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي سابقا والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى بداية التسعينيات.
وفيما تسابق الدول الأوروبية الزمن لإعداد العدة لمستقبل غامض ومفتوح على كل الاحتمالات بالنظر إلى المشهد السياسي الدولي راهنا، يؤكد المحلل السياسي محمود الأفندي قيام روسيا حاليا بتحديث كامل لترسانتها العسكرية بما في ذلك سلاح المدرعات، الدبابات، الأسطول العسكري والطيران وحتى الذخيرة. وقال الأفندي إن "دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة لا تنتج سوى ما بين 70 إلى 80 ألف قذيفة مدفعية شهريا، بينما تنتج روسيا 250 إلى 300 ألف قذيفة، كما تنتج ما بين 20 إلى 30 دبابة بشكل شهري، فيما الاتحاد الأوروبي لا ينتج حاليا دبابات جديدة ويكتفي بما يملكه من ترسانة قديمة ترجع إلى حوالي 15 سنة، مثل دبابة ليوبارد الألمانية منتجة من حوالي 20 سنة تقريبا".
لكن العبرة بالنوع وليس الكم كما أثبتته التجارب وتاريخ الاستراتيجيات العسكرية للحروب. في هذا الشأن، يلفت د. محمد صالح الفتيح خبير في الشؤون الدفاعية الإستراتيجية والدولية، إلى عوامل قوة لصالح الدول الأوروبية في سباق التسلح هذا رغم صعوبة الطريق. وهو يشير خصوصا إلى مسألة كون "الحكومة في روسيا هي المسؤولة عن الصناعة الدفاعية فهذا يرفع تكلفة التطوير ويضعف الكفاءة ويزيد من الأعباء على اقتصاد البلاد. كما يصبح التصنيع الدفاعي ضحية للبيروقراطية والفساد المنتشر عادة في الجهاز الحكومي، بحكم تجاربها السابقة. أما في الدول الأوروبية فالقطاع الخاص هو المسؤول الأكبر عن تطوير المنتجات الدفاعية وبالتالي تتنافس الشركات الأوروبية على تطوير المنتجات والمكونات الدفاعية المختلفة وتتولى الحكومات دور التخطيط والتمويل. والنتيجة هي كفاءة أعلى في التطوير وتخفيض في التكاليف".
رغم ذلك، يرى أستاذ الأكاديمية الروسية أن الأوروبيين لا يمكنهم مواكبة روسيا في سباق التسلح، لأنها ماضية أيضا في إنتاج المدفعية، والصواريخ بعيدة المدى فيما لا تزال أوروبا لم تطور أي صاروخ جديد. وقال في هذا الشأن: "نفذ السلاح الروسي القديم كله بعد استعماله خلال الحرب في أوكرانيا، أما اليوم، فإن أسطول روسيا العسكري كله حديث بما فيه المدفعية، الطيران، المسيّرات، وكل الأسلحة".
كما لفت الأفندي إلى التطور الكبير الذي حققته روسيا خلال الحرب الأوكرانية، مشيرا إلى تحديث سلاح الصواريخ بعيدة المدى وفرط صوتية، وضرب مثلا بالهجوم الذي شنته قوات موسكو في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على أوكرانيا باستخدام شجرة البندق أوريشنيك (صاروخ مجهز بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مسارا مستقلا عند دخوله الغلاف الجوي). وتساءل: "كيف يمكن لأوروبا أن تتخطى روسيا؟ أما سباق التسلح الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي الخميس فهو غير ذي جدوى، لأن موازين القوى تغيرت مع رحيل بايدن ومجيء ترامب الذي يريد السلام، هذا تغيير جذري للوضع الجيوسياسي في أوروبا".
ورغم أنه اعترف بأن روسيا تتفوق في مجالات الأنظمة الدفاعية التقليدية أو القديمة، مثل تصنيع قذائف المدفعية والصواريخ غير الموجهة، يلفت د. محمد صالح الفتيح إلى أن الدول الأوروبية تتغلب على روسيا من الناحية النوعية وذلك في أغلب المجالات العسكرية الحديثة. وهو يضرب مثلا هنا: "بمجال تصنيع القذائف الجوية الدقيقة التوجيه البعيدة المدى، أو ما يعرف بـ"Stand-off Weapons"، مثل صواريخ "طوريس" Taurus الجوالة الألمانية و"سكالب" SCALP الجوالة الفرنسية. إضافة إلى القدرات الإلكترونية في مجال الرصد والاستطلاع والاستخبارات(ISR) والتي تعد أكثر تقدما من نظيرتها الروسية، خصوصا القدرات المنشورة في الفضاء، والتي تبقى قدرات أكثر تقدما من نظيرتها الروسية سواء من حيث التصوير والتجسس أو التوجيه الملاحي وقدرات القيادة والسيطرة".
يضيف الفتيح بأن القاعدة الصناعية والتقنية الأوروبية هي أكثر تقدما من نظيرتها الروسية "لهذا حاولت موسكو في العقدين الأخيرين تطوير منتجاتها الدفاعية عبر مكونات أوروبية".
