• الساعة الآن 08:55 AM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

اقتصاد منهار وحكومة عاجزة.. كيف انهار "ريال العليمي"

news-details

 

خاص - النقار
في شوارع عدن، حيث تتهاوى أحلام الاستقرار تحت وطأة أزمة غير مسبوقة، تحولت محلات الصرافة إلى واجهة صامتة لأزمة اقتصادية تلتهم الأخضر واليابس. تجاوز سعر الدولار الأمريكي عتبة 2350 ريالاً يمنياً، ليسجل الرقم الأعلى في تاريخ البلاد، بينما توقفت أجهزة الحواسيب في تلك المحلات عن تحديث الأسعار، معلنةً إضراباً قسرياً ضد واقع باتت الخسائر فيه حتمية. هذه ليست مجرد أرقام تتصدر عناوين الأخبار، بل قصة انهيار نظام اقتصادي بأكمله، تتداخل فيه السياسة مع الاقتصاد، والحروب مع الفساد، والأمل مع اليأس.  

كشف انهيار الريال اليمني عن جروح عميقة في جسد الاقتصاد، بدأت بالنزيف المزمن لاحتياطيات النقد الأجنبي، الذي فقدته البلاد بعد توقف عائدات النفط جراء هجمات قوات صنعاء على الموانئ النفطية. فبحلول 2025، خسرت الحكومة ما يقارب 6 مليارات دولار من إيراداتها السنوية، بينما ظلت عجلة الإنفاق العام تدور بلا توقف، مدفوعةً بحرب ثقيلة منذ عقد.  

لكن الأزمة لم تكن اقتصادية بحتة، بل تفاقمت بفعل الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن، حيث تعيش اليمن تحت سلطتين نقديتين: واحدة تطبع العملة بلا غطاء في الجنوب، وأخرى تحاول عبثاً إدارة سوق صرف منهك في الشمال. هذا التشرذم حوّل العملة الوطنية إلى أداة صراع سياسي، فانتعشت "السوق السوداء" ككائن طفيلي يتغذى على غياب السياسات الموحدة.  

تحولت الأسواق في عدن إلى مسرحٍ لدراما إنسانية قاسية: رفوف نصف فارغة، وبائعون يحدقون في الفراغ، قفزت أسعار السلع الأساسية بنسبة 600% خلال عامين، فبات سعر كيس الدقيق الذي كان يُباع بـ50 ألف ريال يقترب من 350 ألفاً، بينما تحولت الأدوية إلى سلع فاخرة لا يقدر عليها سوى القلة.  

أما التجارة المحلية، فباتت أشبه بسفينة تتقاذفها أمواج التضخم. فمع ارتفاع تكاليف الاستيراد، توقفت عشرات الشركات عن استيراد السلع، بينما لجأ التجار إلى بيع المخزون القديم بأسعار خيالية، محاولين حماية أنفسهم من غول التضخم الذي لا يرحم.  

رغم الخطابات الرنانة عن "إصلاح الاقتصاد"، تظل إدارة رشاد العليمي عاجزة عن احتواء الأزمة. فغياب الاستقرار السياسي، مع فشله في إدارة المجلس الرئاسي وغيابه الطويل عن البلاد، حوّل القرارات الاقتصادية إلى سيف من ورق، لا يضرب ولا يخيف.

كما عجز البنك المركزي في عدن في توحيد السياسة النقدية، حيث تراجع العليمي عن قرارات جريئة قام بها المحافظ المعبقي مثل سحب تراخيص البنوك في مناطق أنصارالله، مما سمح باستمرار الانقسام النقدي. وفي الوقت نفسه، تجاهلت الحكومة تفعيل الموارد الحيوية، واعتمدت سياسات تقشفية زادت من معاناة المواطنين دون أن تحقق أي استقرار ملموس.  

في خضم هذه العاصفة الاقتصادية، تبرز مسؤولية القيادة كعامل حاسم في تحديد مصير اليمن. الحكومة برئاسة رشاد العليمي تبدو عاجزة عن مواجهة التحديات، تائهة في متاهات البيروقراطية والصراعات الداخلية.  

لقد حان الوقت لأن يتحلى العليمي بالشجاعة الكافية لمواجهة الحقيقة: قيادة البلاد في هذه المرحلة تتطلب أكثر من وجود رمزي في المنصب. إنها تتطلب رؤية واضحة وإرادة صلبة لاتخاذ قرارات صعبة. وإذا كان العليمي غير قادر على تقديم ذلك، فليكن شجاعاً بما يكفي للتنحي، وترك الساحة لمن يمتلك الكفاءة والإرادة لإنقاذ اليمن.

شارك الخبر: