خاص | النقار
لم تكد تمر جمعتان أو ثلاث على خلو ميدان السبعين من الاحتشادات الأسبوعية، حتى عادت رسائل الـ(GOV) ترد إلى موبايلات الخلق من جديد: استجابة لدعوة السيد القائد (حفظه الله)، لجنة نصرة الأقصى تدعو للخروج المليوني عصر الجمعة في ميدان السبعين بالعاصمة، وفي ساحات بقية المحافظات في مسيرات "على الوعد مع غزة.. ضد التهجير وضد كل المؤامرات".
فـ"لجنة نصرة الأقصى" هذه برئاسة المؤمن الأكبر أحمد حامد، رئيس كل اللجان ومدير عام مكتب رئاسة الجمهورية، دائما هي في صدارة الحدث. وما إن تحدث معتوه في واشنطن اسمه ترامب عن نيته في تهجير أهل غزة من أرضهم، كتعبير أصيل لما يحمله اسمه من معنى في اللغة الإنجليزية (ترامب بمعنى بوق)، حتى انبرى البوق المتحفز في اليمن هو الآخر داعيا إلى الاحتشاد والتنديد بما جاء على لسان البوق الواشنطني. ولن يكفي احتشاد واحد هنا، حيث سيستمر ذلك البوق في استفزازاته فيما سيستمر اليمنيون في الخروج والتنديد.
إنها "الخرمة" لا أكثر، وكل يؤديها بطريقته. فترامب يعود إلى السلطة متعطشا، وحين لا يجد ما يعمله في البيت الأبيض، يخرج بتصريحات من مثل ضم كندا إلى بلاده لتكون هي الولاية الحادية والخمسين، وتسمية الخليج المكسيكي بالخليج الأمريكي والاستيلاء من جديد على قناة بنما. وحين لا يجد من الجمهور الغربي إلا السخرية والاستهزاء، يتجه إلى الجمهور العربي بتصريح مفاده أنه سيقوم بضم غزة إليه شخصيا وتهجير سكانها إلى هذه البلاد أو تلك، ويكون على ثقة ويقين بأن مثل هكذا تصريح سيقع موقعا كبيرا في نفوس أولئك الجمهور بحيث لا بد من بطولة تتصدى له حتى لا يقال بأن العرب فقدوا نخوتهم وقضيتهم، وليس هناك من بطل سوى ذلك الذي دك يافا وأم الرشراش وقطع البحر الأحمر وطرد هاري ترومان وآيزنهاور وسفنهما الحربية، ووو... الخ، وقامت حكومته بصرف نصف راتب لشعبه العزيز في بداية العام 2025 ضمن آلية صرف استثنائية استثنت في الشهر الأول ما نسبته 75٪ من الموظفين وجعلتهم ضمن الفئة (ج)، أما في فبراير فقد استثنت الجميع وانتظرت حلول رمضان حتى تصرف لهم المعتاد.
سيخرج الناس في مسيرات "على الوعد مع غزة.. ضد التهجير وضد كل المؤامرات"، ليثبت لك أيها البوق أنه لن يكل ولن يمل عن نصرة غزة، وأنه إذا كان المتكلم مجنونا، بحسب المثل، فلن يكون المستمع هنا عاقلا بأي حال من الأحوال، بل هي فرصته للهروب من مشاكله ومسؤولياته الداخلية إلى تصدر البطولات مرة أخرى في أعالي البحار وأبهى الترندات.
هكذا تُختَتم الحلقة بلا مفاجآت: بوقٌ غربي ينفخ، وآخر شرقي يردّ، والشعبُ يُساق إلى الساحات ليُعيد إنتاج المشهد نفسه. فالخطاباتُ تتكرر، والوعودُ تتبخر، وفي النهاية، تُدفن الحقوق تحت ركام الشعارات، وتُختزل القضايا الكبرى إلى مجرد ذرائع لصناعة الأوهام. فهل من مُنصِتٍ لصوت العقل، أم أن الأبواقَ ستظل تُغرِقُ الجميعَ في ضجيجها إلى ما لا نهاية؟