أقوى جيوش العالم: مقارنة بين روسيا - أوروبا
بلغة الأرقام، يمكن إجراء مقارنة بين القدرات العسكرية للجيشين الروسي من جهة، والجيوش الأوروبية مجتمعة من ناحية أخرى. يمكن الوقوف عند ذلك من خلال مراجعة آخر معطيات الموقع الأمريكي غلوبال فاير باور Global Firepower لأقوى جيوش العالم في 2025.
فبالنسبة إلى روسيا، فقد احتلت المرتبة الخامسة عالميا لجهة عديد القوات المقدر بحوالي 3 ملايين و570 ألف عسكري، منهم مليون و320 ألف جنديا نشطا ومليونين ضمن قوات الاحتياط.
القوات البرية: تملك روسيا 5750 دبابة، 131 ألف و527 عربة من مختلف الأنواع، 5168 مدفعية ذاتية الحركة، 8505 مدفعية مقطورة، و3005 راجمة صواريخ.
القوات الجوية: تملك عددا إجماليا من الطائرات الحربية مقدر بـ 4292 منها 883 طائرة مقاتلة، 689 طائرة هجومية، 456 طائرة نقل، 611 طائرة تدريب، 141 طائرة للمهمات الخاصة، 19 ناقلة دبابات، 1651 مروحية، و557 مروحية هجومية.
القوات البحرية الروسية: تضم 419 قطعة بحرية، منها حاملة طائرات، 10 سفن مدمرة، 12 فرقاطة، 82 كورفيت، 63 غواصة، 123 من الزوارق الدورية، و47 كاسحة ألغام.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام هي إجمالي أسطول روسيا العسكري بما في ذلك القوات أو القدرات النشطة والاحتياطية.
في المقابل، يحصي الأوروبيون في صفوفهم أكثر من 1.5 مليون جندي نشط، بما في ذلك عديد قوات الجيش الفرنسي من الجنود النشطين المقدر بـ 200 ألف، ألمانيا 181 ألف، وإيطاليا 165 ألف جندي نشط. حسبما نقل تقرير لموقع قناة تي إف 1 الفرنسية.
وذكر تقرير آخر لموقع توت لوروب Toute l'Europe أو كل أوروبا، ومقره باريس، بأن بولندا تملك أكبر جيوش الاتحاد الأوروبي مع عديد للعسكريين النشطين بلغ 202 ألف و100 جندي. مضيفا بأن إيطاليا التي تحتل المركز الرابع أوروبيا لديها ما يصل إلى 165 ألف و500 جندي نشط واحتياطي عدد جنود يبلغ 18 ألف. أما اليونان فلديها 142 ألف و700 جندي نشط، وإسبانيا بعدد يبلغ 133 ألف و282 جندي نشط.
وفي مجال القدرات العسكرية دائما، يثير د. عمر الرداد مسألة السلاح النووي، مشيرا إلى أنه ورغم تفوق "روسيا بأعداد الرؤوس النووية، لكنها تفتقد لقدرات توازي القدرات الأوروبية في استخدامات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة والروبوتات العسكرية التي ستكون عاملا حاسما في المواجهات المستقبلية".
ويتابع: "يضاف إلى ذلك أن الهجمات السيبرانية والتشويش الإلكتروني ستصبح ميدانا من ميادين سباق التسلح، بالتزامن مع تطوير القدرات الفضائية، التي تشمل الأقمار الصناعية العسكرية وأسلحة استهدافها".
في نفس الشأن، يمكن لنا تلمس القوة الأوروبية خصوصا مجسدة في حلف شمال الأطلسي، لكن لا يجب أن ننسى أنه يضم خصوصا الولايات المتحدة التي قررت النأي بالنفس عن الحرب في أوكرانيا وأي مواجهة مع روسيا ودعت منذ عودة ترامب لإنهاء الحرب فورا.
بلغة الأرقام دائما، وفيما يخص الجيوش الأوروبية، كشفت معطيات موقع غلوبال فاير باور Global Firepower أيضا، بأن حلف الناتو يملك عديد قوات مشتركة مقدرة بـ مليون و506 ألف و750 جندي، منهم 851 ألف و350 جندي نشط و649 ألف و150 ضمن قوات الاحتياط.
القوات البرية: يملك الناتو 3184 دبابة، 251 ألف و909 مركبة قتالية مدرعة، 1158 مدفعية ذاتية الحركة، 1765 مدفعية مقطورة، و429 مدفعية صاروخية.
القوات الجوية: تضم قوات حلف شمال الأطلسي الجوية 5253 وحدة بما فيها 881 مقاتلة وطائرة اعتراضية، 277 طائرة هجومية، 381 من طائرات النقل العسكري، 244 طائرة هجومية خاصة، 155 طائرة تزويد بالوقود جوا، و2172 مروحية، و360 مروحية هجومية.
القوات البحرية: 687 قطعة بحرية، من بينها 4 حاملات طائرات، 3 حاملات هليكوبتر، 28 سفينة مدمرة، 34 فرقاطة، 16 طراد، 37 غواصة، و45 سفينة حربية.
رغم سباق التسلح المحموم بين الأوروبيين وروسيا، يؤكد د. عمر الرداد بأن احتمالات سعي دول أوروبية للتوصل إلى اتفاقيات للحد من التسلح واردة، "خاصة في حال نجح ترامب بوقف الحرب الروسية الأوكرانية والوصول إلى تسوية".