• الساعة الآن 03:09 AM
  • 8℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

المجلس السياسي الأعلى .. أداة لتعزيز الحكم الفردي

news-details

مرت ثمان سنوات منذ تأسيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، الذي شكل بناء على اتفاق بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام.

وحدد قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم (1) لسنة 2016 مهام المجلس واختصاصاته، حيث نصت المادة الأولى أن المجلس أعلى سلطة في الدولة ويمارس كافة الصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية. ما يعني أن المجلس بكامل أعضائه يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، وقراراته يصدرها رئيس المجلس بعد التوافق عليها بين أعضائه.

ورغم ذلك، صارت صلاحيات أعضاء المجلس العشرة مختزلة في شخص رئيس المجلس، مهدي المشاط. فالمجلس لم يعد يعقد اجتماعاته حتى لغرض التمديد لرئاسته، لأن المشاط مددت رئاسته حتى صدور قرار آخر في اجتماع عقد في مطلع يونيو 2024، بعد أن كانت رئاسة المجلس دورية (كل أربعة أشهر) بحسب اللائحة الداخلية.

وحتى التغيير الجذري الذي روجت له الجماعة بأنه سيشمل الجميع بما فيهم المجلس السياسي الأعلى، يبدو اليوم وكأنه حول سلطة المجلس من توافقية إلى فردية يحتكرها رئيس المجلس المشاط، ومن خلفه مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد حامد، الذي بات الكثيرون ينعتونه بأنه “رئيس الرئيس”.

غاب أعضاء المجلس عن الإعلام الرسمي للجماعة، الذي صار ينعت المشاط بفخامة الرئيس، ولم يتبق سوى اثنين منهم يمارسان أنشطتهما بعيدا عن المجلس، الذي يبدو أنه حل نفسه لصالح رئيسه في اجتماع مطلع يونيو الماضي دون أن يحضرا ذلك الاجتماع.

العضو الأول هو محمد علي الحوثي، والذي يمارس أنشطته مستمدا نفوذه من انتمائه لأسرة الحوثي، ومن رئاسته للجنة الثورية التي ظلت تدير مناطق السيطرة منذ اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وحتى تشكيل المجلس.

والثاني سلطان السامعي المحسوب كحليف للجماعة، والذي أصبح معارضا لكثير من سياسات السلطة. وباتت أنشطته مقتصرة على حضور بعض الفعاليات وترؤس بعض الاجتماعات، ولكن من تعز مسقط رأسه، التي عاد إليها محتجا على تهميشه قبل حوالي 7 أشهر، بعد أن خاض صراعا مع نافذين في الجماعة على ذمة قضايا فساد، كان آخرها مع محمد المطهر وزير الصناعة والتجارة السابق، المدعوم من المشاط ونافذين في الجماعة.

ويبدو المجلس السياسي الأعلى اليوم مجرد أداة بيد الجماعة، تستخدمه لمزيد من التغول داخل الجهاز الإداري للدولة، وتفصيله على مقاسها الأيديولوجي. فأحمد حامد يجهز قراراته بناء على توجيهات السلطة الخفية التي أطلقت يده، والمشاط يصدرها مضيفا عليها صفة رسمية باعتباره رئيس المجلس، دون أن تمر بمرحلة التوافق التي من أجلها أنشئ المجلس في 28 يوليو 2016 بالمناصفة العددية وشراكة القرار بين المؤتمر والحوثيين.

ومثلما انفرد الحوثيون بتشكيل حكومة الرهوي باعتبارها باكورة التغييرات الجذرية بعيدا عن شريكهم المؤتمر، صاروا أيضا مستحوذين على قرارات المجلس السياسي، لمزيد من التمكين والتغول. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن الإقصاء الذي تعرض له المؤتمر انسحب إلى داخل الجماعة التي باتت تدار بأجنحة تتصارع على النفوذ، ليصير المجلس السياسي في يد جناح رأسه الظاهر أحمد حامد والمشاط، مقابل جناح يظهر منه محمد علي الحوثي عضو المجلس.

ما تمارسه الجماعة اليوم تحت مسمى المجلس السياسي الأعلى ليس بجديد، فقد سبق أن مارسته بالأمس عبر اللجنة الثورية للبلاد، وإن كانت فترتها أقصر. حيث صارت قراراتها بعد أشهر قليلة من توليها الحكم بيد رئيسها محمد علي الحوثي، بعيدا عن باقي أعضاء اللجنة، ما يكشف بوضوح عن طبيعة عقلية الاستحواذ للجماعة، والتي تعد معادلا ضديا للشراكة، والتي ما أن تنتهي من الصراع مع شريكها/شركائها، تنتقل إلى الصراع بين مراكز النفوذ بداخلها.

كما يكشف حال المجلس السياسي الأعلى بوضوح عن صراع مراكز نفوذ داخل الجماعة. فالمجلس السياسي صار اليوم بيد مركز نفوذ يتصارع مع مركز نفوذ آخر كان يدير اللجنة الثورية بالأمس، وهو تلخيص لمشروع الجماعة العصبوي القائم على الولاية، والمتصادم مع التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

شارك الخبر: